إغراءات جنسية!

علمت أن هذا العنوان سيجلب العديد من العيون ويسترعي الكثير من الانتباه، ولكن لأنه مُدرج هكذا بوضوح من دون تحذير فلابد أن القاريء العزيز فهم أن المقصود أكثر براءة مما كان يظن!

الطعام للجائع مغري، وتشكل المجوهرات الذهبية إغراءً مزمناً لدى أغلب النساء وتحت هذا المفهوم والتعبير نجد أن الجنسية الغربية مغرية لجموع العرب على اختلافهم ويبدوا أن هذا الإغراء بدأ ينسحب على بعض مواطني دول الخليج فنحن لم نبالغ ولم ندعِ عندما قلنا إن هناك إغراءات “جنسية”، جنسية أو مواطنة أي دولة أوربية أو جنسية كندا أو حتى جنسية الولايات المتحدة.

ومنذ عقود طويلة – مع الزيادة في الآونة الأخيرة – يحاول العديد من شبابنا ورجالنا وحتى عوائلنا الحصول على جنسية أخرى، تكفل لهم العيش الرغيد وتوفر لهم المكونات والركائز التي تقوم عليها الحضارة الإنسانية من عدل وحرية ومساواة وحماية، كما توفر لهم أيضا الضرورات الأساسية للحياة من أمن وصحة وتعليم، لاسيما إذا كانت غربية لأن محاولات العديد من دول القرن الأفريقي مثل تنزانيا وموزمبيق ودول جنوب آسيا مثل فيتنام وبورما والهند في جذب المواطنين العرب من أصحاب الجيوب المفتوقة والحظوظ البائسة قد باءت بالفشل كما أن رعاياهذه الدول أنفسهم أيضا يعانون من هذه الإثارة.

ولكن هل هذه الجنسيات توفر لهم ذلك؟ وهل هناك ضمان لحصولهم على ما يسعون إليه طوال حياتهم من أمن وأمان وعناية وحماية وعدل؟ وهل سيُعاملون كمواطنين على قدم المساواة مع أقرانهم من مواطني الدول الأصليين؟

المظاهرات المناهضة للأجانب

استوقفتني العديد من المظاهرات المناهضة للأجانب في العديد من الدول؛ ففي أمريكا مثلاً لا يزال هناك الكثير من مشاعر العداء والكراهية للسود الذين مضى على حصولهم  على الجنسية قرون، وكذلك للأمريكيين ذوي الأصول اللاتينية الذين عاشوا في الولايات المتحدة الأمريكية لعقود، أنا لن أتكلم عن المظاهرات الغاضبة ضد اللاجئين في هولندا وألمانيا، بل أود أن أشير إلى ما حدث في حواضر العالم الغربي واحات العدل والأمان و الحياة المثالية، عن البلاد الأنموذج ذات السجل المقدس في حقوق الإنسان مثل الدول الاسكندنافية التي بدأت مؤخرا فيها بعض المظاهرات التي تعبر عن ضيق مواطنيها من وجود اللاجئين فيها، وتتذمر من عدم الاندماج والانتفاع المبالغ فيه بموارد بلادهم بلا أي مقابل ملموس.

قصة راشيل وزهراء

و لا بد هنا من ذكر حادثتين تجمع بينهما المواطنة الغربية التي لم تغن شيئاً عن حامليها، ومن العجيب أنهما وقعتا في نفس العام، الحادثة الأولى للناشطة الحقوقية راشيل كوري من مواليد عام 1979 وهي أمريكية أصلية بيضاء شقراء حضرت إلى قطاع غزة للمساعدة في جهود رفع المعاناة عن سكان القطاع و مواجهة الممارسات القمعية لجيش العدوان الإسرائيلي في القطاع، وفي عام 2003 وبعد أقل من شهرين على قدومها للقطاع و في أثناء وقوفها لمنع هدم منزل صيدلاني فلسطيني يدعى سمير نصر الله قام سائق جرافة عسكرية مجنزرة وهو جندي في الجيش الإسرائيلي بدهسها وأصيبت بجروح مميتة ماتت على إثرها وهي لم تتجاوز 23 عاماً.

 لم تشفع لها جنسيتها ولم تدافع عنها دولتها وكل ما حصلت عليه عائلتها هو أسف – من دون اعتذار – وادعى السائق، كاذباً طبعاً، أنه لم يرها.. ماتت لأنها تدافع عن الشعب الخطأ ضد العدو الخطأ وتخيل معي لو أن دولة أفريقية أو رجل مخابرات ليبي قتل مواطناً غربياً ماذا كانت ستكون العواقب؟!

والحادثة الثانية، لمواطنة كندية من أصل إيراني تّدعى زهراء كاظمي وهي إمرأة ولدت في شيراز وغادرت إلى فرنسا عام 1974 قبل الثورة الإيرانية ودرست في جامعة باريس الأدب والسينما، وهاجرت الى كندا عام 1997، المهم أنها عملت كمصورة صحفية في كندا لفترة من الوقت؛ ولأنها تحمل الجنسية الكندية وتعرف المنطقة أرسلتها الصحيفة التي تعمل بها إلى العراق لتغطية العدوان الأمريكي على العراق سنة 2003، كما أنها أرسلتها لاحقاً إلى إيران لمتابعة الإحتجاجات والمظاهرات الشعبية التي إندلعت في إيران في العام نفسه.

ذهبت زهراء لتغطية المظاهرات الشعبية في طهران وأثناء وجودها هناك في شهر يونيو/حزيران 2003 تابعت بعض الحراك الشعبي الموازي للمظاهرات ومنها تجمهر الأهالي وتجمعهم حول سجن سيء السمعة في طهران هو سجن إيفين، لمعرفة ماذا جرى لأطفالهم. هذه التجمعات التي تحولت إلى احتجاجات حول السجن، وكانت زهراء تقوم بتصويرها.

شاهدها أحد الحراس وهي تقوم بالتصوير، فأمسك يدها وجذبها بعنف، طلب منها الكاميرا ففتحتها له وأفسدت الفيلم خوفاً على الأهالي الذين صورتهم، فقد الحارس أعصابه بسبب هذا التصرف وتم القبض عليها، وبعد أسبوعين من اعتقالها أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية عن وفاتها بسبب أزمة قلبية أثناء استجوابها وبعد طلب الكشف على الجثة، التي وجد عليها آثار تعذيب شديد – كانت بعض أصابعها من دون أظافر- وكدمات تم تعديل سبب الوفاة إلى إضراب عن الطعام تسبب في سقوطها ووفاتها!

ولم تقدم السلطات أي تفسير عن الكسور في جسدها والتمزقات والجروح في بعض مناطق جسمها الحساسة وتم الحكم في القضية ببراءة المتهمين، ولم تغن عنها لا تابعيتها الفارسية ولا جنسيتها الكندية ولم يتمكن أي مندوب عن السفارة الكندية من حضور المحاكمات، أي أن الحكومات الغربية لم تتمكن من تزويد رعاياها بالحماية وتوفير محاكمات عادلة.

سامي العرياني

 ويمكننا في الختام ذكر حادثة تعد غريبة من نوعها حدثت هذا العام منذ بضعة شهور تؤيد وجهة النظر هذه وهي ترحيل مواطن تونسي يُدعى سامي العريان، يبلغ من العمر 42 عاماً يعيش في مدينة بوخم الألمانية، هو وعائلته  المكونة من زوجة وعدة أطفال، يعيش في هذه المدينة منذ العام 1997 و يتلقى إعانة إجتماعية مقدارها 1168 يورو، المهم أن الحكومة الألمانية رحلته قسراً إلى تونس بزعم أنه تحوم حوله شبهات مزعجة، وأنفقت الحكومة الألمانية وفق مصادرها أكثر من 35 ألف يورو لنقله بطائرة خاصة مع حراسه إلى تونس، حيث تم توقيفه لمدة أسبوعين في سجن تونسي ، وما يدعو للاستغراب أن الحكومة التونسية لم تجد مسوغاً لتوقيفه و لم تجد في ماضيه ما يدينه فأفرجت عنه بعد أسبوعين مع الاعتذار له عن سوء الفهم الذي حدث و عاد إلى ألمانيا .

يبدو أن الموازين قد بدأت تنقلب في صالح جنسياتنا! وهل يا ترى سنشاهد يوماً ما سويديين يقفون في طوابير للحصول على جواز أفريقي؟  

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه