اختبارات الطلاب .. هل تبيح لهم الفطر؟!

في تسجيل فيديو على صفحة (Huffpost Arabi) على الفيسبوك بتاريخ 27 مايو 2017م الساعة 08:02 مساء أفتى أخي الشيخ عصام تليمة بجواز الفطر للطالب الذي يؤثر الصيام على تحصيله وتركيزه إذا كان في حالة اختبارات، وقسم الطلاب في رمضان نوعين: نوعا لا يؤثر الصيام على ذهنه وتركيزه وتحصيله، وهذا يجب عليه الصوم ولا يجوز له الفطر، ونوعًا يؤثر الصيام عليه سلبًا في التحصيل والتركيز، وهؤلاء يجوز لهم الفطر أيام الاختبارات فقط، وعليهم القضاء بعد ذلك، مستدلا بالقاعدة الشرعية (المشقة تجلب التيسير)، و(الحاجة تنزل منزلة الضرورة)، وقد جاء الشرع بالتيسير ورفع الحرج ودفع المشقة .. وقد أحدث هذا الرأي جدلا، وطلب إليَّ البعض أن أنظر فيه أو أرد عليه، أو أبين صوابه من خطئه.

الأعذار المبيحة للفطر في رمضان

والواقع أن الشرع الشريف في القرآن والسنة حددا بشكل واضح الأعذار المبيحة للفطر، فأورد القرآن من الأعذار المرض والسفر، قال تعالى: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾. سورة البقرة: 184 .. وللمرض والسفر المبيحَين للفطر شروط وضوابط موجودة في كتب الفقه.

وبينت السنة أن للمرأة أعذارا وهي: الحمل والإرضاع؛ لقوله (صلى الله عليه وسلم): “إِنَّ الله تَعَالَى وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ الصيامَ وَشَطْرَ الصَّلاَةِ، وَعَنِ الْحَامِلِ أَوِ الْمُرْضِعِ الصيام”، (رواه الترمذي). وإِن خافت على الولد فقط دون نفسها أفطرت وقضت وأطعمت عن كل يوم مسكينا، لقول ابن عباس رضي الله عنهما: “والمُرْضِعُ والحُبْلَى إذا خافَتَا عَلَى أَوْلادِهِما أفْطَرَتا وأطْعَمَتا” (رواه أبو داود).

وكذلك الحيض والنفاس تفطر بهما المرأة وجوبا، ويحرم عليها الصيام، ولو صامت لم يصح منها، وعليها القضاء صامتْ أو أفطرتْ، لما ثبت من قول عائشة رضي الله عنها لما سُئلت عن قضاء الحائض الصيام دون الصلاة: “كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ (أي الحيض) فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصيام، وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ” (متفق عليه).

شروط العمل بقاعدة المشقة تجلب التيسير

والاستدلال بالقاعدة الشرعية (المشقة تجلب التيسير) يحتاج لضبط وتوضيح، وهو أنه ليست كل مشقة جالبةً للتيسير، وإلا فإن كل التكليفات الشرعية محفوفة بالمشقة، أليس في الصيام مشقة على الأصحاء؟ أليس في صلاة الفجر مشقة؟ أليس في إسباغ الوضوء على “المكاره” مشقة؟ أليس في إخراج الزكاة مشقة نفسية؛ حيث جبلت النفوس على الشح وحب المال؟ أليس في الحج ومناسكه وشعائره مشقة أي مشقة بل سماه النبي صلى الله عليه وسلم جهادا لا شوكة فيه؟ أليس في الجهاد مكارهُ ومشقة: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ) [البقرة: 216].؟! .. لا شك أن كل تكليف شرعي مصحوبٌ بالمشقة، وقد جاء اسمه “تكليف” من الكلفة وهي المشقة، ولهذا حفت الجنة بالكاره والنار بالشهوات …

وما أريد قوله هنا هو أن للمشقة الجالبة للتيسير ضوابطَ ومعالم، فليست كل مشقة جالبة للتيسير وإلا لانهدم تكليف الله للبشر جملة وتفصيلا!!

ضابط المشقة التي توجب التخفيف: أنها المشقة العارضة الظاهرة، التي إذا فعلت معها العبادة حصل بذلك ضرر على الفاعل؛ كذهاب نفسه، أو تلف عضو من أعضائه، أو زيادة مرضه، أو تأخر شفائه، أو ألم ظاهر، أما المشقة المعتادة أو اليسيرة فلا ترخص بها، مثل: الزكام اليسير المعتاد، أو الصداع الخفيف.

يقول الإمام القرافي: (المشاق على قسمين:

القسم الأول: مشقة معتادة لا تنفك عنها العبادة غالباً، وتحمُّلها والاستمرار عليها لا يلحق بالمكلف أذى ولا ضرراً، لا في نفس، ولا في مال، لكن نفس التكليف بها زيادة على ما جرت به العادات قبل التكليف شاق على النفس، لكنه من جنس المشقة التي يجدها الإنسان أثناء سعيه في طلب الرزق، وممارسة المهن والحرف التي اعتادها الناس، والتي لا يتسبب ما فيها من كلفة ومشقة إلى الانقطاع عن العمل، أو حصول ضرر.

ومثال هذه المشقة: ما يجده المكلف من برودة الماء أثناء الوضوء والغسل، وما يجده من جوع وعطش أثناء الصوم -خاصّة إذا كان النهار حاراً وطويلاً- فمثل هذه المشاق لم يقصد الشارع رفعها، ولا أثَر لها في إسقاط العبادات، ولا في تخفيفها؛ لأن في اعتبارها نقضاً للتكاليف الشرعية، وهدماً للعبادات من أصلها، “وعلى هذا الأساس، فليس لأحد أن يفطر في رمضان لشعوره بالجوع، كما أنه ليس لمن استطاع أن يحج الامتناع عن ذلك؛ لما في الحج من مشقة السفر، والبعد عن الأهل والوطن… إذ كل هذه المشقات تعد مشقات عادية”.

 

القسم الثاني: مشقة غير معتادة؛ إذا تحمَّلها الإنسان سببت له ضيقاً وعنتاً شديداً، والاستمرار عليها يؤدي إلى إلحاق الأذى في النفس أو المال، وربما قطعت المكلف عن دوام العمل). انظر الفروق: 1/118. طبعة عالم الكتب.

ويقول شيخه العز بن عبد السلام مبينًا أنواع المشقة: “مشقة لا تنفك العبادة عنها كـ… المشقة في رجم الزناة، وإقامة الحدود على الجناة… فإن في ذلك مشقة عظيمة… فهذه المشاق كلها لا أثر لها في إسقاط العبادات والطاعات، ولا في تخفيفها؛ لأنها لو أثرت لفاتت مصالح العبادات والطاعات”.

النوع الثاني: مشقة غير معتادة، لكنّ منشأها ليس ذات الفعل المكلف به، بل منشؤها المكلَّف نفسه: كأن يُلزم نفسه أفعالاً شاقة لم يُلزمه الشارع إياها، أو يتعبد ربه بتعذيب جسده وحرمانه طيبات أحلها الله له”. (قواعد الأحكام: 2/9-10. طبعة دار الريان، والإحكام والتقرير لقاعدة المشقة تجلب التيسير: 62 لعدنان محمد أمامة. طبعة دار الرسالة ناشرون).

وللأصوليين كلام طويل حول أنواع المشقة وأقسامها، وخلاصته أن هناك مشقة مؤثرة جالبة للتيسير، ومشقة غير مؤثرة وغير جالبة للتيسير.

ماذا قال أطباء المخ والأعصاب والتغذية؟!

وهناك مستند مهم في هذه المسألة يجب اعتباره وهو كلام الأطباء؛ حيث أُثيرت هذه المسألة العام الماضي، وكان للأطباء المختصين كلام معتبر فيها؛ فقالت الدكتورة سامية عاشور رئيس قسم المخ والأعصاب بطب عين شمس أن الامتحانات غالبا ما تكون فى الصباح الباكر ويكون الطالب قد تناول وجبة السحور ولا زالت نسبة الجلوكوز فى الدم لم تصل إلى مستوياته القليلة التى يمكن أن تؤثر على النشاط الذهنى فى المخ، موضحة أن الصيام لا يؤثر على أداء الامتحان؛ لأن الطالب قد تناول السحور منذ ساعات قليلة، وبالتالى لا يتأثر ولا يعانى نقص الجلوكوز في الدم وهو المعين الأساسى الذى يعتمد عليه المخ فى المجهود والنشاط الذهن، وبالتالى لا يتأثر الطالب عند صيامه فى رمضان خلال الامتحانات”.

وقالت الدكتورة إيمان كامل استشارى التغذية العلاجية بالمركز القومى للبحوث: “ننصح الطلبة والطالبات بالصوم؛ لأن الصوم يجعلهم فى حالة نفسية هادئة، ويقيهم سوء الهضم والقولون العصبى، ويجنبهم أعراض المعدة العصبية والقىء العصبى؛ مؤكدة على ضرورة توزيع الوجبات وتناول القليل من الحلويات، وتناول التمر واللبن فى رمضان، والبعد عن الدهون والمخللات؛ لأنها تزيد من الإحساس بالعطش، مؤكدة على تجنب المقليات؛ لأنها تؤثر على الحالة الذهنية والتركيز أثناء المذاكرة، والإقلال من حلويات رمضان لأنها تصيبهم بالخمول”.

كلمة أخيرة

بعد أن بينا الأعذار المبيحة للفطر في رمضان من خلال القرآن والسنة، وبيان المشقة التي تجلب التيسير والمشقة التي لا تجلبها، وشفعنا ذلك بكلام الأطباء الذين يعتبرون مستندا مهما في هذه المسألة .. أقول لطلابنا وأبنائنا: أنتم ما زلتم في سن الشباب، واختباراتكم تكون في وقت الصباح، وقد حدد الشرع الشريف الأعذار المبيحة للفطر، والأولى بكم وبنا أن نحرص على الصيام في هذا الشهر المبارك، وألا نضيع فرصته ونفرط ما فيه من بركات ونفحات وفيوضات وتنزلات، والله تعالى أطلق خيرية الصوم فقال: (وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 184].، وحري بمن يرجو رحمة الله ومثوبته في هذا الشهر الكريم ألا يفوِّتَ يوما من أيام رمضان إلا لعذر من الأعذار التي قررها الشرع، والله غني عن عبادتنا وأعمالنا، وإنما شرع لنا ذلك لما يعود علينا “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ”. [ الطلاق : 2- 3 ].

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه