استباحة الإخوان

في عهود ناصر والسادات ومبارك كثير من أهل اليسار يصمتون على سجن أهل اليمين، بمن فيهم الإخوان والإسلاميين. وعندما يتم سجن أهل اليسار يصمت أو يفرح أغلب أهل اليمين ومنهم الإسلاميين.

 كان المشهد مؤلماً عندما قال الرئيس الأسبق محمد مرسي أنه لم يقابل اسرته أو محاميه منذ أربعة سنوات. كان مؤلماً سقوط نائب رئيس حزب الوسط عصام سلطان مغشياً عليه. ولعلك تتذكر الصورة الشهيرة لسعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب الأسبق والتي ظهر فيها في حالة اعياء شديدة فاقداً معظم وزنه.

 إنها انتهاكات ضد الإنسانية لا يتعرض لها الإخوان وحدهم، لكن كل المسجونين الذين لا يرضى عنهم من يحكمون، من كل التيارات، بل أحياناً المواطنين العاديين. 

 لماذا يحدث ذلك؟

 أعتقد أن الثقافة السياسية السائدة في بلادنا ومنذ عقود وعقود، “تشيطن” الخصوم، تنقلهم تدريجياً من خانة البشر إلى خانة أقل حتى من الحيوانات. السبب أن الخصم أو المعارض ليس صاحب وجهة نظر، فهو أساساً لا يحق له أن يكون لديه وجهة نظر، إنه خائن وعميل، إنه التكفير الوطني الذي سبقه آلة صحفية وإعلامية ضخمة، هدفها “شيطنة” الخصوم، بنشر أخبار بالحق وبالباطل، وغسيل مخ للعقل العام  حتى لا يتألم عندما يتم العصف بحقوقهم الإنسانية أو حتى حقوقهم التي يكفلها لهم القانون، وحتى لا يتألم أيضاً عندما يتم القتل خارج القانون، فالمقتول كافر وطنياً وخائن وعميل …. إلخ.

 لماذا تصمت عندما يتعرض خصمك لانتهاكات؟

 للأسف هذا يحدث منذ انقلاب عام 2195، ففي  عهود ناصر والسادات ومبارك كثير من أهل اليسار يصمتون على سجن أهل اليمين، بمن فيهم  الإخوان والإسلاميين. وعندما يتم سجن أهل اليسار يصمت أو يفرح أغلب أهل اليمين ومنهم الإسلاميين.

  تصورت وتصور غيري أن الأمر سيختلف بعد ثورة يناير المجيدة، فقد أدرك الجميع أنهم أصحاب مصلحة في إنهاء آلة الاستبداد، فقد اكتووا بنارها وذاق أغلب الشعب المصري مرارتها؛ لكن للأسف هذا لم يحدث. فقد انتشرت ثقافة الغنيمة، الجميع يلهث فقط لركوب آلة الاستبداد لكي ينفذ حلمه بالاستيلاء على البلد، وليس تفكيك هذه الآلة لبناء بلد محترم.

 لذك استمر ذات المنهج الفاسد، فقد صمت على سبيل المثال الإخوان والإسلاميين على مجزرة ماسبيرو، فقد تم قتل وسحل أقباط وغير أقباط فقط لأنهم مارسوا حقهم الطبيعي في الاحتجاج السلمي، بل وكثير من الوسائل الإعلامية المحسوبة على الإخوان والإسلاميين شنت حرباً شعواء ضد الضحايا، وبعضهم كفرهم بالمعنى الديني. وأغلب الأقباط صمتوا وكثيراً من النخب السياسية صمتت على الجرائم التي وقعت ضد الإسلاميين بعد الإطاحة بالإخوان من الحكم.

 دعني أقول لك وأنا حزين أن شيطنة وتكفير الخصوم مستمر حتى الآن، فإذا راجعت بعضاً من المنشور في وسائل الصحافة والإعلام في مصر، ستجد ذات الآلية مستمرة، شيطنة وتكفير وطني للخصوم، وإلصاق كل المشاكل بهم، على سبيل المثال انهيار الجنيه المصري كان سببه القيادي الاخواني حسن مالك، الذي حكم القضاء بخروجه مؤخراً من السجن قبل أن يتم اعتراض النيابة وحبس مجددا ! فهم شياطين هم سبب كل البلاء.

 للأسف كثير من وسائل الصحافة والإعلام المحسوبة على الإسلاميين خارج مصر، تستخدم ذات الآلية، وهي شيطنة الخصوم، فكل من هو ضد الإخوان والإسلاميين خائن أو على الأقل مشكوك في انتمائه للثورة وعميل وطبعاً كافر دينياً. اذا تأملت أكثر بالمعني المهني ستجد أن من يؤيدون من يحكمون في مصر، ومن يعارضونهم، يستخدمون  ذات الطريقة: مذيع لا يخبرك بما يحدث ولا يناقشه مع مختلف أطرافه، حتى يحصل المشاهد على حقه في المعرفة، لأن وظيفة الصحافة والإعلام الأولى والأخيرة هي الإخبار وإدارة النقاش العام.

  إنها صحافة وإعلام الحشد والتعبئة، التي تؤمن بأن الجماهير موضوع للفعل، وليست شريكة، إنها أدوات الديكتاتوريين سواءً كانوا في الحكم أو معارضين له.

 النتيجة هي زيادة الاستقطاب العنيف، ووضعنا جميعاً على حافة معركة صفرية، لا وجود لها للمعارض، لا وجود لها للخصم. مثل معارك القبائل، إنها حروب إبادة وتركيع وإزلال والقضاء عليه نهائياً على الأعداء.  

  ما الهدف من كل هذا؟

 الهدف ليس التأنيب ولا ادعاء الحكمة بأثر رجعي، ولكن الاستفادة من دروس الماضي. الدرس الأعظم أن العالم تغير، لم تعد الجماهير موضوعاً لفعلك الثوري أو الديني، فقد أصبحت شريكة، بل وفي أحيان كثيرة هي التي تقود. على سبيل المثال السوشيال ميديا (مواقع التواصل الاجتماعي)، وهي أدوات جماهيرية، هي التي تقود في كثير من الأحيان الصحافة والإعلام وتضع لها أجندة أولوياتها، فالمواطن العادي موجود في كل مكان يستطيع أن ينشر أخبارا وطبعاً رأيه، إنه بشكل ما أقوى من الصحافة والإعلام التقليديين.

 المعرفة بكل أنواعها أصبحت متاحة لمن يشاء على الإنترنت، لم تعد حكرا على سلطة ولا على معارضة. فلم يعد هناك الزعيم الذي نسير وراءه كالعميان، سواءً كان رئيس دولة أو رئيسك في الجماعة. لم يعد هناك الداعية أو الشيخ الذي تأخذ منه دينك “عمياني”. أنت تختار ما تشاء بحرية مطلقة، بل ويمكنك المشاركة بفيديو على اليوتيوب أو ببوست على الفيس أو تويتر بانتقاد عنيف لما كان منذ سنوات مقدسات.

 من ثم نحتاج إلى إدراك أن الأدوات التي نستخدمها في الصراع السياسي في بلداننا تحتاج إلى إعادة نظر لأنها فشلت في تحقيق ما كنا نحلم به بعد ثورة يناير المجيدة. أول هذه الأدوات أنه من المستحيل أن تكون حراً ويكون خصمك مسجوناً. فالحرية التي يدعو لها أغلب أطراف الصراع السياسي في مصر، هو حرية أن تصل أنت إلى الحكم، حرية أن يكون الآخرون معك وليس مع غيرك. فهذا ما يطرحه أغلب معارضي من يحكمون في مصر، ويطرحه أيضاً المؤيدين للنظام. لذلك في الغالب الصراع على الحكم في مصر، هو صراع ما بين ديكتاتورين، كلاً منهم يريد انتزاع الكرسي، وليس تأسيس بلد حر.

 الحرية ليست فقط في الجانب السياسي، لكن في كل شيء، الجوانب الدينية والاجتماعية وغيرها وغيرها. بصراحة لا يمكنني أن أصدق من يفرح لسجن إسلام بحيري على سبيل المثال ويشن حرب تكفير ديني ضده، أنه يسعى لبناء بلد حر. كما لا يمكنني أن أصدق الذين يزعمون أن من يحكمون مصر يبنون بلداً حراً عظيماً، وهم يعصفون بخصومهم مهللين فرحين.

      

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه