إثيوبيا في خريفها السياسي الغاضب

 

تبدو إثيوبيا من خلال صورة رئيس وزرائها أبي أحمد دولة مستقرة ومتماسكة بشكل رائع، لكنها في حقيقة الأمر تعاني من تصدعات عميقة، وتغلي بالداخل، مثل بركات قابل للانفجار في أي وقتٍ .

 وبالرغم من أن الغرب حرص على الاعتناء بإثيوبيا من خلال الدعم المتواصل وتدفق الاستثمارات، لتكون بمثابة دولة نموذجية في أفريقيا، لكن هشاشة الأوضاع الاقتصادية داخلها عموماً، وتعقيدات الحكم الفدرالي، والصراع السياسي الذي بدا يتخذ طابعاً عرقيا، جعل من الرعاية الغربية أشبه بطلاء الجدران القديمة، هذا إن لم تكن المباني نفسها مهددة بالسقوط .

ما وراء حزب الازدهار

مطلع هذا الأسبوع أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، تأسيس حزب الازدهار، وذلك على أنقاض (الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي) أو ما يعرف بالائتلاف الحاكم، تمهيداً للانتخابات المعلنة في آيار / مايو 2020 ويضم الحزب الجديد ثمانية مكونات رئيسية، بينما اعترضت جبهة تحرير شعب تغراي، أحد مؤسسي ذات الائتلاف منذ ١٩٩١على هذه الخطوة، واعتبرت أن الحزب الجديد ليس له حق وراثة سُلطة الائتلاف الحاكم وممتلكاته، ما يعني الانتقال من الرفض القانوني إلى المواجهات السياسية لاحقاً، لا سيما وأن الحزب الجديد ورث الحكم تلقائياً من دون استحقاق انتخابي، كما يبدو.

اعتراضات الرجل القوي

وبالتالي فإن حزب الازدهار خلط الأوراق بشكل مفاجئ، من دون أن يجيب عن الأسئلة المهمة، فهل هو انقلاب على الائتلاف الحاكم، أم أنه انتقال طبيعي في خضم تطور العملية السياسية؟ خصوصاً وأن ثمة اختلافات في بعض المفاهيم والتوجهات بين الائتلاف والحزب الجديد .

أما الصفعة الخطيرة للحزب الجديد، فقد وجهها وزير الدفاع الإثيوبي ليما ميغيرسا، الذي يزور أمريكا هذه الأيام، لخطة دمج الائتلاف الحاكم في حزب واحد، وقد اعترض ميغريسا الرجل القوى حالياً في إثيوبيا، على استعجال الخطوة، التي اعتبرها فلسفة “ميديمر” وتعني التآزر بالامهرية، التي ينتهجها أبي أحمد وتهدف إلى توحيد البلاد، حيث تؤذن تلك التصريحات الجريئة غالباً بانفجار الخلافات المكتومة، بين أبي أحمد ووزير دفاعه، بشكل سيهدد مستقبل الشراكة بينهما، خصوصاً وأنهما ينتميان إلى  عرقية واحدة، هي الأورومو.

ميلاد سيداما

عطفاً على ذلك فقد شهدت إثيوبيا انفصال قومية سيداما، بعد استفتاء الأيام الماضية، انتهى إلى نتيجة ميلاد الإقليم العاشر في البلاد، بشكل  يفاقم تحديات السلطة المركزية، وربما يفتت البلاد أيضاً إلى مقاطعات عرقية ويغري بانقسامات جديدة، تنشب على أثرها أيضاً حركات سياسية، وبالضرورة مطالب بإعادة اقتسام الثروة والسُلطة، الأمر الذي يهدد كذلك محاولات أبي أحمد توحيد البلاد وفقاً لتصوراته، وطموحاته الشخصية في زعامة أفريقيا .  

الدولة نفسها، المثقلة بالجراح والأزمات شهدت خلال هذا العام محاولة انقلابية عسكرية فاشلة، قُتل على إثرها رئيس أركان الجيش، الجنرال سيرى مكونن، بسلاح حارسه الشخصي، وانتشرت الشرطة  الفدرالية بكثافة في الشوارع، كما اجتاحت إثيوبيا بعدها موجة احتجاجات دامية ضد السُلطة الحاكمة، سرعان ما تحولت إلى اشتباكات عرقية خلفت نحو 67 قتيلًا في ولاية أوروميا والعاصمة أديس أبابا الشهر الماضي.

معركة جوهر محمد

وفي الحال ظهر منافس جديد لرئيس الوزراء أبي أحمد، هو جوهر محمد الشاب الطموح الذي يحمل الجنسية الأمريكية، متهماً قوات الأمن بالتآمر عليه واستهداف حياته،  ما جعل أنصاره يتظاهرون في العاصمة أديس أبابا وبعض الأقاليم المجاورة، عطفاً على أن جوهر المعارض الأبرز حاليًا لسياسات أبي أحمد، وينتمي إلى عرقية الأورومو نفسها، كان صديقاً لأبي أحمد وأبرز الداعمين له قبل سنوات قليلة، لكنه انقلب عليه أخيراً إلى حد تبادل الاتهامات بينهما، واعتبره يمضي في طريق الحكم الاستبدادي، فبدأ جوهر يجتذب آلاف الأنصار حوله، وقد أسهمت حصيلته المعرفية وعمله التطوعي وجولاته الخارجية المتعددة في اجتراح مسار له، وفهم أفضل لتعقيدات بلاده، وكيف أن الوضع المقلق لإثيوبيا في كثير من الأحيان بحاجة إلى رؤية خاصة عكف عليها بالفعل، إلى جانب أهمية صعود قائد أخر مع أبي أحمد يحافظ على تباين الأراء وضبط الايقاع السياسي، أو ينتزع القيادة عبر الانتخابات، في دولة صاعدة تتسارع فيها معدلات النمو والتحديات معًا .

خطوة للوراء وأخرى للخلف

حاول جوهر كذلك من خلال نشاطه الكثيف لفت انتباه العالم إلى القمع الذي يمارس بالداخل، إلى جانب التأثير في الحريات الإعلامية والسياسية، ونشوب الاضطرابات بين حين وآخر، ما بين الصراع السياسي، إلى ارتفاع الأصوات المطالبة بتعزيز الفدرالية العرقية.

 ومن شأن هذه الانقسامات أن تضعف قبضة رئيس الوزراء الحالي، الذي عمل بمجرد صعوده للرئاسة بدأب إلى الاصلاح الاقتصادي واطلاق سراح السجناء ودعوة المعارضين بالخارج إلى العودة، والسماح لوسائل الإعلام بنقل الأحداث بحرية أكبر، عطفًا على تمكين المرأة من نصف مقاعد الحكومة، وتحقيق السلام مع إرتريا .

وكما يبدو فإن الخلافات بين أبي أحمد وجوهر من جهة، ووزير الدفاع ليما ميغيرسا من جهة ثانية سوف تفتح المشهد الإثيوبي على حالة من الصراع الدامي والاستقطاب الجماهيري، بشكل يهدد بتشويه صورة أبي أحمد الحاصل على جائزة نوبل للسلام هذا العام، حيث ارتدى أبي أحمد بالفعل رداء البطل القومي، وقدم نفسه مخلصاً لبلاده من عذاباتها التاريخية .

طريق النور

تحديات الحكم في إثيوبيا تتفاقم شيئاً فشيئاً، بسبب الصراع على السُلطة، وبروز تطلعات القادة المحليين، وشيوع خطاب الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب تفاوت معدلات التنمية بين الأقاليم المختلفة، ومحاولة التغراي، الذين يشكلون نحو 6% من السكان إستعادة نفوذهم المفقود، بعد أن قضى أبي أحمد على هيمنتهم التاريخية على الائتلاف الحاكم، وهى مؤشرات كلها تعزز مخاوف الإثيوبيين بعودة الحرب، أو على الأقل إفراز سيناريوهات غامضة، إلى حد مروع بالأحرى، إن لم تتنازل النخبة السياسية والاجتماعية بشكل جاد عن مطامعها وتعود إلى طريق النور والحكمة .

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه