استراتيجيات وأهداف .. ليس من بينها العراق

لم تعد شمس العراق أجمل من سواها كما رآها ( السياب ). ولا الظلام هناك أجمل . ولا صوت العراق يتفجر يصعد كالمد كالسحابة. وعذراً (درويش) فالوطن أصبح حقيبة والكل اصبح مسافراً

 أيمن خالد*

 
لم تعد شمس العراق أجمل من سواها كما رآها (السياب). ولا الظلام هناك أجمل. ولا صوت العراق يتفجر يصعد كالمد كالسحابة. وعذراً (درويش) فالوطن أصبح حقيبة والكل أصبح مسافراً. وأمسى القلب يتلفت بديل العين .
هناك  تدور رحى الحرب الظالمة بعد أن تركت الولايات المتحدة الأمريكية أبواب العراق مفتوحة لصراع الاستراتيجيات المتضادة وليس من بينها استراتيجية تحمي أرض العراق . أمريكا تقاتل بقواتها الجوية فتقود حلفاً عالمياً ستينيا جديداً بمشروعية المنتصر المنقذ .إنها (الحرب على الإرهاب) الجاهزة أرضها وتمويلها وحطبها تلقي بظلالها المخيفة مرة أخرى على رؤوس أبناء الرافدين، ومعها تضيع معايير التمييز لهوية القاتل والمقتول تاركة وراءها سيلاً من التساؤلات !! ما هو السقف الزمني لهذه الحرب؟ من يحق له حمل السلاح؟ من الشريك؟ من الوسيط؟ من الوكيل؟ تساؤلات يتغابى عارفوها والمخططون لها عن الإجابة عليها, فيما تحكي همساً أرض العراق قصة  شعب أتعبه الموت.
الكثيرون لم يستبشروا خيراً واعتبروه (نذير شر وشؤم) ما ورد بإحدى فقرات الاتفاقية الأمنية بين العراق وأمريكا في العام 2008 التي تقول (يوافق الطرفان على الاستمرار في تعاونهما الوثيق في تعزيز وإدامة المؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات السياسية والديمقراطية في العراق، بما في ذلك، وفق ما قد يتفقان عليه، التعاون في تدريب وتجهيز وتسليح قوات الأمن العراقية، من أجل مكافحة الإرهاب المحلي والدولي والجماعات الخارجة عن القانون، بناءً على طلب من الحكومة العراقية).
هذه هي نتائج المعاهدات غير المتكافئة المعقودة وقت الحرب بين المنتصر والمهزوم. الكل كان ينتظر هذه الحرب الممهد لها. لكن أحداً لم يكن يتوقع تصريح نوري المالكي في حينها بقوله : حدود العراق مفتوحة من كل جهاتها لمن يريد الحرب ضد الارهاب وبعدها يتظلم الى العالم من دخول الآلاف من المقاتلين الاجانب. 
وحيث أن النتائج بمقدماتها وللعراق حالته الخاصة فلا أهمية لتحليل سياسي او استراتيجي حول العراق دون قراءة آثار ونتائج الاحتلال بكل تناقضاتها .
 المنتج الاكثر سوءاً وتناقضاً (الدستور العراقي) عام 2005 أو كما يعرف عراقياً بدستور (بريمر). بموجبه تشكلت ثلاثية المشهد العراقي الأبرز (السنة والشيعة والاكراد ) لاقتسام الارض والمال والدم . عملية سياسية هجينة يرى كثيرون أنها أوقعت البلاد في أتون الحرب الأهلية التي انتجت حالة الارهاب. وفي ظلها  خضع العراق الى متحولين اثنين  مهدآ لاقتطاع نصف العراق من سيطرة حكومة بغداد لصالح تنظيم الدولة الإسلامية .
المتحول الاول : بداية عام 2014 حيث اصطدمت حكومة المالكي (دولة إيران السرية في العراق) كما يسميها البعض الموهومة بجنون عظمتها, برغبات الشريك الكردي المتطبع بسياسة الأخذ من دون العطاء, الحليف ذي الامتياز الخاص لأمريكا. وحيث القوانين الدستورية التي منحت الأكراد حقوقاً وامتيازات على حساب الآخرين  فوقعت إشكالية تصدير النفط خارج إرادة حكومة بغداد واشتعال النزاع حول مدينة كركوك النفطية التي تسيطر عليها القوات الكردية ( البيشمركة ) . بالمقابل قطعت حكومة بغداد حصة كردستان من الميزانية العامة ما دفع الى احتقان أفضى إلى المواجهة المسلحة بين الطرفين سرعان ما تمت تسويتها  .
المتحول الثاني : اعتصام محافظات (أهل السنة) احتجاجاً على سياسة التمييز والقمع والاجتثاث والسجون التي انتهجها (نوري المالكي) ضدهم وقيامه بقصف ساحات الاعتصام وفضها بالقوة المسلحة وإدخاله قواته المسلحة بحرب مفتوحة أنهكته وقواته في الأنبار بحجة ملاحقة الارهابيين.
 ستة أشهر من الفشل الذريع للجيش الحكومي في صحراء ومدن الأنبار  فوجئ العالم بعدها في العاشر من يونيو/حزيران 2014 بتنظيم الدولة يكتسح نصف العراق ويقف على أسوار بغداد فيما هربت قوات المالكي تاركة الارض والسلاح والآليات غنائم بيد التنظيم.
المشهد العراقي الآن في أخطر مراحله . الأمر مفتوح على كل الاحتمالات فالولايات المتحدة الأمريكية تعمل بأنصاف الحلول واستراتيجيتها فيما تسميه الحرب على الارهاب تبدو غير ناضجة لجهة السقف الزمني والمحددات المكانية بحسب دوائر القرار الأمريكي. وتحالفاتها تنطوي على كثير من القلق إضافة الى أن عوامل الحسم على الأرض تضعفها شدة الخلافات بين اطراف النزاع العراقي المسلح والأجندات السياسية المتقاطعة التي تتحرك بجزئها الأكبر وفق استراتيجيات الشد الى الخارج.
حكومة بغداد عاجزة عن المواجهة الحقيقية إذ تعاني المؤسسة العسكرية من تبعات الفشل الميداني الذي منيت به في الموصل والأنبار وأجزاء من صلاح الدين وديالى وكركوك . وميليشيات الحشد الشعبي الشيعية المدعومة من إيران ولاؤها للمرجعية الدينية التي اسستها وهي سلطة تعتبر نفسها فوق الدولة مادام منصب رئيس الوزراء يعتبر بحكم المعدوم ما لم يأخذ مباركة المرجعية الدينية .
 الديون تلقي بثقلها على كاهل حكومة فاسدة أثقلت البلد بحرب استنزاف تدفع فاتورتها لتحالف دولي ليس مضطراً على الحسم القريب. فيما يشكل ملف الملايين من النازحين والمهجرين حملاً مضافا على كاهل حكومة  منتقد أداؤها في هذا الجانب بسبب سرقة الأموال المخصصة لإغاثة اللاجئين من قبل اللجان المشكلة من بعض النواب في البرلمان كما تؤكد ذلك مجالس التحقيق .
تنظيم الدولة (داعش) العدو المشترك لكل الاطراف الداخلية والإقليمية والعالمية والتي تحاول جميعها الظهور امامه وكأنها على قلب رجل واحد. يمثل هذا التنظيم أحياناً التهمة الجاهزة لمن يشق عصا الطاعة  .
الكثير من الاستراتيجيين يرى أن تنظيم الدولة لا يبالي كثيرا بحجم وقدرات خصومه من تشكيلات الجيش الحكومي والميليشيات الطائفية  فهو يرى فيهم كما يرى وزير الدفاع الامريكي أنهم يفتقدون  العقيدة العسكرية والإرادة القتالية . فكثيرا ما يكون تنظيم الدولة هو صاحب زمان ومكان المواجهة . خصوصا وأنه يلعب بمساحات مفتوحة ضمن سيطرته بين حدود دولتين (العراق وسوريا ) .
بالمقابل فان التحالف الدولي بقيادة أمريكا تشاركه القوات المسلحة العراقية يتعذر عليهم تحديد الهدف، أو ربما هذا هو الهدف !! لتذهب آلاف الأطنان من القنابل والبراميل المتفجرة لتهدم بيوت (أهل السنة) على رؤوس ساكنيها المدنيين كأحد خيارات الموت المتاح لمدن حمل اهلها يوماً سلاح المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي.

____________________

*كاتب وإعلامي عراقي 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه