إخوان (سايكس بيكو)!!

الحركة الإسلامية للأسف وفي القلب منها الإخوان تعمل – دون أن تدري – وفق هذه الاتفاقية والتقسيمة التي تخالف الشرع الإسلامي، والمصلحة السياسية والتاريخية للأمة العربية والإسلامية.

عصام تليمة*

كلنا يعلم اتفاقية (سايكس بيكو) المشؤومة التي فتت وحدة الأمة الإسلامية والعربية، وقامت بغرس بذور العصبية الضيقة، ورسم حدود على الأرض، وفي العقول والقلوب، تجعل الإنسان محصورا بها. ومن لم يعرف سايكس بيكو فعلى الأقل لمس آثارها جيدا، ورآها بعينه.
لماذا الحديث عنه الآن؟ لأن الحركة الإسلامية للأسف وفي القلب منها الإخوان تعمل – دون أن تدري – وفق هذه الاتفاقية والتقسيمة التي تخالف الشرع الإسلامي، والمصلحة السياسية والتاريخية للأمة العربية والإسلامية، فنرى التحزب والتمترس وراء القُطرية في العمل الإسلامي، فكل فصيل همه وحده قضية بلده، وكأنه بالظهور منفردا حريصا على أن يكون مصريا أو سوريا أو أي جنسية أخرى، لا يهمه ولا يعنيه إلا حدود بلده الضيق، كأن هذا سيزيد من تعاطف بني بلده معه، بل إننا أصبحنا نرى إسلاميين حريصين على (سايكس بيكو) أكثر ممن وضعوها، وهو كلام يخالف الشرع والواقع.
أما دعويا وشرعا، فالقرآن الكريم يقول: (إن هذه أمتكم أمة واحدة) الأنبياء: 92، ويقول: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان) النساء: 75، فقد جعل الله الدفاع عن المستضعفين في أي مكان جهادا في سبيله، ورسالة يقوم بها المسلم، وهو ما حرصت أدبيات جماعة الإخوان المسلمين عليه منذ نشأتها، فقد كان حسن البنا رجلا حكيما لا يسير وراء مخططات الآخرين ممن لا يتوقع منهم خيرا لهذه الأمة، ففي الوقت الذي يضع النظام الدولي خططه المحكمة لحصر كل صاحب فكرة في بلده، وطلع شعار: مصر للمصريين، وقال وقتها مصطفى النحاس باشا رئيس وزراء مصر عندما سئل عن موقفه من قضية فلسطين: أنا رئيس وزراء مصر، ولست رئيس وزراء فلسطين، فكتب البنا مهاجما هذا التوجه. وفي الوقت الذي حرص النظام العالمي على حصر المسلمين في القُطرية، خرج البنا بمشروعه بأننا نريد الفرد المسلم، والأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم، والحكومة المسلمة، وأستاذية العالم. وسعى من أول يوم لتكون جماعة الإخوان جماعة عالمية، فكان إنشاء أول شعبة للإخوان خارج مصر، كانت في دولة جيبوتي سنة 1932م، ثم توالى بعد ذلك الانطلاق إلى العالمية.
وأما الواقع فهو أن الثورة المضادة لم تعمل قُطريا، بل عملت محليا وإقليميا ودوليا، وكونت شبكتها، ولم تضع في حسبانها سايكس بيكو، ولا هذه الأوهام، وهو ما كان ينبغي على دول الربيع العربي فهمه مبكرا، إذ انتقل الربيع العربي وحده دوليا، وصار بالعدوى من دولة إلى دولة، فكان ينبغي أن يكون التنسيق والتحرك دوليا وموحدا، فهل يعقل أن دولة عربية لم يكن لها أي اهتمام من قبل سوى نقل البضائع والبترول، فجأة تتحول إلى مركز للتخطيط والإجهاز على الثورات العربية؟ ثم يتجمع في الخفاء والعلن كل أعداء الثورة، رغم أن جهد دولة واحدة من الدول الإقليمية مع دعم دولي محدود كفيل بنجاح الثورة المضادة، ومع ذلك أخذوا بأسباب العمل الجاد وكونوا تحالفا قويا محليا وإقليميا.
هل يستطيع أحد القول بأن ما حدث من انقلاب عسكري في مصر، لم تنتقل آثاره إلى كل دول الربيع العربي، وتأثر به كذلك الإسلاميون في كل دول العالم؟! لقد لقيت مؤخرا أحد الدعاة من دولة من الجمهوريات الإسلامية التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي السابق، فقال: لقد حوربنا بعد انقلاب مصر مباشرة، وهو ما تكرر من الكثير من أشخاص في دول متعددة عربية وغير عربية، بينما يعمل للأسف الآن كل دولة تقاوم الثورة المضادة فيها منفردة، وكأنها تستطيع وحدها منفردة إنهاءه، ولن تنجح دولة من دول الربيع العربي تعاني من الثورة المضادة إذا عملت وحدها، بل عليها الاستفادة من الجميع، من حيث المعلومات، والخبرات، والجهود، كل بما لديه من خبرة ليست عند الآخر، والمأمول أن يقوم بهذا الدور في الإخوان، الكيان المسمى: بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.
وهو ما يطرح سؤالا جادا لا هزل فيه، إذا كان الإخوان لديها ما يسمى بالتنظيم الدولي، فكيف يستقيم وجود هذا الفكر في الأفكار والإدارة لدى هذه الحركة مع وجوده؟! وهل لهذا التنظيم الدولي وجود حقيقي أم أنه حلم لم يتحقق بعد، كحلم أستاذية العالم، وهل لوجوده ولو مجرد اسم مصلحة؟ وهل له دور يقوم به وفق منهج وخطة مدروسة؟!
 نتمنى ذلك، وهو ما يحتاج لحديث آخر عنه.

________________________

* من علماء الأزهر 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه