“استفتاء الرز”.. رشوة رئاسية والإقبال يعتذر عن الحضور

يستشعر النظام في مصر الخطر جراء المقاومة الشديدة للتعديلات الدستورية وعدوانه على الدستور؛ فالتعديلات التي أقرها مجلس النواب ويجري الاستفتاء عليها يومي ٢٢ و٢٣ أبريل الجاري يقابلها معارضة شديدة من قبل القوى الوطنية جميعا من أقصى اليمين الى أقصى اليسار..

ومن أجل هذا بدأ النظام المصري محاولات حشد كبيرة للتصويت على الاستفتاء في مواجهة نداءات المعارضة والقوى الثورية بالتصويت بلا عليها، أو مقاطعة التصويت في موقف واضح لها..

واتخذت القوى قرارا شبه مؤكد حتى الآن على التصويت بلا، وإن كانت هناك أصوات تنادي بالمقاطعة كوسيلة سياسية للاعتراض على التعديلات، ورغم ذلك فإن النظام يستشعر خطرا كبيرا من عدم الإقبال على الاستفتاء خصوصا أن تجارب الانتخابات في السنوات الخمس الماضية لم تشهد إلا حضورا قليلا للشعب المصري في لجان الانتخابات أو الاستفتاء.

رشوة رئاسية لموظفي الدولة

وفي مفاجأة غير معتادة أعلن السيسي، في مؤتمر الشباب الأفريقي عن حزمة قرارات رئاسية تخص علاوات الموظفين بالدولة تمثلت في رفع الحد الأدنى للأجور من ١٢٠٠ جنيه مصري إلى ألفين (115 دولارا)، وعن علاوة قدرها١٠٪ من أساسي المرتب مع منحة للعاملين عباره عن ١٥٠ جنيها تصرف مرة واحدة فيما وصف بأنه رشوة سياسية للموظفين لحثهم على التصويت بنعم لتعديلات تأبيد حكمه، وتدخل القوات المسلحة في الحياة السياسية المصرية بدعوى حماية مدنية الدولة.

رشوة سياسية ضعيفة جدا

ما قدمه السيسي رغم أنها مفاجأة جيدة لموظفي الدولة التي أنهكها الغلاء المشتعل على مدى السنوات الأخيرة إلا أنها لا تمثل شيئا، لأن ما كان جيدا ٢٠١٠ مثلا حينما كان الحد الأدنى للأجور ١٢٠٠ جنيه بما يعادل ١٥٧ دولارا أصبح الآن ٢٠٠٠ جنيه، وهو لا يساوى إلا نحو 115 دولارا، وإن ما قيل عن علاوة سنوية (دائما كان موعدها أول مايو حيث عيد العمال وتقدمت بفعل الاستفتاء) لم يتم صرفها على مدى السنوات الثلاث الماضية..

لكن النظام يحاول بكل الطرق أن يأخذ الموظفين إلى بوابات لجان الاستفتاء لالتقاط صورة يدعم بها شرعيته أمام دول العالم التي أصبحت تنتقد بصفة يومية أداء النظام المعادي للحريات والحقوق وحرية الرأي والتعبير..  وهو ما جعل سجون النظام تمتلئ بكل التيارات السياسية والثورية حتى الشاب الذي أعلن وحيدا في ميدان التحرير رغبته في رحيل السيسي اعتقل وسجن ولم يعرف مصيره حتى الآن.

فالتقاط صور أمام اللجان في الاستفتاء هو غرض النظام من رشوة الرئيس لموظفي الدولة المصرية التي يبلغ عددهم ما يقرب من ٤ ملايين موظف.

كل اللافتات نعم ولا لافتة واحدة للا!

سعت الدولة والنظام إلى جذب الناخبين، وأصدرت أوامرها إلى كل الوزرات لحث الناس على الذهاب للجان، وعقدوا مؤتمرات داخلها وفرضوا عقوبات على من يتخلف عن الذهاب، وقام حزب مستقبل وطن وريث الحزب الوطني المنحل بعمل لافتات انتخابية تدعو للتصويت على الاستفتاء بنعم، وامتلأ ميدان التحرير (ميدان ثورة يناير) وكل الميادين باللافتات التي تدعو المواطنين للتصويت بنعم، ولم يُسمح بأي لافته تدعو إلى التصويت بلا..

بل إن موظفي المحليات وعناصر بالأجهزة الأمنية أجبرت كثيرا من التجار وأصحاب المحال والشركات على عمل هذه اللافتات للحث على التصويت؛ فالنظام لا يهمه من يصوت بنعم ومن يصوت بلا إذ المؤكد أنهم بحاجة إلى الصورة فقط، لأن نتيجة الاستفتاء واي انتخابات كما عودنا النظام خلال خمس سنوات هي ما تعلنه لجانه!

ولعل تحذير السيد رئيس اللجنة العليا للانتخابات عن تطبيق غرامة التخلف عن التصويت يصب في هذا الاتجاه رغم حكم المحكمة بعدم دستورية الغرامة، إذ المقاطعة تعبير عن آراء بعض المواطنين في الاستفتاء أو الانتخابات.

المقاطعة عقدة النظام منذ انتخابات ٢٠١٢

طوابير الناخبين الطويلة والممتدة لعدة كيلومترات في كل الاستحقاقات الانتخابية في مصر طوال سنتي ثورة يناير وبالتحديد من استفتاء ١٩ مارس مرورا بأول انتخابات برلمانية بعد الثورة ودستور ٢٠١٢ حتى انتخابات الرئاسة الأولى بعد ٢٥ يناير في مايو ٢٠١٢ في جولتي الانتخابات الرئاسية صارت عقدة كبيرة لدى النظام الذي لم يشهد أي استحقاقات انتخابية في عهده منذ يوليو ٢٠١٣ أي إقبال جماهيري كبير..

ولم تتجاوز نسبة الحضور في معظم هذه الاستحقاقات أي نوع من الإقبال بدءا من دستور ٢٠١٤ الذي سجل أعلى نسبة حضور في هذه السنوات بحوالي ٢٥٪. من نسبة المسجلين، وحتى الانتخابات الرئاسية (مرتان: 2014 و2018) لم تتجاوز نسبة الحضور فيها ١٥ ٪، وحتى انتخابات مجلس النواب، رغم أنها دائما ذات حضور عال إلا أن النسبة أيضا لم تتجاوز ٣٠٪. أما انتخابات الرئاسة ٢٠١٨ فلم تتجاوز ١٠٪ فصارت الاستحقاقات الانتخابية عقدة لدى نظام السيسي إذ هم يحاولون حل العقدة الكبيرة.

والواقع أن الشعب المصري أدار ظهره للعملية السياسية منذ تدخلت الدولة العميقة والمؤسسات الأمنية في تلك العملية. فحين شعر الشعب أن صوته له فائدة وقف بالطوابير، ولعلنا نتذكر طابور الناخبين تحت المطر في مارس ٢٠١١

ونتذكر أن نسبة التصويت في الانتخابات البرلمانية تعدت ال٦٠٪، وكذلك في الانتخابات الرئاسية ٢٠١٢.. 

هكذا عندما كان الصوت الانتخابي له قيمة وجدوى في تحديد مستقبل مصر أقبل المصريون وقوفا لساعات أمام اللجان الانتخابية، وعندما شعر بعدم الجدوى، وأن النتائج محددة سلفا غادر الشعب اللجان ولم يعد لها.

ولعل الصورة الخالية من أي شخص في انتخابات الرئاسة الأخيرة خير معبر عن العقدة التي يحاول النظام التخلص منها … فالإقبال غائب في ظل سيطرة أجهزة أمنية وأجهزة غير عادلة على المشهد، والمؤكد أن “إقبال” لن تحضر أي استحقاقات انتخابية إلى حين!

المعارضة المصرية والحيرة الخالدة

بينما موقف النظام واضح في الحشد من أجل اللقطة التليفزيونية فإن المعارضة المدنية المحاصرة داخل مقرات أحزابها بعيدا عن الشارع والجماهير بمؤتمرات قليلة الحشد وقليلة الحيلة في الوصول للشعب أو عدم قدرتها على تعليق لافتة واحدة تعبر عن موقفها من التعديلات الدستورية أو محاصرة على صفحات التواصل الاجتماعي (تويتر وفيسبوك) والتي تتعرض لهجمات إلكترونية من لجان النظام، أو محاصرة في قنوات تركيا التي لا تمتلك إلا كاميرا وصوت لا تزال في حيرة من موقفها الحاسم.

ورغم وجود تيار كبير وسط هذه المعارضة يدعو إلى النزول والتصويت بلا، كون هذه المعركة فرصة الالتحام بالشارع بعد غياب طويل منذ معركة تيران وصنافير، وخاصة أن هناك رفضا كبيرا داخل الشارع للاعتداء على الدستور، ويقود هذا التيار شخصيات عامة كبيرة وبعض شباب الثورة أو أغلبيتهم؛ إلا أن هناك تيارا آخر داخل القوى الثورية والسياسية يدعو إلى المقاطعة اعتقادا منهم أنهم يحققون عرض النظام في اللقطة التليفزيونية، وأنه مهما كان عدد ونسبة المصوتين بـ”لا”؛ فإن اللجنة العليا مفقودة الثقة ستعلن ما يجبرها النظام على إعلانه كما حدث في كل الانتخابات السابقة.

وحتى الآن لم تتخذ المعارضة المصرية قرارا واضحا في هذا الشأن، وإن كنت أميل إلى المقاطعة في ظل نظام مفتقد للثقة في نزاهته إلا أن معظم معسكر رفض التعديلات في انتظار موقف واضح لهم ربما يصدر خلال أيام …

وفى ظل هذا يذهب السيسي إلى الولايات المتحدة في زيارة قد تحمل الكثير من المفاجآت فيما يخص صفقة القرن، وهى الصفقة التي أصبحت ملامحها شبه واضحة من خلال بعض التقارير الإخبارية والتصريحات الأمريكية..  ربما تكون تلك الصفقة وهذه الزيارة تحمل تغييرا في الشارع المصري وتعطي نفسا عميقا للقوى السياسية والثورية في مصر.

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه