اسألوا رئيس الأركان المشتركة!

 

 

لو اكتفى القائم بأعمال السفارة الأمريكية في العراق (جوي هود) بقوله “المشرعون العراقيون لا يفهمون” لكان أكثر دقة في وصفه للحالة العراقية. لكنه حدد عدم فهم هؤلاء، في طبيعة الوجود العسكري الأمريكي في العراق مشيرا إلى أنهم في حال فهموا ذلك سيكونون أقل اندفاعا في المطالبة بخروج القوات الأمريكية من العراق.

جوي هود، أوكل مهمة إفهام الكتل السياسية في البرلمان العراقي إلى رئيس الأركان المشتركة الفريق الأول الركن عثمان الغانمي من خلال إيجاز يقدمه للذين لا يفهمون حقيقة هذا الوجود وطبيعته.

– السيد جوي هود: لقد جئتَ متأخرا

أما حقيقة وطبيعة الوجود الأمريكي في العراق فقد استغرق الحديث فيه ما يملأ بطون الكتب وفضاءات الرأي والكتابة والتنظير. وليس لرئيس الأركان المشتركة العراقي ما يقوله أكثر من حكاية ربما سمعها غيرة من أطراف حديث في مقهى شعبي. أما السؤال الحقيقي واجب الإجابة عنه من باب أولى موجه للإدارة الأمريكية: إلى أين وكيف سينتهي الأمر؟ وهل العراق اليوم مقصود لذاته أم لغيره؟

ملفات شائكة كثيرة أغرقت بها الولايات المتحدة الأمريكية الساحة العراقية.

– داخليا: فقد وصل الحال بالعراق إلى إنتاج طبقة سياسية لا تفهم طبيعة الوجود الأمريكي في العراق على حد وصف السفارة الأمريكية في بغداد. ذلك الأمر يأتي متوافقا مع حقيقة تشتت الرؤى والمواقف بحسب مرجعيات الأحزاب والكتل التي تشكل معادلة الحكم القائم حاليا، لذلك تحاول الولايات المتحدة الأمريكية طرح مجموعة من الأهداف المتناقضة على الساحة العراقية لتهيئة أجواء الصدام المتوقع في اللحظة التي تمتلك أمريكا أدوات تحريكها من خلال النظرة الأمريكية المزدوجة للعراق على أساس أنه مقصود لذاته ومقصود لغيره أيضا. ذلك ما يعيدنا إلى سؤال قديم: لماذا كان العراق المحطة الأمريكية الأولى؟ 

– حديث إيران في العراق ضمن المشروع الأمريكي

تحاول الولايات المتحدة الأمريكية منذ احتلالها العراق قبل 16 عاما تشتيت وصف الحالة العراقية بزيادة اختبار عناصر التأثير والإرباك مستغلة اندفاع إيران التي تحاول اقتناص الفرصة التاريخية بهيمنتها على العراق. وفي ذات الوقت تدرك أمريكا بأن احتلال واسقاط البلدان الكبيرة يستتبعها حراك اقليمي حتمي كنتيجة طبيعية لاختلال موازين القوة، لذلك تحاول في كل مرحلة الدخول بفصل جديد في معالجة الشريك الإيراني المفروض على الأرض باعتبار الحدود الممتدة من الشمال إلى الجنوب مع العراق تعضدها قاعدة شعبية ممكن تشكيلها وتطويعها بالخطاب المذهبي. ذلك الأمر الذي يدفع بالقول حتما بأن الولايات المتحدة لا يمكن لها أن تستمر بإدارة ملف العراق ما لم يكن لإيران دور الشريك،  ولكن؟

أمام لعبة إطالة أمد الأزمة والصراع وما يرافقها من استنزاف وجهد. تحاول كل من أمريكا وإيران إعلاميا الظهور على طرفي نقيض، فيما تشير الوقائع منذ احتلال العراق بأن اليد الإيرانية كانت مطلقة في الملف العراقي، سياسيا عبر أذرعها الحاكمة الآن. وعسكريا عبر جيوش الميليشيات التي صُّنعت على عين أمريكا، وقد شكلت هذه الميليشيات القاعدة الأساسية للجيش العراقي.

في المقابل يجانب المنطق، التصور بأن الولايات المتحدة الأمريكية عاجزة عن إيقاف او التقليل من الأثر الإيراني في العراق، ذلك ما يراه الكثيرون الأكثر عمقا في فهم حراك الدول المهيمنة على القرار العالمي، وأبرزها طبعا الهيمنة الأمريكية، واستحقاقات تلك الهيمنة التي أنتجها الخلل في النظام الدولي.

– الشوط الأمريكي القادم بعد مرحلة التوريط الشامل

تبدو أرض العراق الأكثر تقبلا لان تكون مسرحا للعمليات وممارسة أدوات الضغط على جبهات وجهات أخرى في المرحلة القادمة من تصفية الحسابات، وكثيرة هي عوامل وأدوات التحرك من جهات العراق الأربعة للحسم إقليميا وعالميا مع اتساع دائرة التوريط الدولي. ولم تعد إيران الشريك المتصور الوحيد بعد دخول الخط العربي متأخرا بنسخته المشوهة إلى دائرة الصراع ضمن ملفين يصعب التمييز بينهما، فلا اختلاف كثير بين استدعاء الحالة العراقية عنها في الحالة السورية، لذلك اقترن قرار الرئيس الأمريكي الانسحاب من سوريا بتصريحه أنه لابد من وجود قاعدة عسكرية أمريكية في العراق لمراقبة إيران. يأتي ذلك بالتوازي مع استدعاء أجواء الحرب على الإرهاب المتمثل في داعش التي عادت إلى الحياة من جديد بعد موتها المسجل بشهادتي وفاة صادرتين من رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي بعد أحداث الموصل والرئيس الأمريكي ترمب الذي برر قرار انسحابه من سوريا المستند على إنهاء تنظيم الدولة هناك. يأتي ذلك مع إضافة عناصر أخرى ومعادلات جديدة لإنتاج الصراع على مساحات ومبررات أوسع بالرجوع إلى تصريحات كشفت عنها مصادر سياسية عراقية مطّلعة بأن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أبلغ الحكومة العراقية خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد، نية إسرائيل قصف ومهاجمة أهداف على أرض العراق تابعة لفصائل وميليشيات مسلحة تقاتل في سوريا. وهو ما نقلته وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ). هذا ما يؤكد تداخل مناطق الصراع مع تداخل عناصره.

في جانب آخر تأتي الحالة العراقية مجيبة عن التساؤل المطروح إن كان العراق اليوم مقصودا لذاته أم لغيره من خلال النظر الى حدوده الملتهبة ضمن المثلث العراقي السوري التركي بعد لعبة القرار الأمريكي المتأرجحة في الانسحاب من سوريا، ما يضع الجانب التركي موضع الأصيل استراتيجيا تجاه هذا الاختلال بالتوازن المفروض فرضا على المنطقة. ذلك الأمر الذي يفرض استدعاء دوائر الصراع في تلك المنطقة من جديد. وهنا يصبح لا معنى حقيقيا في الحديث عن حدود أصبحت وهمية بعد أن حطمتها آلة الحرب المركبة. ليعود الحديث عن سياسة ملأ الفراغ ومنع انتشار التنظيمات المصنفة دوليا بالإرهابية ما يدفع الى عودة المعادل الآخر المتمثل ببعض التنظيمات الكردية التي تعتبرها تركيا تهدد أمنها واستقرارها. ولا تبدو أنقرة قابلة للمساومة حول موقفها من هذه التنظيمات والأحزاب، ذلك ما يفسر تأكيد وزير الدفاع التركي بأن تركيا ستلاحقهم داخل الأراضي العراقية إضافة الى السورية إذا تطلب الأمر.

السيد القائم بأعمال السفارة الأمريكية في بغداد: بناء على طلبك

هل ينفع إيجاز يقدمه رئيس الأركان المشتركة العراقي، ليُفهِمَ به المشرعين العراقيين ما لم يفهموه عن مهمة قوات بلادك السامية في العراق؟

وما هو المنتظر من بلادك لتقدمه الى العراق بعد هذا الحجم من الخراب؟

نعم سيد “جوي هود” ربما لم تفهم الطبقة السياسية في العراق، أو هي لا تريد أن تفهم سبب وجود قواتكم، لأنها صنيعةُ ونتاجُ سياسات بلادك.

لكن ما يجب أن تفهمه أنت، أن تعريف جريمة الإرهاب ينطبق حتما على فعل سياسات بلادك في أرض العراق.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه