إدارة الدول بـ “الفهلوة”!

يتحدث الجنرال عن ترهل أجساد المصريين، وينسى ترهل الدولة، وترهل قراراتها، وترهل قياداتها، وترهل ديونها.

 

قال الجنرال عبد الفتاح السيسي، إن نتائج المسح الطبي لمبادرة 100 مليون صحة، تحمل مؤشرا كبيرا، إذ إن أصحاب الأوزان الطبيعية وما أقل؛ يقدرون بـ 25%، والباقي يعاني السمنة وزيادة الوزن ..
وقد اعتبر الجنرال نفسه طبيب سمنة ونحافة بعد أن قال من قبل أنه طبيب الفلاسفة ومعلم الحكماء، وباعتباره استشاري سمنة ونحافة متمرس وخبير، قال خلال افتتاحه بعض المشروعات التي لم تضف جديدا للشعب المصري حتى الآن: إن 25% من الشعب المصري طبيعي، والباقي فوق الوزن أو سمنة مفرطة ..
مستنكرا ذلك ومؤكدا لمعلومة ربما لا يعرفها سواه، وهي أن السمنة حسبما قال: تؤذي الناس وتصبح عبئا على القلب وأجهزة الجسم والمخ وقد يصاب المواطن – يا سبحان الله –  بجلطة!

استشاري سمنة ونحافة

هذا التصريح الذي قاله الجنرال سخر منه البعض لأنه يعتقد أن نسبة زيادة الوزن عند المصريين سببها الأكل وظروف الحياة المريحة التي يعيش الشعب المصري، وكأنه ” يعاير” شعبه بالأكل والشراب، ولا يعلم أن زيادة الوزن ليس لها علاقة كبيرة بالطعام بقدر ما لها علاقة كبيرة بكمية النشويات و الكربوهيدرات التي يقبل عليها المصريون من خلال الخبز والمكرونة، لتعويض النقص في الأطعمة البروتينية من اللحوم والدجاج والأسماك بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيش فيها المصريون منذ 30 يونيو وحتى الآن.
وهكذا يتحدث الجنرال عن ترهل أجساد المصريين، وينسى ترهل الدولة ، وترهل قراراتها، وترهل قياداتها، وترهل ديونها، ولكن بعد هذا التصريح فتح لجوقته من الوزراء والإعلاميين الحديث عن هذا الترهل، ولم ينس الوزراء والمسؤولون المشاركة ولو بتصريح أو قرار ..
كما فعل وزير التعليم بقراره جعل التربية الرياضية مادة تضاف إلى المجموع، ونسي أنه لا توجد ملاعب أو أفنية في المدارس لممارسة الرياضة، كما لا توجد مراكز شباب بها من الوسائل التي تساعد الناس على ممارسة الرياضة ، ولا شوارع خالية يمارسون فيها هواية ركوب الدراجات باهظة الثمن، ولا يمتلك أي منهم الوقت والرفاهية لممارسة أي نوع من الرياضة سوى الجري خلف سيارات الميكروباص وأتوبيسات النقل العام للذهاب والعودة من العمل .

” أورجانيك”

وكعادته ظل فخامته مستمرا في تصريحاته الغريبة عندما يسمع بعض المصطلحات الجديدة بالنسبة له؛ فيحاول جاهدا توظيفها في كلامه في جمل اعتراضية غريبة على الناس حيث قال مؤخرا أثناء افتتاحه لمشروع الصوب الزراعية : ” دائما يقول لك في السوبر ماركت الكبير أن هذا “أورجانيك”، يعنى الناس تأكل ” أورجانيك ” وباقي المصريين لا يأكلون ” أورجانيك” ولا إيه؟، من معه فلوس يأكل “أورجانيك والباقي ما يأكلوا ؟” ..
وكأنه اكتشف قانون النسبية؛ فقرر أن يقول وجدتها كما فعل ” اسحق نيوتن ” مع قانون الجاذبية وكانت نظريته هي الطعام ” الأورجانيك ” لكل الشعب! ..
كل هذا لمجرد افتتاحه بعض الصوب الزراعية ، وهو لا يعلم معنى خضار أو فاكهة ” أورجانيك”، ولا الفرق بينهما وبين الأغذية الأخرى ..
ولكن الرجل أعجبه المصطلح فاستخدمه؟! ، رغم أن معظم دول العالم المتقدمة لم ولن تستطيع تقديم غذاء ” أورجانيك” لشعوبها ، فنسبة هذه الأغذية ضئيلة جدا لأنها عبارة عن خضار وفاكهة تعتمد على الأسمدة العضوية، ولا تستخدم فيها الطرق الحديثة من تهجين وأسمدة كيماوية وغيرها .
ومن قبل كان الجنرال قد بشرنا أيضا بعد افتتاح المزرعة السمكية في بركة غليون أن منتجات الأسماك سوف تتوفر بأسعار زهيدة لكل المصريين!! ، ولكن مر على هذا الافتتاح أكثر من سنة ولم نر أدنى انخفاض في أسعار الأسماك، بل على العكس ارتفعت الأسعار حتى بات شراء الأسماك رفاهية بالنسبة لغالبية المصريين .

بركة غليون

وللتذكير ببركة ” غليون ” التي افتتاحها الجنرال، وهي كما قال تقع على مساحة 55 فدانا، وتباهى بأن معدل الحفر فيها يعادل 6 أهرامات، وحجم التسليح يعادل برج إيفل مرة ونصف، ولم ينس اللواء حمدي بدين الذى عُين، رئيسا لمجلس إدارة الشركة الوطنية للثروة السمكية والأحياء المائية أن يزف إلينا هو والجنرال البشرى منذ أكثر من عام عند افتتاح المزرعة السمكية أن الإنتاجية ستصل لـ 60 ألف طن، وتعمل على خفض واردات الأسماك بـ25%.. والحقيقة على أرض الواقع أن أسعار الأسماك لم تنخفض وحجم الواردات ظل كما هو .

الفهلوة

ولأن الموضوع عند الجنرال يُدار ” بالفهلوة ” بعدما أثارت تصريحاته مؤخرا عن عدم أهمية ” دراسة الجدوى” سخرية الاقتصاديين وصفحات التواصل الاجتماعي من كافة الاتجاهات، بعدما قال: ” وفق تقديري في مصر لو مشيت بدراسات الجدوى كنا سنحقق 20-25% فقط مما حققناه “.
والحقيقة أن الرجل لم يكذب فقد ظهر جليا للكافة أن جميع المشروعات التي أعلن عنها لم يتم وضع دراسة جدوى لها ولذلك بعضها فشل وبعضها تعثر، وأكبر مثال على ذلك ما وصفوه بـ ” قناة السويس الجديدة “..
فبعدما كانوا يروجون أنها ستجلب دخلا للبلاد يتجاوز الـ 100 مليون دولا؛ تمخض الجبل عن كونها مجرد وسيلة لرفع الروح المعنوية للشعب المصري، وفق تصريحات السيسي نفسه، وكأن إهدار مبلغ تجاوز الـ ـ 8 مليارات دولار في دولة تقترض من الشرق والغرب شيئ عادي في سبيل اللقطة وإشباع هواية الزعيم في افتتاح المشروعات الوهمية الفاشلة.
ومن ضمن ” الفهلوة ” إقامة مشروع مليون وحدة سكنية، والتي كانت بالتعاون مع شركة “ارابتك” الإمارتية بقيمة 280 مليار جنيه، وهذا المشروع ذهب أدراج الرياح لأنه لم يقم على دراسة جدوى بدوره.
وعدم دراسة الجدوى أدى لانهيار مشروع استصلاح 1.5 مليون فدان رغم أن الخبراء أكدوا أن المياه غير كافية، ولكن ماذا تفعل دراسة الجدوى مع وطن ضايع كما قال طبيب الفلاسفة؟
ومن ضمن ” الفهلوة ” تعويم الجنيه الذي أدى إلى انهيار سعره والتوسع الرهيب في الاقتراض من الخارج والتي تعد جريمة دولية يحاكم عليها القانون المحلى.
نعم.. لقد اتضح لكل ذي عينين أن الجنرال يرتب أولويات مشروعاته حسب اللقطة، ويحل أزمة الاقتصاد بجمع الفكة، ويحل أزمة الشباب بعربية خضار، ويحل أزمة الطاقة باللمبات الموفرة.
ولغياب دراسة الجدوى وصل حجم الديون الخارجية لأكثر من 100 مليار دولار، والديون الداخلية وصلت إلى 4 تريليونات جنيه ، مما سيتسبب في كوارث على المدى القريب والبعيد وفق خبراء الاقتصاد ، إذ قفزت فوائد الدين إلى 500 مليار جنيه في موازنة الدولة للعام الحالي .ز
وهذا يعنى أن نصف الموازنة سوف تذهب إلى سداد فوائد الدين وليس الدين نفسه ، وهو ما سوف يتحمله المواطن البسيط من دخله المتدني والذى يتناقص بفعل الغلاء المتصاعد.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه