ابتسام تريسي تكتب: خفة دم السوريين في زمن الحرب

حماصنة يتدربون على ربط الكرافته، النتيجة أربعة ماتوا خنقاً وستة بحالة خطرة..
وبناء عليه يأمل السوريون أن تقوم ” الحمصية” أسماء الأخرس بربط الكرافتة لزوجها بشار الأسد.

ابتسام تريسي*

منذ بداية الثورة برزت ظاهرة السخرية من النظام وعلى رأسه بشار الأسد، لم يكن السوريون قبل الثورة مشهورين بخفة الدم كالشعب المصري، بل عرفوا بأنّهم شعب جاد منشغل دائماً بقضايا وطنية وقومية وقبل ذلك بتأمين حياة كريمة له ولأولاده. مدينة واحدة في سوريا كانت خارج السياق هي مدينة حمص.. فقد عُرف أهلها بخفة دمهم وطيبتهم المتناهية واختراعهم لنكات يسخرون فيها من أنفسهم، ونكاتهم معظمها تبدأ بسؤال على شكل “حزورة” “ليش الحمصي؟” أي لماذا يفعل الحمصي هذا الفعل، فيسأل أحدهم “ليش الحمصي بيدخّل معه ملعقة إلى الحمّام؟” والجواب الذي على المستمع أن يحزره هو: “ليخلط الماء البارد بالماء الساخن”
مع مجيء الثورة ظهرت مواهب المدن الأخرى في السخرية واختراع النكت حتّى غدا الشعب كلّه حمصياً!  لم يكتفِ الشعب بحمل اللافتات التي تسخر من النظام، بل طوّر أدواته إلى أفلام كرتون بُثت عبر اليوتيوب، أبرزها عن الأسد ورامي مخلوف، وقام شاب بتقليد صوت الرئيس ونشر خطابات يسخر فيها من خطابات بشار  وشخصيته المهزوزة.
أكثر الأساليب انتشاراً كانت اللافتات التي حملها المتظاهرون في بداية الثورة، وأكثرها شهرة لافتات قرية من قرى إدلب اسمها كفرنبل.. قرية صغيرة فيها لا يقل عن عشرة آلاف من حملة الشهادات الجامعية، في بداية الثورة اخترع أهلها مشهداً درامياً مأساوياً فقد لبس مجموعة من شبابها أكفاناً واستلقوا في المقبرة وحين هاجمها الجيش السوري الممانع، نهضوا ومزقوا الأكفان والرصاص يتطاير حولهم..  ففرّ الجنود خائفين.
وكتب شباب “كَفْرَمْبِلْ، هكذا نلفظها بالعامية” لافتات كثيرة سخروا فيها من النظام والمجتمع الدولي مثل “نطالب بدخول العصابات المسلحة لحمايتنا من الجيش السوري” و “سوريا خلصت… والأزمة بخير”. و”نطالب بزيادة عدد الدبابات في كفرنبل للتخفيف عن حمص المنكوبة”. و “بابا وماما استشهدا…. رباب وباسم في المعتقلات”. وهو تحوير لدرس في كتاب القراءة للأول الابتدائي “باسم ورباب في المدرسة”. و”نطالب بمراقبين لمراقبة المراقبين وهم يراقبون”. و “اعلم يا بشار أن إعدامك حقيقة علميّة مثبتة”. وهي لافتات قليلة من إبداعات شباب كفرنبل “المحتلة”.
في مجال الأغنية:
أشهر مطربي الثورة هو إبراهيم القاشوش” شاب من مدينة حماة أخذ مطلع أغنية “يالله ارحل يا بشار ” من عامل نظافة كان يدندن بها في حماة، وحولها إلى أغنية صارت الأشهر بين أغاني الثورة السورية، وكانت تلك الأغنية التي غنّاها السوريون في مظاهراتهم في جميع المدن السورية أشدّ على النظام وأقوى من قذائف الهاون ممَ جعلهم يقبضون على إبراهيم ويقتلعون حنجرته ويرمونه في نهر العاصي.
لم تمت أغنية القاشوش بموته فقد نبت في كلِّ أنحاء سوريا “قواشيش” قادوا المظاهرات وغنوا لبشّار “ويا بشار  ويا جبان وايا عميل الأمريكان” وأضافوا عليها الكثير، مما جعل الموسيقار السوري “الحمصي” مالك جندلي يقوم بتحويل ذلك اللحن إلى سمفونية، وكانت النتيجة أن هجم الشبيحة على منزل والديه في حمص وضربوا أبويه وكسروا أضلاعهما.
الكاريكاتير
أسلوب النظام في قلع حناجر الذين يغنون في المظاهرات والاعتداء بالضرب على الشيوخ كان بحجة الجزاء من نوع الفعل! وهو ما فعلوه برسام الكاريكاتير علي فرزات الذي رسم لوحات يسخر فيها من النظام ورئيسه، فتعرضوا له بالضرب المبرح وكسروا أصابعه ورموه في الطريق العام ليكون عبرة لغيره!
الفيديوهات
في مجال صناعة مشاهد قصيرة اشتهر الأخوين ملص، وهما شقيقان توأم متطابقان، منذ بداية الثورة صوّرا معاً مشاهد تسخر من النظام بفيديوهات قصيرة بُثت عبر اليوتيوب، ومنها فيديوهات لأجل المعتقلين.
أما حسين جبري “أبو زهير” فقد اشتهر بتسجيلات صوتية عبارة عن اتصالات بشخصيات معروفة من الأمن والفنانين وشتمهم بعد أخذ رأيهم فيما يجري، لكنّه كان غالباً يستخدم ألفاظاً بذيئة. واشتهر له تصوير فيديو رحلة إلى القرداحة، وعملت قناة العربية تقريراً عنه.
كل الفيديوهات والتسجيلات الصوتية واللافتات في أنحاء سوريا لم تُفقد أهل حمص ريادتهم للنكتة بل بقوا يتصدرون المشهد الكوميدي السوداوي في الثورة السورية فحمص عاصمة الثورة السورية وعاصمة النكتة السورية أيضاً. من طرائفهم “حمصي راح على القاهرة، وحب يصلي بالأزهر، واحد مصري قال له “نحنا عنا بالأزهر بيجتمعوا مليونين مصري لصلاة الجمعة، الحمصي دبت فيه الحمية وقال له “ونحنا بيجتمع عنا بالأموي 6 ملايين مصلي يوم الجمعة” المصري استغرب وقال له “والنبي؟!!” الحمصي رد “أحياناً بيجي أحيانا لأ”
وآخر حادثة أثارت شهيتهم للتنكيت تفجيرات باريس التي استخدم فيها جواز سفر سوري كدليل على تورط داعش في التفجيرات! فظهرت على مواقع التواصل نكات كثيرة استخدم فيها السوريون كلّ التفاصيل الحياتية الحميمة للسوري كدليل على قيامه بالتفجيرات بدءاً بباكيت دخان الحمراء الطويلة وانتهاءً بمضربان المكدوس!
زمن الحرب زاد السوريين ولعاً بالنكتة من باب مداواة الجراح والتغلب عليها. فالثابت علمياً أنّ الإنسان يحتاج لبناء جدار _وإن كان وهماً_ يتحصّن خلفه ليعينه على تجاوز الأزمات، والسوريون اختاروا النكتة بلسماً ودواء وجداراً يتمترسون خلفه ليستطيعوا الاستمرار في الحياة وسط الدمار الهائل حولهم.
طرفة أخيرة:
حماصنة يتدربون على ربط الكرافته، النتيجة أربعة ماتوا خنقاً وستة بحالة خطرة..
وبناء عليه يأمل السوريون أن تقوم ” الحمصية” أسماء الأخرس بربط الكرافتة لزوجها بشار الأسد.

_____________________________

* روائية سورية
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه