إس – 400 وتصفية حسابات الكيان الصهيوني مع تركيا

إسرائيل التي كانت تعد حليفا قويا لتركيا حتى عام 2002 ، لم تستطع ان تتخطى حتى الآن صدمة التحول المفاجئ والتغيير الكبير في العلاقة بين البلدين والتي تحولت من النقيض إلى النقيض.

 

 القرار السريع الذي صدر من جانب وزارة الدفاع الامريكية، والقاضي باستبعاد تركيا من مشروع انتاج الطائرات إف – 35 على خلفية إصرار أنقرة المضي قدما لاستلام منظومة الصواريخ إس – 400 الروسية الصنع، أثار الكثير من التساؤلات حول المحرك الفعلي لتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية، الذي يقف وراء إصدار تلك القرارات المهمة بهذه السرعة الغربية.

هذه القرارات التي تتضارب بصورة واضحة حتى مع التصريحات الرسمية للرئيس الامريكي شخصيا تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن هناك أطرافا أخرى تتولى فعليا إدارة دفة الامور في واشنطن وانها  تسعى لتحقيق أهداف محددة،  لصالح جهة معينة ، وفي هذا الاطار يبرز أمامنا بوضوح اللوبي الصهيوني الذى تحركه العناصر السياسية في تل أبيب، والتي تسعى منذ فترة ليست بالقليلة وراء تركيا للإضرار بمصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية سواء مع أوربا والولايات المتحدة الامريكية، أو في آسيا وأفريقيا، وذلك على خلفية التدهور المستمر في العلاقات بين البلدين منذ تولى حزب العدالة والتنمية السلطة في تركيا .  

إسرائيل وصدمة التحول التركي

فإسرائيل التي كانت تعد حليفا قويا لتركيا حتى العام 2002 ، لم تستطع ان تتخطى حتى الآن صدمة التحول المفاجئ والتغيير الكبير في العلاقة بين البلدين والتي تحولت من النقيض إلى النقيض، خصوصا مع محاولات أنقرة الدائمة عرقلة جهود تل أبيب وإفشال محاولاتها الرامية إلى ابتلاع كافة الاراضي الفلسطينية حتى وصلت الامور بينهما إلى القطيعة الدبلوماسية عام 2017 على خلفية إعلان الرئيس الأمريكي نقل سفارة بلاده إلى القدس، واتسع الأمر إلى حد تبادل الاتهامات والسباب في تصريحات رسمية  علنية بين الرئيس أردوغان ورئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو .

اتساع هوة الخلاف بين أنقرة وتل أبيب، وفقدان الآمل في إمكانية عودة تلك العلاقات إلى سابق عهدها في ظل استمرار العدالة والتنمية في السلطة، وقيادته للجبهة الرافضة لتمدد الكيان الصهيوني في المنطقة على حساب دول عربية وإسلامية، جعل من تركيا العدو الاول المستهدف من جانب دولة الاحتلال، واللوبي الصهيوني الذي يسيطر على عواصم ومؤسسات صنع القرار السياسي والاقتصادي في العالم.

الدبلوماسية التركية وعرقلة تهويد القدس

فاللوبي الصهيوني الذي يدير الإدارة الامريكية حاليا من خلف الستار لن ينسى أن الدبلوماسية التركية بذلت جهودا جبارة في سبيل عرقلة المخططات الإسرائيلية للسيطرة الكاملة على مدينة القدس بشقيها الغربي والشرقي من خلال مطالبتها الدول الصديقة لها بنقل سفاراتها وبعثاتها الدبلوماسية إلى القدس بدلا من تل أبيب، وفرض الأمر الواقع على الفلسطينيين والعرب والعالم الإسلامي بكامله، وأنه لولا موقف أنقرة لكان لها ما أرادت في ظل مرحلة الضعف والخنوع الذي تمر به المنطقة العربية.

وأن تركيا – ممثلة في رئيسها – قامت بعقد مؤتمر استثنائي طارئ لمنظمة التعاون الاسلامي ، معلنة رفضها المطلق لقرار الرئيس ترمب بنقل السفارة الامريكية إلى القدس ، داعية العالم إلى الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين ردا على الموقف الامريكي ، كما قدمت بالاشتراك مع اليمن مشروع قرار اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، نص على أن القدس هي إحدى قضايا الوضع النهائي، التي يتعين حلها عبر المفاوضات، وفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وأنه لا يحق لدولة الاحتلال اتخاذ قرارات اُحادية الجانب في هذا الصدد، وهو الأمر الذى أفشل تلك الخطوة الإسرائيلية المدعومة أمريكيا.

كما أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لم ولن تنسى لتركيا تصديها لكافة المحاولات المبذولة من جانبها لتغيير الهوية الثقافية والتاريخية والعقائدية للمدينة المقدسة، عبر تشجيعها ودعمها لمئات من الجمعيات الاهلية ومنظمات المجتمع المدني التركي لتكثيف انشطتها الاجتماعية والانسانية داخل اسوار المدينة العتيقة، وحث المواطنين الاتراك على التواصل الدائم مع فلسطيني الداخل، والقيام بشراء العديد من منازل المدينة المعروضة للبيع من جانب اليهود الراغبين في الرحيل عن الكيان الصهيوني للعيش في أوربا، الأمر الذى دفع الاستخبارات الصهيونية لرصد ومراقبة تحركات الأتراك داخل الأراضي المحتلة، والامتناع عن منح العديد من الناشطين تأشيرات لدخول الأراضي الفلسطينية المحتلة ، والقيام بعمليات اعتقال تعسفية ومحاكمات لأسباب واهية ضد من تمكن فعليا من الدخول ، ومنهم عدد من الفتيات الناشطات في هذا المجال.

صفقة القرن والرفض التركي

أما اللطمة الكبرى التي وجهتها تركيا لإسرائيل، والتي من المستحيل غفرانها، فهي رفضها المطلق لكافة بنود خطة السلام الأمريكية للشرق الأوسط المعروفة باسم ” صفقة القرن “، التي اعتبرتها أنقرة مشروعا لزعزعة الشرق الاوسط وتصفية القضية الفلسطينية، وأنها مجرد طرح قديم بمصطلح جديد يهدف لإعادة تقسيم وتجزئة وابتلاع المنطقة مرة اخرى، معلنة تصديها له.

ومن أجل تحقيق ذلك الهدف تجاوزت أنقرة خلافاتها السابقة مع الأردن بعد أن أعلن رفضه لصفقة القرن ، وقامت بدعمه وحث رجال الأعمال على فتح الطريق أمام مزيد من الاستثمارات التركية في الأردن، بهدف التخفيف من حدة الضغوط الهائلة التي تعرضت لها عمان من جانب الدول العربية الداعمة لصفقة القرن، خصوصا التهديدات بوقف المساعدات الاقتصادية ومنع المعونات  التي تعتمد عليها في الكثير من المجالات الاجتماعية والتنموية، حيث تدفقت الاستثمارات التركية على الأردن، وبلغ حجمها 283 مليون دولار، تركزت في قطاعات الخدمات والصناعات الغذائية والتكنولوجيا والبنية التحتية، وهو الموقف الذى زاد من قدرة الأردن على الصمود وإعلان رفضه لتفاصيل تلك الصفقة.  

كما قامت تركيا بتقديم 10 ملايين دولار زيادة عن حصتها الأساسية لوكالة غوث اللاجئين ” الأونروا ” بعد ان قررت الإدارة الأمريكية قطع مساعداتها المالية عن الوكالة التي تتولى مهمة تقديم خدمات تعليمية وصحية وغذائية للاجئين الفلسطينيين، معتبرة أن القرار الأمريكي يأتي متوافقا مع خطط  تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل، خصوصا حق العودة، أحد الاهداف الأساسية لصفقة ترمب التي ترمي إلى تهويد فلسطين وتقديمها على طبق من ذهب للإسرائيليين وإنكار حق الفلسطينيين في العودة إليها وتحويل قضيتهم من قضية سياسية إلى قضية إنسانية.

قوة تركيا حماية للقدس والاقصى

وفي هذا السياق لا يجب أن ننسى أن الرئيس أردوغان سبق وأن أعلن أمام حشد من أنصاره إن قوة تركيا هي قوة لفلسطين وحماية للقدس والمسجد الأقصى، وهو التصريح الذي ربما لم يلتفت إليه الكثيرون منا، أو مروا عليه مرور الكرام، إلا أن الكيان الاسرائيلي وصهاينة العرب التقطوا الرسالة وفهموا فحواها، وشرعوا في العمل سويا من أجل هدف وحيد، ألا وهو الحد من قوة تركيا على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وجعلتهم الرسالة يبذلون جهدا أكبر في سبيل القضاء على تركيا العدالة والتنمية.

لذا فمن غير المستبعد ان تكون أصابع اللوبي الصهيوني هي من تقف وراء التحركات الأمريكية السريعة ضد تركيا والتي جاءت بعد سويعات قليلة من استلامها لمنظومة الصواريخ الروسية إس – 400، حيث بدأت القرارات المتلاحقة التي صدرت سواء من جانب الكونغرس للمطالبة بمعاقبة تركيا، أو تلك التي صدرت من جانب وزارة الدفاع الامريكية الخاصة باستبعاد أنقرة من مشروع إنتاج الطائرات إف – 35 المعروفة باسم ” الطائرة الشبح” وكأنها كانت معدة سلفا، وتنتظر فقط لحظة الإعلان عنها.

 نسى هؤلاء أن تركيا لديها الكثير من البدائل الاخرى سواء الروسية او الصينية، ويمكنها اختيار ما يناسبها ويقوي دفاعاتها العسكرية، وأنها تكثف من حجم استثماراتها الداخلية في مجال الصناعات العسكرية الدفاعية، وحققت بالفعل الكثير من النجاحات في هذا المجال، ما ساهم في زيادة قدرتها العسكرية وفي التخلص من التبعية التي عانت بسببها قرنا من الزمان.

تركيا في الواقع لم تخسر، وإنما ربحت فعليا في هذه المعركة الشرسة التي يقود مراحلها اللوبي الصهيوني المتحكم في قرارات الادارة الامريكية.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه