إشكالية المرأة في الحركة الإسلامية المعاصرة

أثارت قضية المرأة المسلمة جدلا واسعا بين أهل الفقه وأهل الحديث والمجددين والسلفيين وغيرهم، منهم من غالي في مسألة دور المرأة وحقوقها، ومنهم من قصر لدرجة أن أفتي بتحريم تعليمها

ليس كالإسلام دين أنصف الإنسان كمخلوق بيد الله، كرمه ورفع شأنه وفضله على كثير من خلقه، فصار مكرما في ذاته البشرية، بكينونته التي تحمل كل الخصال المنتمية للسماء بحكم نشأة الروح التي هي من أمر الله، وكل الصفات المادية النابعة من الأرض والتي تهبه القدرة على الحركة فيها

” إنما النساء شقائق الرجال “

 وقد ميز الله عز وجل خلقته تلك بأمانة أشفقت منها المخلوقات جميعها، أمانة ” الاختيار” و” الحرية ” والسير في السبيل الذي بينه الله بإرادته الكاملة ” إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا “، وفي كل آيات التكليف لم يميز كلام الله بين رجل وامرأة، وفي قليل من الآيات خص خطابا مفصلا لهما، ليس للتفريق، وإنما لتأكيد المساواة الإنسانية لكليهما

” من عمل سيئة فلا يجزي إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب “

تعطيل متعمد، أم أخطاء تاريخية؟

 أصبحت فكرة التغيير الحضاري والتغيير المجتمعي في بلاد المسلمين ضرورة حتمية، ترقي لأن تكون واجب الوقت ليس لإنقاذ المسلمون وحدهم، وإنما لإنقاذ العالم من تغول المادة وغياب الجانب الإنساني مما يهدد استمرار الحياة على الأرض، وتقتضي تلك المهمة استثمار كافة الجهود الموجودة على الساحة للعمل، فهل يمكن تحقيق فكرة بهذا الحجم بمؤسسات وتنظيمات تخلو من مشاركة واعية وحضور قوي لنصف طاقة المجتمع بما يتناسب مع ما تمثله المرأة في المجتمع والأمة؟ هل يمكن أن يحدث ذلك التطور المجتمعي والحضاري المنشود، بينما المرأة مستثناة تماما في كافة التنظيمات بمختلف أحجامها؟

لقد أثارت قضية المرأة المسلمة جدلا واسعا بين أهل الفقه وأهل الحديث والمجددين والسلفيين وغيرهم، منهم من غالى في مسألة دور المرأة وحقوقها، ومنهم من قصر لدرجة أن أفتى بتحريم تعليمها أو خروجها من بيت أبيها إلا لبيت زوجها.

وبين التفريط والإفراط ظلت قضية المرأة مجرد جدال لغوي، فلا حصلت المرأة على حقوقها، ولا المجتمع استطاع أن يوظفها كما يجب استثمارا لإمكاناتها وطاقاتها الكبيرة

فبعد مرور العالم الإسلامي بفترات انحطاط فكري وهبوط حضاري ، اكتسبت المرأة أوصافا وقوانين فرقت بينها وبين شقيقها الرجل، فحرمت من تحصيل العلم، وارتياد المساجد ، والعمل، حتى بدأت الحركة الإسلامية في النصف الأول من القرن التاسع عشر مع ظهور الطهطاوي ثم الأفغاني ثم محمد عبده ، وأخيرا الشيخ البنا رحمه الله الذي أولي المرأة اهتماما خاصا بإنشاء قسم الأخوات في جماعة الأخوان المسلمين ، لكن يبدو أن ذلك الإجراء لم يكن كافيا للفت نظر القائمين علي الحركة الإسلامية إلي أن هناك طاقة مهدرة ، تمثل نفس حجم الطاقة العاملة بالفعل ، فكيف نعطلها أو نستغني عنها

المرأة في الحركة الإسلامية اليوم

والإشكالية الكبري أننا حين نرصد وضع المرأة في الفكر الإسلامي نجد أن من يعبر عن ذلك أقلام الرجال وليس النساء، وكان الأولي أن تقوم المرأة نفسها بتصدر المشهد باعتبارها الأقدر على فهم ما تعانيه، وما يمكن أن تعطيه للأمة.

وكانت النتيجة مخرجات بعيدة عن الموضوعية، وبعيدة عن الجدية في وضع الحلول لتكون مجرد نظريات غير قابلة للتطبيق.

والحركة الإسلامية هي جزء من المجتمع الإسلامي الكبير ، تأثرت ببعض التقاليد البالية ، بل ولم تسلم الأحكام الشرعية من الاختلاط بالتقاليد والعادات المتوارثة وأصبح البعض يراها دينا يجب إتباعه، منها علي سبيل المثال بعض مظاهر الاستبداد، والنظرة العامة إلي المرأة ، فقد حاولت الحركة الإسلامية القيام بحركة تطوير وتجديد وظلت فكرة تطوير ملف المرأة بعيدا عن حركة التجديد تلك ، فأبعدوها عن مراكز القيادة واتخاذ القرار، علي عكس ما كانت عليه في دولة النبوة وحكم الراشدين ، حيث شاركت الرجال في تحمل تبعات إيمانها منذ اللحظة الأولي ، والمأساة الكبري أن تجد مراكز صنع القرار مثل مجالس الشورى والمكاتب التنفيذية والإدارية تقتصر عضويتها علي الرجال الذين يضعون السياسات الخاصة بالرجال والنساء معا ، فبأي منطق أن مناهج التربية للفتيات أو النساء يضعها الرجال ؟

 ويعلل البعض ذلك بأنه لا توجد الكوادر النسائية المؤهلة لاحتلال تلك الوظائف وفرض نفسها على الساحة، في حين لا يعترف هؤلاء أن كم المعوقات التي توضع أمام المرأة كبير، أدناها أن اعتراف الرجل بها غير كاف.

 أمر آخر وهو أن المطالبين بتحريك دور المرأة في الحركة قد حصروها فقط في العمل النسائي، على عكس ما حباها الله به من قدرات وطاقات تستوعب الكثير من المجالات

مسئولية المرأة في تلك الإشكالية

الإسلام وضع قواعد التعامل الإنساني حقا وواجبا للإنسان ككل، وعلى كل فرد أن ينتزع ذلك الحق ممن يمنعه، والمرأة كما كانت جزءا من المشكلة باستسلامها للوضع القائم عبر العصور، يجب عليها هي أن تنتفض وتعي حدود أزمتها وتبادر وتضع حلولا لها ولا تنتظر أحد أن يتحدث عنها باعتبارها الأكثر قدرة على فهم طبيعة خلقتها

والحل كما أراه ليس عند المفكرين في الحركة، ولا المنظرين، أو مراكز القيادة، الحل يوجد لدي المرأة ذاتها، المرأة التي هي جزء من الصحوة والحركة الإسلامية والتي أثبتت في وقت أزمات الأمة أنها قادرة على الصمود والعطاء والإبداع، نجدها في فلسطين ومصر واليمن وتونس وسوريا وقد حملت قضية التحرير لتكون شهيدة، وأما لشهيد، وزوجة لشهيد، وأختا لمجاهد، ومجاهدة تتقدم الصفوف

إن أمام المرأة اليوم عدة تحديات يجب أن تتوقف لها:  

1 ـــ أن تقوم بتأهيل ذاتها تأهيلا جامعا يتوافق مع احتياجاتها أولا، واحتياجات أمتها ثانيا مستعينة بذلك بالدفع القرآني الذي خاطبها بشكل مباشر كما خاطب الرجال، وفرض ذلك على المجتمع دون انتظار دعم خارجي

2 ـــ أن تقوم المرأة بوضع تصور واضح يخص قضيتها، خاصة بعد أن خاضت كل التخصصات العلمية، فهي لا تفتقر للكوادر القادرة علي صنع التحول المطلوب، وقد آن لها أن تفرض التصور الفقهي الواضح الذي يخرجها من دائرة المتفرج المنتظر، تصورا يقدم حلا واقعيا مستمدا من روح الشرع ومسايرا لواقع الأمة الداخلي والخارجي بعمق وفهم ومعرفة شاملة، وأن يكون ذلك بتعاون نسائي داخلي لا نسائي رجالي، تتعاون فيه صاحبات الفكر على مستوي العالم العربي والإسلامي لتكون الفكرة أوقع وأكثر عمقا.

3 ــ على المرأة المسلمة أن تعرف معني التوازن بين حياتها كزوجة وأم ودورها في الحياة العامة، فقليل جدا من تستطيع أن توازن بين المهمتين، ولذلك لا نجد أسماء مبدعات في المجالات المختلفة إلا معدودات على أصابع اليد الواحدة، تكون الواحدة منهن قد تجاوزت مرحلة الشباب من العمر وذلك لانشغالها في بداية الحياة بأعباء البيت كاملة منفردة.

لقد آن الأوان أن تتبوأ المرأة مكانتها وتتحمل تبعات تلك المكانة، وآن للقائمين على الحركة الإسلامية الاعتراف بقدرتها على الصمود والثبات والتجديد والإبداع إن هي توفرت لها الظروف المناسبة.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه