اعلام الشربيني وقوانين موسوليني في مصر

بسياسات قمعية وبقوانين فاشية تمكن السيسي من قتل الحياة الاعلامية في مصر والتي بلغت ذروة توهجها بعد ثورة يناير وخلال حكم الرئيس مرسي

 

 

هي المصادفة وحدها التي ربطت بين أسماء نجوم إعلامية وفنية في لقب (الشربيني)، دينا الشربيني ..رضوى الشربيني ..نور الشربيني ..الشيف الشربيني، الأولى نجمة تمثيل لا تزال تثير فضول متابعيها بغرامياتها و”دلعها”مع المطرب عمرو دياب، والثانية عكسها تماما فهي مذيعة تخصصت في تحريض الزوجات ضد أزواجهن، و”التفنن” في “العكننة” عليهم،  والثالثة نجمة رياضية (بطلة العالم في الاسكواش) والتي صارت ضيفا دائما لحفلات التكريم في مصر، والأخير هو شيف يقدم برنامجا شهيرا للطبخ، يجتذب مشاهدات واسعة.

 هو تشابه أسماء إذن وليسوا أشقاء أو أقارب، ولكن الرابط الأهم بينهم بخلاف الاشتراك في اللقب هو أنهم جميعا أصبحوا الحالة النموذجية للإعلام المصري المطلوب حاليا بعيدا عن أوجاع السياسة، والاقتصاد والتوك شو، فالمطلوب هو تبريد الحالة السياسية، وصرف الناس عن الاهتمام بالقضايا العامة والوطنية والانشغال بتوافه الأمور مثل المشاجرات الزوجية أو القصص الرومانسية، أو البرامج الفنية والرياضية وبرامج الطبخ.

هواجس الانقلاب

يدرك السيسي جيدا خطورة وأهمية الإعلام، ويعرف جيدا الدور الكبير الذي لعبه الإعلام في إفشال الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي، والتمهيد لانقلاب الثالث من يوليو 2013، و”تعشعش” داخله هواجس انقلاب الإعلام عليه والتي كان أحد مؤشراتها توافق معظم القنوات والبرامج الكبرى على إبراز خواء اللجان في الانتخابات الرئاسية في 2014 وهو ما دفعه (السيسي) لتفادي ذلك في انتخابات 2018 عبر فرض هيمنة شبه تامة من قبل المخابرات على غالبية القنوات الأكثر مشاهدة (عمليات شراء ودمج تحت مطلات شركات تبدو مدنية ولكنها مملوكة للمخابرات).

لم يخف السيسي إعجابه بإعلام عبد الناصر في الستينيات، وشوقه لاستسنساخ هذا النموزج، وقد صبر كثيرا على “أساطين” الفضائيات الذين ساعدوه في تحقيق انقلابه، وساعدوه بعد الانقلاب، لكنه كان يضمر ضرورة التخلص منهم في أقرب وقت، فهم يشعرونه بطريقة مباشرة او غير مباشرة بأنهم ليسوا مجرد إعلاميين مهنيين، يؤدون ما يطلب منهم، ولكنهم قبل ذلك هم شركاء له في الترتيب لـ 30 يونيو و3 يوليو، والسيسي – وكأي حاكم مستبد- مثل الفريك لا يحب الشريك، ولذلك كثيرا ما ألمح في خطبه بأنه ليس في رقبته دين ولا فواتير لأحد حتى يسددها.

تقسيم الشعب والاعلام

كما قسم نظام السيسي المصريين إلى شعبين، فقد قسم الإعلام إلى إعلامين أيضا، أحدهما التابع والموالي له، والثاني هو المناهض له، وهو الذي بدأ بقمعه منذ اللحظات الأولى لانقلابه، حيث اغلق القنوات والصحف والمواقع، وحبس عشرات الصحفيين المناهضين له، وظل محتملا لباقي وسائل الإعلام خاصة أنه كان في احتياج إليها لتثبيت انقلابه، لكنه كان يبدي تململا بين الحين والآخر، وكان يعبر عن ذلك بشكل مباشر حين أبدى انبهاره بإعلام ناصر، وحين انتقد برامج التوك شو التي تستغرق ساعات، لكنه انتقل من مرحلة التململ والإشارة إلى التحرك العملي للسيطرة التامة على وسائل الإعلام خصوصا الأكثر تأثيرا وانتشارا، بطريقة حديثة، لا تبدو تأميما مباشرا كما كان الحال في الستينيات، ولكن من خلال إنشاء شركات مدنية تابعة للمخابرات، مهمتها الاستحواذ على القنوات والمواقع والمنابر الإعلامية عموما، ليسهل توجيهها بشكل مباشر وبدون حرج باعتبارها ملكا لهذه الجهة، وقد بدأت عمليات الاستحواذ قبيل الانتخابات الرئاسية في 2018 تجنبا لتكرار مشهد لجان انتخابات 2014، لكن وتيرة الاستحواذات تصاعدت بعد ذلك وكان أحدثها الاستحواذ على بقية أسهم شركة فيوتشر لصاحبها رجل الأعمال الغامض محمد الأمين، والتي تتملك قنوات سي بي سي وجريدة الوطن وبعض الشركات الإنتاجية الأخرى، ( كانت شركة إعلام المصريين التابعة للمخابرات تتملك 30% فقط من أسهم الشركة من قبل)، وكان أول ثمار هذا التملك الكامل الاستغناء عن المذيعة لميس الحديدي التي كانت تمثل رافعة قنوات سي بي سي، والتي سبقها إبعاد زوجها عمرو أديب إلى قناة إم بي سي، والإطاحة بوائل الإبراشي من قناة دريم في سياق حركة إطاحات أخرى شملت إعلاميين في قنوات المخابرات وغيرها.

إعادة التدوير

غالبية الوجوه الإعلامية البارزة التي كانت ملء الشاشات خلال السنوات الماضية اختفت تدريجيا عن الشاشات، بتعليمات أمنية، وبعضها أعيد تدويره في برامج من الدرجة الثالثة، تلبي سياسات المرحلة وهي تبريد الحالة السياسية والتركيز على المنوعات والفنون والرياضة الخ، هذا التغييب المنظم يلبي رغبة دفينة للسيسي بالتخلص من كل شركائه الحقيقين أو المدعين، وهو لا يريد بقاء أي شخص يشعر بهكذا شعور حتى لو لم يعبر عنه صراحة، ولن يكون هؤلاء الإعلاميون الذين يعتقدون أنهم أتوا بالسيسي للحكم، أعز عليه من كبار شركائه في جريمة الانقلاب مثل اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية الأسبق، والفريق صدقي صبحي وزير الدفاع وصهره الفريق محمود حجازي رئيس الأركان السابق، أو الفريق سامي عنان رئيس الأركان الأسبق واللواء خالد فوزي رئيس المخابرات العامة الخ.

لم يكتف السيسي بهذه الإجراءات للهيمنة التامة على وسائل الاعلام، وإنهاء حقبة الإعلام الحر تماما، بل عمد إلى تفريغ النصوص الدستورية التي تضمن حرية الاعلام من مضمونها عبر سن العديد من التشريعات المخالفة بشكل صريح للدستور، وأحدثها قوانين تنظيم الاعلام والهيئتين الوطنيتين للصحافة والاعلام، وقبلها قانون الجرائم الإلكترونية، وقوانين مكافحة الإرهاب الخ، وكلها قوانين تشرعن حالة القمع الفعلية القائمة عبر منظومة قانونية فاشية لا تقل سوءا عن قوانين موسيليني أو هتلر.

بسياسات قمعية وبقوانين فاشية تمكن السيسي من قتل الحياة الإعلامية في مصر والتي بلغت ذروة توهجها بعد ثورة يناير وخلال حكم الرئيس مرسي، ومع هذا الأفول الاعلامي أصبحت مصر تتبوأ المواقع الأخيرة في تصنيفات الصحافة العالمية، ويحرم شعب مصر من حقه الطبيعي في المعرفة، لكن عزاءه في قنوات ومواقع مصرية مهاجرة، حملت همومه، ودافعت عن حقوقه وحرياته، وأصبحت الآن محط آماله، لكنها تحتاج أن تحسن استقبال الوافد الجديد.

 

 

 

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه