إنها صفقة القرن: اللحظة الحاسمة في تاريخ الأمة

 

وقف كوشنر مستشار وصهر الرئيس الأمريكي ترمب في البحرين ليفتح مزاد البيع للأرض العربية بمغريات كثيرة، ويعلن عن صفقات اقتصادية للجميع، إنه الحلم القديم الذي قدمه أنور السادات للمصريين في نهاية سبعيينات القرن العشرين حينما أعلن عن الرخاء الذي سيعم مصر بعد توقيع معاهدة السلام مع الكيان الصهيوني ..
كان السادات وعد أن عام ١٩٨٠ سيكون عام الرخاء لكل المصريين بعد أن توجه طاقات الحرب إلى التنمية وعاش المصريون أوهام التنمية الاقتصادية..

 وصحا الجميع بعد ذلك على الوهم: وهم بيع الأمة العربية، والاستسلام للكيان الصهيوني من جانب أكبر دولة عربية تسليحا وسكانها، فكانت الطامة الكبرى لأمة العرب!

  ها هو كوشنر يعد العرب جميعا بالرخاء في مقابل التنازل للكيان الصهيوني عن القدس وزحرحة جزء من أهل الضفة إلى الأردن، وجزء من أهل قطاع غزة إلى سيناء المصرية، وهي أحلام خادعة للفلسطينيين ولكل العرب، كما يقول الصديق الاقتصادي الدكتور هشام عيسى عن تلك المغريات والأحلام.

إن كلمة كوشنر بالمنامة هي محاولة بيع الحلم للفلسطينيين بعيدا عن قياداتهم بأحلام العيش الرغيد والتواصل مع العالم من خلال مشروعات كبرى.

وها قد جاءت اللحظة الفاصلة في حياة المصريين فبينما يصرح وزير الخارجية المصري أنه: لا تنازل عن حبة رمل من سيناء (وإذا صرح مسؤول مصري بهذا فإننا ننتظر العكس ولنا في تيران وصنافير عبرة!).

لا شك أن هذه لحظة فارقة للجميع، إذ جاءت لحظة التنازل عن الأرض، ولم تعد بيانات الإدانة تكفي فضلا عن المؤتمرات الصحفية..
ولم يعد أمام الجماهير العربية سوى السعي لإسقاط أي نظام يقبل التنازل عن الأوطان في مقابل حفنة دولارات، أو يتحالف مع الأعداء في بيع قضية العرب الكبرى (قضية فلسطين).

جاءت اللحظة لنقف جميعا أمام المرايا لنفرز إن كنا نحمل شعارات جوفاء أم إننا نؤمن حقا بالوطن، ونؤمن بأننا لن نفرط في حبة رمل من أراضينا لصالح الكيان الصهيوني.

فالعرض الآن بحسب كلمة كوشنر وتحليل دكتور هشام عيسى: “خلق مليون فرصة عمل و تخفيض معدلات البطالة لحدود قياسية، وإنفاق حوالي 27 مليار دولار على مدار 10 سنوات من أصل 50 مليار دولار توزع على الدول المجاورة للإنفاق على البنية التحتية، و بناء مجتمع رقمي، وتطوير مدينة حديثة، و الانتقال إلى مجتمع الأعمال بتطوير محور الصناعة بالإضافة إلى قطاع البنية التحتية و المقاولات كالإنفاق على تنمية الطرق، و البنية التحتية للاتصالات، والتأمين الصحي، وربط غزة بالضفة الغربية بشبكة مواصلات، وتوفير محطات المياه والطاقة، والتعليم، و كل ذلك لتحسين جودة حياة المواطن الفلسطيني، دون الحديث عن دولة فلسطين وحدودها أو معالمها”.

إذن لم تعد كلمات الشعراء، ولا أغاني المطربين، ولا خطب الزعماء السياسيين، ولا تشدق القادة بالوطنية والقوه والكلمات كافية، فلقد وضع كوشنر صهر ترمب الجميع أمام مواقفهم الحقيقة!

موقف صعب للمصريين

أما الإعلان عن نصيب مصر بما يقدر ب٩ مليارات من الدولارات لعمل مشروعات تنموية في سيناء لتشغيل الفلسطينيين فيها، بحيث تصبح سيناء رئة يتنفس فيها قطاع غزة، فهو إعلان يلمح بالمليارات في مقابل زحزحة لأهل غزة إلى سيناء، والسؤال يصبح: إن كنت تبحث عن تنمية للفلسطينيين فلماذا لا تكون التنمية في غزة نفسها؟!

 أعتقد ببساطة أن العين الصهيونية على سيناء لنقل سكان غزة إليها في محاولة لتخفيف ضغط المقاومة الفلسطينية على الكيان الصهيوني، ولتصبح مشكلة غزة مصرية، وإن كنت أعتقد أيضا أن الفكرة مؤقتة، لأن من يُزحزح إلى سيناء يسهل بعد ذلك الزحزحة إلى الوادي والدلتا..

ومنذ أكثر من عام قال باحث في المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة إن سيناء ليست مصرية، ولم يتحرك أحد للرد عليه، وبعدها أعلن لواء سابق، وفي إطار دفاعه عن التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير في حديث متلفز، أن سيناء بالكامل ليست أرضا مصرية،  ومر الحديث التليفزيوني للواء السابق والخبير الاستراتيجي مرور الكرام، ولم يجد الصراخ بأن هذه بداية التنازلات.

الموقف الأصعب للمؤسسة العسكرية:

ارتضت المؤسسة العسكرية المصرية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير: تلك الأرض التي ارتوت بدماء الشهداء في حروب مصر ضد الكيان الصهيوني بحجة الاشتباه في كونها مصرية رغم تأكيد ثلاث قادة عسكريين ورؤساء أركان الجيش المصري أن الجزيرتين مصريتان، وذلك في صفقه بيع مهينة ومذلة بمصر والمصريين؛ ولكن هذا اللغط والشك غير موجود في الصفقة الجديدة ..
فلا يستطيع أحد التشكيك في مصرية سيناء، وتلك هي اللحظة الفاصلة في حياة المؤسسة العسكرية، وهل ترضى بالتنازل عنها في صفقة جديدة، وهي الأرض التي ارتوت بدماء المصريين من عهد أحمس وحتى نصر أكتوبر ١٩٧٣ أم سيكون للمؤسسة موقف آخر عما حدث من قبل في موقعة تيران وصنافير؟

حتمية وحدة القوى السياسية

القوى السياسية المصرية أيضا في موقف لا تحسد عليه؛ فبينما خرجت المظاهرات في كثير من الدول العربية والإسلامية تندد بصفقة القرن، عمّ الصمت المطبق على هذه القوى‘وحينما أعلن التيار الشعبي المصري والحزب الناصري عن مؤتمر سياسي لطرح موقفهما الرافض للصفقة فاجأهم النظام بالقبض على عدد من كوادر التيار الشعبي فجر اليوم المحدد للمؤتمر لينشغل التيار بكوادره التي أُلقي القبض عليها بتهم غاية في الغرابة، إذ اتهم أعضاء التيار بمحاولة تشكيل تجمع سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة ..

 وبعيدا عن القضية فلم تشهد مصر أي محاولات لمقاومة صفقة القرن سوى بعض المحاولات لتجميع توقيعات إلكترونية لرفضها، والواقع أن تلك التوقيعات وكل ما يجري لن يكون عائقا أمام استكمال الصفقة.

 إن كل الأحداث الماضية السياسية والوطنية تحتم على كل القوى السياسية والوطنية المصرية البحث عن وسيلة فعالة لوحدتهم؛ فما مر على مصر من كوارث حقيقية خلال الأعوام الثلاثة الماضية لابد أن تكون كفيلة لتتناسى هذه القوى خلافاتها، وثأرها القديم سواء عقب ٢٥ يناير، أو عقب ٣٠ يونيو ..
وللأسف لم تتوحد هذه القوى برغم الأحداث الجسام التي مرت خاصة بعد ما حدث في معركتي تيران وصنافير، والتعديلات الدستورية التي مددت حكم السيسي عمليا حتى عام ٢٠٣٠،  حتى سقوط الرئيس المصري السابق محمد مرسي في قلب المحكمة راحلا بعد رحلة قاسية استمرت ست سنوات في محبسه بتهم باطلة، وغير حقيقية، وكانت انتقاما منه، ومن جماعة الإخوان المسلمين..
فكان على الجميع التوحد حتى لا يسقط آخرون نتيجة الإهمال الطبي وسوء المعاملة والاعتقال والسجن ظلما وقهرا؛ ولكن مرت كل الكوارث ولم تتوحد قوى مصر السياسية بل ما زالت معاركهم حول الماضي وأخطائه وثاراته.

 والآن هل تستمر خلافاتنا لنستيقظ في يوم ما قريب على ضياع أجزاء أخرى من الأرض المصرية، ويتم التنازل عنها في مقابل حفنة من الدولارات لا تغني ولا تسمن من جوع؟!

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه