إرهاب ضد المسلمين…!

أين أولئك القادة الذين هرولوا إلى فرنسا في 2015 وقالوا :”كلنا شارلي إبدو”؟، لماذا لا ينتفضون فوراً لحشد دعم عالمي مماثل لما حصلت عليه فرنسا لمواجهة الإرهاب؟!

استيقظ العالم أمس (يوم الجمعة الحزين) على جريمة إرهابية وحشية في نيوزيلندا التي لم تُسجل فيها أحداث عنف من قبل، لكن هذا البلد البعيد الهادئ، وبهذه الجريمة المروعة ضد المصلين المسلمين المسالمين تشوهت صورته بإرهاب جبان منزوع الأخلاق والضمير والإنسانية.

حصيلة كبيرة من الشهداء (51)، والجرحى (50)، والمصدومون والمكلومون والغاضبون هم كل أبناء الجالية المسلمة في هذا البلد، وهم أكثر من مليار وستمائة مليون شخص يمثلون العالم الإسلامي، ومعهم المجتمع الدولي الذي عبر عن تضامنه ضد هذه البربرية التي تسحق الجميع، والتي يجب الاصطفاف العالمي في مواجهتها.

وقد بات من المؤكد أنه لا مكان في هذا العالم آمن من شيوع وتغلغل أفكار التطرف وأعمال العنف والإرهاب المدمر، والله أعلم أين سيوجه أعداء البشرية وكارهو التعايش الإنساني ضربتهم المقبلة ضد الأبرياء الآمنين؟

لوثة جنون

 هناك لوثة مروعة من الجنون تسود العالم، وهناك أنهار من الدماء تسيل في كثير من بلدانه لأسباب مختلفة لا يمكن تبريرها لأنها كلها ظالمة، وأشد هذه الأسباب هو قتل الأنفس البريئة في أعمال إرهابية خسيسة يقوم بها أفراد أو جماعات أو تنظيمات معادية للحق في الحياة ..
 كما تنخرط  في الإرهاب دول أيضاً سواء بممارساتها القمعية التعسفية ضد مواطنيها، أو عبر احتلالات وتدخلات عسكرية في دول أخرى، وبلدان العالم الإسلامي ساحة مستباحة لأمريكا وأوربا وروسيا وقوى أخرى للتدخل والحرب والقتل وترويع الشعوب وتشكيل تربة خصبة لنمو وترعرع التطرف.

في جريمة نيوزيلندا قد يقول البعض إنها مجرد عمل فردي اقترفه شخص يحمل الجنسية الأسترالية، وهذا صحيح في الظاهر، لكنه في الجوهر مختلف تماماً، فالاعتداء الفظيع حصيلة مناخ الكراهية ولغة التحريض الديني والسياسي والفكري والثقافي المتزايد ضد الإسلام والمسلمين في الغرب ..
وفي مناطق عديدة في العالم، فيما صار يعرف باسم “الإسلاموفوبيا”، فكل ما هو إسلامي أصبح يتم ربطه اليوم فوراً بالتطرف والإرهاب، وأي حادث غادر يقع في أي مكان على وجه الأرض يجري البحث فيه أولاً: عن المسلم المتطرف الذي ارتكبه ..
وإذا صح ذلك تقوم قيامة الدعاية المنددة الصاخبة ولا تقعد، وإذا لم يكن المتورط مسلماً يحدث بعض الضجيج ثم يهدأ سريعاً وتستخدم أوصاف وألفاظ في تصوير الجريمة وإدانتها تختلف في هدوئها وحجمها عما لو كان الفاعل مسلماً، إنها الازدواجية الفاسدة التي تنتهك حقوق الضعيف وتمارس عليه أقصى أشكال القهر وتغتال كرامته وأدميته.

العداء للمهاجرين

 إرهاب نيوزيلندا هو أيضاً حصيلة العداء للمهاجرين واللاجئين في الغرب، وجل هؤلاء اليوم من المسلمين الذين يواجهون عنصرية بغيضة ورفضاً لاستيعابهم ولو مؤقتاً حتى من باب الإنسانية والشفقة بعد أن اضطروا للفرار من الاستبداد والقتل الذي تمارسه أنظمتهم عليهم (سوريا مثالاً صارخاً).
والمفارقة أن مثل هذه الأنظمة الدموية تحظى بالحماية من الغرب نفسه، أو لا يتم لجمها ومحاسبتها على جرائمها بحق شعوبها، وقوافل اللجوء والهجرة ترجع كذلك إلى التدخلات العسكرية الإرهابية من القوى العالمية الكبرى، في بلاد المسلمين فتحول حياة شعوبهم إلى جحيم، ولا يكون أمام المظلومين والضعفاء غير الهروب.

العقل الإرهابي اليميني المتطرف معبأ بكل الأحقاد والدعايات السوداء والكراهية التي تنهل من تاريخ طويل متعصب مشين ضد كل ما هو مسلم، ويخرج من هذه التيارات العنصرية، التي تتسع وتزيد شعبيتها وتدخل البرلمانات وتشارك في الحكومات، إرهابيون أمثال الأسترالي منفذ جريمة نيوزيلندا ..
 وهي إرهاب شنيع، وليست مجزرة أو جريمة بشعة فقط، كما يصفها بعض قادة الغرب المنافقين، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي ترامب الذي لا يتوقف عن استخدام مصطلح “الإرهاب الإسلامي” حتى لو قذف شخص منتم للإسلام حجراً على شخص آخر، ترامب في حالة نيوزيلندا يكتفي بوصفها بالمجزرة، دون أن يصفها بالعمل الإرهابي، أو يصف المنفذ بأنه إرهابي، ولا نطلب منه أن يقول إنه “إرهاب مسيحي”، لأنه في الاعتبار الإسلامي القويم لا يجب ربط العمل الإرهابي بأي دين أو عرق أو لون أو جنسية، فالإرهاب هو إرهاب أيا كان مرتكبه أو كانت دوافعه.

والغرب هو أصل الإرهاب على مدار التاريخ، وعدد ضحايا إرهابه بالملايين حول العالم، وضحاياه من المسلمين بلا حصر، وهو من زرع إسرائيل في قلب بلدان العرب والمسلمين، وهو من يتعهدها بالرعاية والدعم والتفوق، وهي نموذج لإرهاب الدولة الرسمي، وهي بممارساتها الاستعمارية أحد أسباب صعود ظاهرة التطرف في الشرق، حتى لو كانت إدانتها لإرهاب نيوزيلندا أشد من إدانة عواصم عربية واسلامية.

 اليوم وبعد بشاعة الجريمة الغادرة فإنه على الأنظمة العربية والإسلامية أن تخجل من نفسها عندما تسعى للتقرب من القوى الكبرى فتتبرع باتهام المسلمين جميعاً بالتطرف والإرهاب، وعليها أن تخجل من تحريضها على الجاليات المسلمة في الخارج بدمغها بالتطرف، علاوة على مواصلة توظيفها لقضية الإرهاب بانتهازية شديدة للحصول على الدعم العالمي لبقائها في السلطة غصباً واغتصاباً، وتمرير استبدادها وانتهاكاتها لحقوق وحريات الإنسان في بلدانها.

أين القادة؟

والسؤال الذي يفرض نفسه فعلاً، وطرحه كثيرون: أين أولئك القادة الذين هرولوا إلى فرنسا في 2015 وقالوا:”كلنا شارلي إبدو”؟، لماذا لا ينتفضون فوراً لحشد دعم عالمي مماثل لما حصلت عليه فرنسا لمواجهة الإرهاب الذي يستهدف مسلمين أبرياء، إذ ليس متوقعاً أن يتوقف هوس المتطرفين لحصد مزيد من الأرواح كلما تسنى لهم ذلك، والذئاب المنفردة شديدة الخطورة إذ يصعب التنبؤ بها أو إحباط خططها مسبقاً، وخسائرها ضخمة كما حدث في نيوزيلندا قبل ساعات.

وزير خارجية إيران دعا لاجتماع إسلامي عاجل على مستوى القمة أو وزراء الخارجية لمواجهة هذا الخطب الجلل فهل من مستجيب له؟، هل يتم طي جانب الخلاف مع إيران مؤقتاً، وتلبية هذه الدعوة الضرورية لإظهار أن هناك حد أدنى من الوحدة في العالم الإسلامي أمام المجتمع الدولي، أم تتواصل سياسات المعاندة والمكايدة والصف الممزق ولو على دماء الأبرياء وأمان المسلمين في كل مكان؟!

على العالم المنحاز المنافق أن يتوقف عن مواصلة لوم المسلمين وحدهم دون غيرهم بأنهم دعاة التطرف والإرهاب، فالإرهاب سلوك عالمي يشمل الجميع، وهناك أمريكان يرتكبون جرائم إرهابية شنعاء ضد أمريكان مثلهم حتى لو اعتبرها الرسميون والساسة والإعلام هناك سلوكيات فردية وجرائم جنائية للتخفيف من وطأتها وإحراجها لهم.

ومن أسف أنه مهما وصلت الحضارة إلى قمتها فإن التوحش يظل يسكن الإنسان، وقد جاءت الأديان لتهذب الإنسان وتجعله أخلاقياً، لكن الوحش يأبى الترويض، وأمام ظاهرة العنف الفردي والجماعي المجنونة لا نجد فرقاً بين إنسان مندفع للقتل يعيش في عالم يخاصم الديمقراطية والحضارة، وبين إنسان هو جزء من الحضارة والديمقراطية ويحقد على الآخر المختلف عنه ويسعى للخلاص منه..
فلا ميزة لأحد على أحد، فبماذا نصف هذا الأسترالي القادم من بلد متقدم ثم يكتب 72 ورقة مليئة بالأحقاد المسمومة الغارقة في تاريخ من التعصب الديني والسموم السوداء ليبرر الإرهاب الذي قرر تنفيذه بعقل شيطاني، وفخر قومي وديني، وأعصاب شديدة البرودة؟!

المحبة بين الإنسانية

من ضمن الحلول لمحاولة استعادة السلم العالمي هو التعايش الحقيقي في محبة بين الإنسانية على اختلافها وتنوعها، والتوقف عن خطاب التحريض والكراهية والعنصرية المقيت، وإقرار العدالة الدولية والميزان الواحد والكف عن الازدواجية، والتوقف عن شيطنة الآخر المختلف دينياً وعقائدياً، ووضع حد لما يُسمى صراع الحضارات والثقافات، والتواضع فلا عرق يتفوق على آخر، ولا الأبيض له ميزة عن الأسود وبقية ألوان البشر، ومواجهة إسرائيل وإعادة الحقوق لأصحابها في فلسطين، وإيقاف تدخل القوى الكبرى في بلاد العرب والمسلمين، والتوقف عن مناهضة العالم الحر للديمقراطية في العالم الإسلامي، ووضع نهاية لمساندة الاستبداد والطغيان.

كما في الشرق ظواهر تطرف وإرهاب لا يمكن إنكارها فإن في الغرب وفي جهات الأرض الأربع بمختلف تنوعها ظواهر تطرف وإرهاب أيضاً، والمؤسف أن المسلمين هم أكثر الضحايا عدداً، وهم أقل الضحايا إنصافاً عالمياً.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه