أي دور للجزائر في الأزمة الليبية!

موقف الجزائر من الأزمة الليبية يشوبه شيء من الضبابية التي تخفي تناقضا بين الخطاب والممارسة، فهي ما انفكت تدعو إلى الحل السياسي لكنها في الواقع تقف إلى جانب “جماعة طبرق”

نصرالدين قاسم*

رغم أن الحوار بين أطراف الأزمة الليبية يجري في مدينة الصخيرات المغربية منذ أكثر من شهر، تحت رعاية الأمم المتحدة، وقطع أشواطا كبيرة باتجاه الانفراج، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، إلا أن وسائل الاعلام الجزائرية وكثيراً من المختصين والمحللين وحتى السياسيين، ما زالوا يتحدثون عن دور الجزائر في حل الأزمة الليبية وقدرتها على النجاح في ذلك كما نجحت في حل الأزمة المالية..
إن الخطاب السياسي الانتصاري، والهالة الإعلامية الكبيرة التي حظي بها اتفاق الوساطة الجزائرية في الأزمة المالية، يلقيان بظلالهما على حقيقة التحرك السياسي للجمع بين الإخوة الأعداء في ليبيا لحل الأزمة الليبية، ويغطيان على المخاطر المتوقعة من استمرار التدهور الأمني في ليبيا وتهديده للأمن في المنطقة برمتها..ذلك لأن الأزمة الليبية أعقد وأخطر بكثير مما يتصوره الكثير من المحللين والسياسيين المتفائلين بالدور الجزائري في حل هذه الأزمة..
يعلم الاستراتيجيون والعسكريون في الجزائر علم اليقين أن الجزائر كانت ولا تزال مطالبة بأداء دور فعال وواقعي لوقف الاقتتال في ليبيا، والسعي الحثيث لحل الأزمة حلا سياسيا سلميا، ليس لتأكيد نجاح ديبلوماسيتها، أو استعراض قدراتها الاقليمية وسطوتها في المنطقة، إنما لأن الأزمة على حدودها وتشكل تهديداً لأمنها كما تشكل تهديداً للأمن في المنطقة، واستمرارها يفتح الباب واسعا لاحتمالات تدخل عسكري يلهب المنطقة ويفتحها على أسوأ الاحتمالات.. ولم يكن للمسعى الجزائري أن يكتب له النجاح طالما ظلت ديبلوماسيتها تتعامل مع “الحوار” وفقا لموقفها السياسي من الأزمة، من جهة، واتسام دورها مرة أخرى بالتسرع والارتجال كما حدث في “اتفاق” الأزمة المالية، التي تبين في الأخير أن أمريكا “أحد الأطراف المشاركة في الحوار”، وحركة الأزواد ( أهم فصيل من فصائل النزاع) رفضتا التوقيع عليه..
موقف الجزائر من الأزمة الليبية يشوبه شيء من الضبابية التي تخفي تناقضا بين الخطاب والممارسة، فهي ما انفكت تدعو إلى الحل السياسي للأزمة، وترفض الحل بالحرب والتدخل الأجنبي، وتؤكد أنها تقف على نفس المسافة من الفرقاء!، لكنها في الواقع تقف إلى جانب “جماعة طبرق”، وتتعامل معها على أنها هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي، ولا تعترف سوى بحكومة الثني وبرلمانها المحل.. وهو المنحى نفسه الذي تبناه الاعلام الرسمي وكثير من وسائل الاعلام الخاصة، فقد أوحي إلى هؤلاء أن حكومة طبرق هي الشرعية وما دونها إرهابيون..
لقد تجلى اعتراف الجزائر بـ “حكومة طبرق” وانحيازها إليها رسميا من خلال دعوة رئيس المجلس الشعبي الوطني “نظيره رئيس مجلس النواب الليبي”، عقيلة صالح لزيارة الجزائر أواخر أكتوبر من العام الماضي، واستقباله من طرف رئيس الحكومة الجزائرية.. مقابل تجاهل تام لـ “حكومة طرابلس”.. كما أن إعلان السياسيين الجزائريين الرسميين، في أكثر من مرة، التنسيق مع مصر لحل الأزمة الليبية وتأكيدهم على تطابق وجهات نظر البلدين حول الموضوع أضفى مزيداً من الغموض، وطرح علامات استفهام أخرى أدخلت الشك في نفوس الكثير من الفاعلين في الأزمة الليبية حول حقيقة الموقف الجزائري..
توجسات بعض الأطراف الليبية لها ما يبررها، فكيف للجزائر التي تصرح وتعلن رفضها التدخل العسكري الأجنبي، وتنادي بالحل السياسي، تعلن تنسيقها وتؤكد تطابق مواقفها مع مصر المتحالفة مع قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والمطالِبة رسميا بالتدخل العسكري الدولي في ليبيا لمكافحة ما تسميه الإرهاب، وهي واضحة في ذلك أي محاربة حكومة طرابلس وكل من يناصرها على اعتبار أن هؤلاء إرهابيون مثلهم مثل تنظيم الدولة المزعوم..! بل أكثر من ذلك تدخلت مصر عسكريا في ليبيا عقب اغتيال مجموعة من العمال المصريين هناك، وشنت غارات راح ضحيتها مدنيون منهم أطفال، اعتداء من المفروض أن ترفضه الجزائر وتدينه لكنها لم تفعل ولم تشر إليه لا تصريحا ولا تلميحا..
هذا التناقض الظاهر بين الخطاب الديبلوماسي والممارسة السياسية، هو الذي حجم الدور الجزائري في حل الأزمة في ليبيا، أزمة من المفروض أن تكون فيها “الساعي” الأساسي للحل السياسي السلمي حتى لا تفلت الأوضاع وتصل إلى نقطة اللاعودة، ورهن دورها كوسيط محايد مقبول من لدن كافة الأطراف.. فالجزائر التي سارعت إلى دعوة الفرقاء الليبيين إلى الحوار عن طريق وزير خارجيتها رمضان لعمامرة شهر سبتمبر من العام الماضي، عندما أكد من نيويورك أن الجزائر تقترح على “الإخوة الليبيين أن ينطلق الحوار في أكتوبر”، والتي تعد الطرف الوحيد الذي يتواصل مع كل الفرقاء، بحيث استقبلت أكثر من مائتي شخصية ليبية (حسب تصريح الوزير المكلف بالشؤون المغاربية)، سرعان ما نكثت غزلها، فانفض من حولها الليبيون والرعاية الأممية وانصرفوا إلى الصخيرات المغربية، ولم تحتضن الجزائر سوى اجتماعا شكليا لممثلي الأحزاب السياسية الليبية، مثلها مثل مصر رافعة لواء الحرب والتدخل العسكري، التي احتضنت اجتماعا لممثلي القبائل..
الجزائر اليوم غائبة “ميدانيا” و”عمليا” عن أخطر أزمة في دولة تلامس حدودها مسافات طويلة تمتد إلى ما يقارب الألف كيلومتر، أزمة تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات. حقيقة أن الخطر الذي يهدد الأمن والسلم في ليبيا، ويرهن مستقبلها ويهدد بإفشال المفاوضات وتقويض إمكانيات الحل السياسي، يتمركز في الضفة الشرقية مدعوما بمصر التي تراهن على الحسم العسكري لاستكمال الانقلاب على الثورة في ليبيا، فلا شيء يمنع من انتقال الخطر إلى أي مكان في المنطقة لما يتمتع به اللواء المتقاعد خليفة حفتر من قوة جوية ودعم بالعدة والعتاد تقدمه له مصر والإمارات.. مما يوحي بأن  التطورات على الأرض تسير باتجاه تقويض فرص الحل السياسي وتفضيل التدخل العسكري، وتقديمه كخيار لا مناص منه، ووضع المنطقة على كف عفريت بحجة محاربة ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية الذي تحول إلى فزاعة وشماعة تقدم ذريعة صالحة في كل مكان وزمان لتبرير مخططات أعدت في مخابر المخابرات الغربية لإعادة تشكيل المنطقة في غفلة وعجز من أصحابها أو جهل منهم

_______________

*كاتب جزائري

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه