ابتسام تريسي تكتب: ضحايا شبكة الدعارة يطلبن حماية حزب الله!

ابتسام تريسي*

 

موجة التعاطف الكبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي مع الفتيات السوريات اللواتي استعبدن في شبكة دعارة في إحدى المدن اللبنانية لسنوات تراوحت بين سنة ونصف وخمس سنوات، استوقفتني كما استوقفت الكثير من الناشطات السوريات اللواتي قمن بالاحتجاج على إهمال الصحافة اللبنانية والعالمية للخبر ومروره مرور الكرام
قرأت كل ما كتب من قصص الفتيات وطرق تعذيبهن واستعبادهن جنسياً واستوقفني اندفاع عدد كبير في الإشارة لكون الفتيات من الطائفة السنية وهو السبب الذي أهملت الصحافة لأجله الخبر ولم يلقَ منها الاهتمام المطلوب
لكنّ الحقيقة تكمن في التفاصيل التي روتها الفتيات عن طرق استدراجهن إلى لبنان وإجبارهن على العمل في الدعارة. الحقيقة التي تبين أنّ النساء ينتمين إلى طوائف مختلفة “سنة وشيعة ودروز وعلوية” كما أنّ طرق استدراجهن تنبئ أنّهن لم يكن كلهنّ لاجئات سوريات بل معظمهن وصلن لبنان بعد أن تعرفن على الشخص الذي سهّل وصولهن إلى الشبكة وقبض ثمنهن بعد تسليمهن. ولكل سيدة “وليس فتاة” إذ من الواضح أنّه لم يكن بينهن سوى فتاة واحدة والبقية سيدات متزوجات أو مطلقات أو أرامل بسبب الحرب. لكلّ سيدة حكاية تبدأ من البحث عن العمل والأمان وتنتهي في السراديب المعدة للعمل في الدعارة.
(وتروي سالي التجربة الأخيرة التي حصلت معها وأدت الى كشف الشبكة قائلة: “قررنا الهروب، أنا وثماني بنات أخريات. لكن فكرنا أنه إن توجهنا إلى الأمن العام، سيجدنا. قررنا أن نتوجه إلى حزب الله. اعتقدنا أن الحزب سيحمينا لأننا نؤيد النظام السوري. كان هناك باب خلفي للchez Maurice، لا يوجد عليه حرس فراقبنا أين تضع الحارسات المفتاح وقمنا بسرقته ولكن أثناء الهروب، قبض على ثلاثة منا فيما تمكنت الخمس الباقيات من الهروب. وعندما قبض عليّ ع. ربطني إلى التخت وراح يجلدني. ولكنه لم يكثر الجلدات لأن نهار السبت يكون لدينا عمل كثير، لكنه وعدني أنه سيكمل ضربي نهار الإثنين ولكن تمت المداهمة نهار الأحد.) ما قالته سالي يوضّح أنّ النساء الثمانية على الأقل لم يكنّ من ضحايا الحرب في سوريا.
الملفت للنظر في قصص الضحايا أمرين لا يمكن أن يقبلهما العقل، عدد ساعات العمل وطرق التعذيب في ساعات الراحة، هل تحتمل البنية الجسدية – إن صرفنا النظر عن الناحية الروحية والنفسية- للفتيات أو السيدات عشر ساعات من الجنس! يبدو الأمر ليس مبالغاً فيه فقط بل خارج حدود العقل والطبيعة فتلك الساعات الطويلة مع التعذيب وساعات النوم القليلة تحتاج كل سيدة لتناول منشطات باستمرار أو الإدمان على مخدرات تعينها على هذه الاستمرارية. ثمّ ما حكاية الزبائن؟ إن كانت كل امرأة تعمل مدة عشر ساعات في اليوم والسنة فيها 365 يوماً وبعضهن بقي لمدة خمس سنوات في هذا العمل يدفعنا لتصور العدد الكبير من الزبائن الذين يمارسون “الدعارة”.. بالإضافة إلى هذا ما روته إحداهن عن عدم السماح لهن بالاستراحة أثناء الدورة الشهرية! والتفاصيل المروية على ألسنة النساء تثير تساؤلات كثيرة حول مدى مصداقية روايتهن وأيضاً حول أعضاء الشبكة.
 من الواضح أنّ الأمر لا يقتصر على شبكة دعارة أو مافيا للاتجار بالنساء.. ليست بالتأكيد عودة إلى عصر العبودية والرق بل هي موغلة في السياسة القذرة التي امتهنها النظام السوري وحزب الله والمروجون لهما.. ومن الواضح أنّ الحس المخابراتي لدى النخّاس السوري الذي يستدرج النساء لا تهمه طائفة الضحية ولا يعنيه أن تكون من اللاجئات السوريات أو من الطائفة السنية كما روّج البعض في أول يوم لظهور الخبر.. وربّما لا يكون ذلك اعتباطياً أو مجرد مصادفة بل أيضاً يراد منه رسالة خاصة للمؤيدين للنظام الذين لا يرون في النخّاس سوى حالة فردية تستوجب العقاب والنظام بريء منها براءة الذئب من دم يوسف..
ما يجب أن يعيه مؤيدو النظام السوري أنّ السبب الرئيس في هذه الظاهرة هو الانفلات الأمني وضياع الدولة والدمار الذي ألحقه الأسد ونظامه بالبلد خلال السنوات الخمسة الماضية من عمر الثورة السورية.
أيضاً الصمت المطبق من قبل الإعلام السوري والنظام له دلالة واضحة أنّ الأمر لم يكن سرّاً بالنسبة للنظام ويؤكد انغماس اليد القذرة للسياسيين في البلدين في القضية، وهذا يجعلنا نرى أنّ الهدف ليس المرأة ككائن بشري بل الإنسان السوري عامة.. وأنّ قضية الدعارة التي التصقت بهؤلاء النسوة لا تمس كرامتهن فقط ولا كرامة المرأة السورية بقدر ما تمس كرامة الإنسان السوري ككل فهو المستهدف منذ بدء الثورة، ويعرف السوريون جميعاً أنّ “الهوس” لدى النظام ومخابراته بالقضايا الجنسية جعلته يوجه هذه التهمة لأوّل طفل شهيد في معتقلاته “حمزة الخطيب” الذي اتهم بأنّه يخطط لاغتصاب نساء الضباط..
الاعتداء الجنسي في المعتقلات يقع على الطرفين الإناث والذكور، الدعارة في نظام البعث وقادته مرتبطة بالفطرة والتربية والنشأة والجينات، وهم على دراية كبيرة بحساسية الأمر بالنسبة للمواطن السوري المتدين لذا؛ بدأوا حربهم ضده بالاغتصاب وسحل المعتقلين عراة والاعتداء على الأعراض ليقينهم أنّهم لن يكسبوا حرباً نظيفة مع شعب يحارب بالورد والأغنية والمحبة.
الشعب الذي عليه الآن محاربة مافيا الاتجار بالبشر والإنسان السوري خاصة وليس شبكة دعارة!
______________________________-

روائية سورية* 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه