إغلاق “مركز تكوين” العلماء ودور الرزّ السّعودي

 

شِنْشِنةٌ نعرِفُها من أَخزَم

“الكيانُ الصّهيونيّ أكثرَ إنسانيّةً من جماعة الإسلام السّياسيّ”

 بهذه العبارةِ أعلن الرّئيسُ الموريتانيّ محمّد ولد عبد العزيز الحربَ على جماعة الإخوان المسلمين وممّثلّها في العمليّة السّياسيّة حزب تواصل

 وهذه العبارةُ غدت تتردّدُ منذُ فترةٍ على ألسنةِ الشّخصيّات السّياسيّة والإعلاميّة في السّعوديّة والإمارات، وهي كما قالت العرب “شِنْشِنةٌ نعْرِفُها من أَخْزَم“.

على أنَّ هذه الأنظمة التي تعدّ الإسلام السياسيّ أخطر من الكيان الصّهيوني تلقي بالمودّة لهذا الكيان، وتتلطّف معه وتبني جسورًا معه في العلن حينًا وفي السّرّ أحيانًا كثيرة

فغدت مقارنتهم لجماعات الإسلام السّياسيّ بالكيان الصّهيونيّ ممجوجةً وما عادت تنطلي على أحدٍ

 وغدا لسانُ حالِ الكثيرين يقول: ليتكم تعاملون هذه الحركات والجماعات بقليلٍ من الودّ الذي تلقونه إلى هذا الكيان المجرم.

على أنَّ خطورة هذه المقارنة التي أطلقها الرّئيس الموريتاني ضمن اسطوانةٍ تمتدّ اليوم من تخوم الخليج العربيّ إلى شواطئ المحيط الأطلسي تكمن في اتّجاهين اثنين

الأوّل: إيجاد المبرّر أمام الجماهير للفتك بجماعات الإسلام السّياسيّ

 والثّاني تشريع التّطبيع مع هذا الكيان الصّهيونيّ الذي يُرادُ له أن يغدو في العقل الجمعيّ للشّعوب العربيّة حمَلًا وديعًا.

لماذا محمّد الحسن ولد الدّدو الشّنقيطي؟

إنَّ استهدافَ مركز تكوين العلماء هو استهدافٌ مباشرٌ لشخص العلّامة محمّد الحسن ولد الدّدو الشّنقيطي

هذه الشّخصيّة التي ملأ ذكرُها الآفاق رسوخًا في العلم، وموسوعيّةً في المعرفة، وتأثيرًا في الواقع المحيط

 وهو مؤسٍّسُ مركز تكوين العلماء ورئيسُه، وأهمّ ما يتّسمُ به العلّامة الدّدو إلى جانب العلم العميق، والمعرفةِ الموسوعيّة؛ قولُه للحقّ بكلّ وضوحٍ في وجه الباطل، ومواجهته للطّغيان بلا تردّدٍ ولا وجل، ورفضه أن يأكل من مرق السلطان كي يبقى لسانهُ حرًّا لا يحرقُه شيء

 ومواقفُه على مستوى موريتانيا والأمّة تفسّر هذا الاستهداف المباشر لشخصه ولمركز تكوين العلماء، فهو الذي ردّ على الرّئيس الموريتاني في تصريحه بكلّ وضوح معتبرًا أنّه “من غير اللّائق تفضيل اليهود على المسلمين الرّاكعين السّاجدين”

 وقد كانَ هذا المركزُ على الدّوام حلبة الصّراع بينَ الحقّ والباطل، وبين عامي 2004م و2005م كانت المواجهة مع الرئيس الموريتاني السّابق معاوية ولد الطّايع الذي أغلق المركز أيضًا واعتقل العلّامة الدّدو وهو على كرسيّ التدريس بكلّ وقاحةٍ وصفاقة.

وممَّا يجبُ التّأكيد عليه أنَّ الحرب على العلّامة الدّدو ليست معركةً داخل الحدود الموريتانيّة أو مع السّلطة في موريتانيا فحسب، بل هي ذات أبعادٍ خليجيّة واضحةٍ بيّنة

 فالعلّامة الدّدو هو من أبرز العلماء الذين أعلنوا موقفًا واضحًا صريحًا من اعتقال العلماء والدّعاة في السّعوديّة وذلك من خلال مشاركته بالعديد من المؤتمرات الصّحفيّة واللقاءات الإعلاميّة، التي أعلن فيها بوضوحٍ تامّ رفضه لهذه الاعتقالات الإجراميّة والإجراءات الظّالمة بحقّ العلماء والرّموز الإسلاميّة في السّعوديّة.

الرزّ السّعودي والمشهد الموريتاني

وهنا لا بدَ أن نسأل عن دور الرزّ السّعودي في إغلاق مركز تكوين العلماء، وعن أثر التّنسيق الأمني الذي توثّق بشكلٍ كبير بين محمّد بن زايد والرّئيس الموريتاني محمّد ولد عبد العزيز.

وللإجابة عن هذا فإنَّه يتحتّم علينا العودة إلى عام 2017م حينَ اصطفّت موريتانيا الرّسميّة إلى جانب السّعوديّة والإمارات في حربها الخليجيّة ضدّ قطر

وأعلنت موريتانيا قطع علاقاتها مع قطر ضمن الدّول التي استجابت للرزّ السّعودي، وقد اتّهمت يومها الخارجيّة الموريتانيّة قطر في بيانها لقطع العلاقات معها بـ ” دعم التّنظيمات الإرهابيّة، وترويج الأفكار المتطرفة، والعمل على نشر الفوضى والقلاقل في العديد من البلدان العربية، الأمر الذي نتج عنه مآسٍ إنسانية كبيرة في تلك البلدان وفي أوربا وعبر العالم؛ كما أدى إلى تفكيك مؤسسات دول شقيقة وتدمير بناها التحتية”

والغِرّ في السّياسة يعلمُ بانَّ كلَّ هذا الكلام المرصوف يُمكنُ أن يُقالَ نفسه تجاه السّعوديّة أو الإمارات نفسها فيما لو انقطع الرّزّ وتوقّف الرّفد.

ومنذ ذلكَ الوقت تعمَّقت العلاقات الأمنيّة بين السّلطة في موريتانيا وكل من سلطات ابن سلمان وابن زايد

 والجميع يعلم مدى حقد هذين الرّجلين على الإسلاميين عمومًا وعلى الإخوان المسلمين بشكل خاصّ، وحجم ما يكنّه الرّجلان من بغضاء للعلّامة الدّدو الذي قال لهما بالفم الملآن “لا”.

وحيثما وجدتَ أنظمة الحكم العسكريّة فإنَّك تجد الرزّ السّعودي حاضرًا شديد الفاعليّة

كما أنّك تجد الرّؤية الاستبداديّة المشتركة تجاه أيّة جهةٍ تطمح لخدمة الجماهير، ويمكنها أن تحقّقَ حضورًا حقيقيًّا في المشهد السّياسيّ

 على أنَّ مركز تكوين العلماء منارةٌ علميّة شرعيّة ليست لها صلةٌ تنظيميّةٌ بأيّة جماعةٍ أو حزبٍ سياسيّ؛ لكنَّ ارتباطها بالعلّامة الدّدو جعل الهجوم عليها يأخذ شكلًا مختلفًا وأبعادًا إضافيّة.

وعندما يتضافر حكم العسكرِ مع الرّزّ السّعودي فإنَّ التّهمة الحاضرةَ دومًا هي الحربُ على الإرهاب

 ومَن يمكنه أن يصدّق في موريتانيا كلّها أنَّ مركز تكوين العلماء يخرّج الإرهابيّين ولو حشدت السّعوديّة والإمارات كلّ قدراتها الإعلاميّة لذلك؟!

المواجهةُ إلى أين؟

كانت نهاية المواجهة الكبيرة عام 2005م بين الرّئيس الموريتاني معاوية ولد الطّايع والإسلاميين بانتهاء حكمه بانقلاب رفاقه عليه

 غيرَ أنَّه لا أحد يدري بدقّة اليوم إلى أين ستسيرُ الأمور في موريتانيا عقب الشّروع في هذه المواجهة بين الإسلاميّين والعسكرِ الذين تحرّكهم عقليّة الاستبداد والرّز السّعوديّ والخبرات الأمنيّة الوافدة من المشرق العربيّ

 لكن ما يمكن توقّعه هو أنَّنا بين يدي جولةٍ ستزداد شراسةً بين النّظام الموريتاني والإسلاميّين في الأيام القادمة

 وستكون شراستها بحجم اندفاع ابن سلمان والتَّابعين له بغير إحسانٍ في معركتهم ضدّ الإسلام السّياسيّ؛ على أنَّ المعروف عن الإسلاميّين في موريتانيا هو قدرتهم العالية على امتصاص الصّدمات، وإدارة دفّة المواجهة بما يقلّل الخسائرَ، ويحفظ الكيانات القائمة والجماعات العاملة

 إضافةً إلى الحاضنة الشّعبيّة الواسعة التي يحظون بها في مجتمعٍ مجبولٍ بأصالةِ الباديةِ، ومعجونٍ برقّةِ الشّعراء.  

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه