ابتسام تريسي تكتب: دواعش أوربا “النازيون الجدد”

لا يريد أحد أن يعترف أنّ أوربا صدّرت لنا هذا المنتج الداعشي الذي ظهر في بلدانها باسم “النازيون الجدد”، والذي بدأ بالتنامي في معظم الدول الأوربية. يتبع

ابتسام تريسي*

لم تكن حادثة اغتيال الشابين فارس حمادي وإبراهيم عبد القادر العاملين في حملة “الرقة تذبح بصمت” في غرفتهما بمدينة أورفا التركية على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام هي الأولى من نوعها في تركيا، فقد سبق هذه الحادثة حوادث كثيرة مماثلة في مدن تركية مختلفة لم ينسبها أحد إلى “داعش” ولم تعلن داعش مسؤوليتها عن تلك الجرائم؛ لكنّ حادثة اغتيال الشابين جاءت بعد تهديدات صريحة لهما جعلتهما يغادران مدينة الرقة طلباً للأمان في تركيا!

لكن من أين للسوري اللاجئ في تركيا، والذي يصفق لنجاح أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الديمقراطية النزيهة أن يجد الأمان! حوادث الاعتداء على لاجئين سوريين لا تحصى؛ لكنّ صوتهم الخافت الذي تكتمه بشكل نهائي اليد التركية “المحسنة” التي تأويهم لا يمكن أن يصل إلى الصحافة العالمية وربما سمعت صوته وسدّت أذنيها كما يحصل مع كلّ شأن سوري فيه دفاع عن حقوق السوريين وكرامتهم ومطالبهم العادلة.

هذا ولم تقبل أوربا بعد بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي مع أنّها حاولت بكلّ الوسائل أن تمتلك المواصفات المطلوبة للدخول في المنظومة الأوربية.. مع هذا وصل المدّ “الداعشي” بزيه الأوربي إلى تركيا وسيصبح قريباً ظاهرة تندى لها الضمائر الحية.

الأتراك المتعصبون ضدّ الوجود السّوري في تركيا يلقون باللائمة على الحكومة التي قبلت وجود لاجئين سوريين في أراضيها، ويظهرون حقدهم الأعمى في امتهان كرامة السوري ومثال ذلك فيديو المرأة السورية التي تأكل من القمامة الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مثيراً السخط حتّى في صفوف الأتراك أنفسهم، والذي برّره صانعوه والمروجون له أنّ “السوريين يشوهون المنظر الحضاري لتركيا، وأنّ الحكومة التركية غير جادة في تخليص الأتراك من الظواهر المسيئة لها كبلد متحضر “يحضّر” نفسه لدخول الاتحاد الأوربي”!

الظاهرة “الداعشية” في تركيا لم تأتِ من الداخل السوري كما يروّج البعض، بل عبرت الحدود من أوربا الشرقية إلى تركيا إلى سوريا، والدواعش الذين يقتلون السوريين في الداخل ليسوا سوريين بالمطلق بل هم “لمامة” من جنسيات مختلفة عرب وأجانب، تخلصت دولهم من تطرفهم بتشجيعهم على “الجهاد” في سوريا!

إذن الشكل الأساسي أو البروفايل الذي اعتمدته داعش هو “الحرب باسم الدين” والدين من منظورهم مجموعة مفاهيم وممارسات تتطابق وما يروّج له الأوربيون على أنّه الدين الإسلامي، دين القتل والذبح والتعذيب والحرق وجهاد النكاح.. هذه الصورة التي أوجدها الغرب وروّج لها ثمّ أراد محاربتها هي ما يعمي أعين العالم ويصم آذانه عن المجازر التي يرتكبها بشار الأسد منذ خمس سنوات على وجه التقريب وبشكل يومي بحق الشعب السوري، وهي ما يريد الحكّام العرب عموماً أن يثبتوا بشتى الوسائل أنّها صناعة الإخوان المسلمين منذ الثمانينات إلى الآن. وهنا نكرر السؤال مع الكاتب حازم الأمين (هل هناك رغبة في قتال داعش؟ وهل تندرج هذه الرغبة الأخلاقية في منظومة الأخلاق العالمية؟ هذا إن كان قد بقي لدى العالم أخلاق غير الأخلاق التي أنتجتها منظومة التوحش الرأسمالي.

لأوربا دواعشها
وتأسيساً على ذلك لا يريد أحد أن يعترف أنّ أوربا صدّرت لنا هذا المنتج الداعشي الذي ظهر في بلدانها باسم “النازيون الجدد” والذي بدأ بالتنامي في معظم الدول الأوربية تارة باسمه الصريح وتارة باسم التطرف اليميني.
لم تقتصر الظاهرة على اليمين المتطرف في ألمانيا الذي يدعو للحفاظ على نقاء العرق ومعاداة كل ملوّن سواء كان أسيوياً أو أفريقياً، بل انتشرت الظاهرة في روسيا وبريطانيا وأمريكا وبولندا والدول الاسكندنافية عموماً وشهدت السويد مجزرة هزت أركانها منذ أسابيع حين هاجم ثلاثة شبان مدرسة أطفال وقتلوا مدرسين وأطفال منهم طفل سوري وآخر صومالي.

في روسيا كان للعداوة والكراهية ضدّ المسلمين بسبب حرب القوقاز بين روسيا والشيشان والتي راح ضحيتها الآلاف من الطرفين كما أنّ سماح الحكومة الروسية للعمالة الآسيوية بالتواجد على أراضيها دفع المتعصبين الذين طالتهم البطالة على ارتكاب جرائم بحق هؤلاء. وأشد الدول عداوة للإسلام والمسلمين هي صربيا التي حاربت بجانب النازية في الحرب العالمية.

المد الآن باتجاه تركيا، البلد ذو الطابع الإسلامي والذي يحاول أن يخلع هذا الثوب منذ استلم أتاتورك الحكم واستبدل الأحرف العربية التي كانت تكتب بها اللغة التركية بأحرف لاتينية.. بداية وصل مدّ النازية إلى تركيا، وأول المتضررين هم السوريون المغضوب عليهم من حكومات العالم بأسره. فهل يستطيع حزب العدالة والتنمية بعد نجاحه الكاسح أن يعيد التوازن داخل المجتمع التركي؟ أم أن نجاحه الكاسح هذا سيعطي دفعة قوية للمزيد من التطرف من قبل بعض خصومه؟ هذا ما ستظهره المرحلة القادمة والتي نرجو خلالها ألا يكون هناك المزيد من الضحايا الأبرياء خاصة من اللاجئين السوريين الذين باتوا سلعة العالم سياسياً واقتصادياً وديموغرافياً.

___________________________

*روائية سورية

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه