أيها المُفَرِّطون: بأي نصرٍ تحتفلون؟!

كيف أتفهم أن الأرض التي انتزعها العدو منا وحاربنا لأجل تحريرها، صرنا نجتهد ونختصم معا لنسلمها بأنفسنا الآن؟ كيف أتفهم أن يحتفل الجندي بنصر رمضان وهو يستعد للتفريط في تيران؟

(1)

ليس مثيراً أن يلتقي الخامس من يونيو مع العاشر من رمضان، المثير حقا أن يلتقي الخامس من يونيو مع السادس من أكتوبر، والمفاجأة أن ذلك حدث منذ سنوات طويلة، عندما تحول النصر العسكري “المنقوص” إلى هزيمة سياسية كاملة وشاملة، والمؤسف أن “هزيمة النصر” لم تتوقف عند تنازلات “كامب ديفيد”، لأن قطار الخيبات يواصل مسيرته بسرعة تصاعدية نحو الهاوية، ولعلكم تعرفون أن المحطة المقبلة على طريق الهزيمة، لا تحمل هذه المرة اسم “نكبة” ولا “نكسة” ولا “اتفاقية” بل تسمى “صفقة القرن”.

(2)

أشعر أحيانا بالخجل، عندما أتذكر أنني واحد من الساخرين الذين استكثروا على اللاعب مجدي عبد الغني التغني بأمجاد الهدف اليتيم الذي سجله من ضربة جزاء أمام هولندا في مباريات كأس العالم 1990، فكلنا الآن مثل “عبد الغني” نبالغ في الاحتفال بنصر يتيم، ربما تحقق هو أيضا بضربة جزاء بعد أن نزلت عدالة السماء على جبهة سيناء، بل أنني أسخر من نفسي أحيانا وأقول: لقد صارت النكسة حلما لن ينال القادة الآن شرفه، فالهزيمة تعني أنك في الملعب، تعني أنط طرفا، لكننا منذ هدف مجدي عبد الغني لم نشارك في البطولة.. منذ (يونيو/ رمضان) لم نعد نلعب، بل نتمرن في ملعب الخصم، بعد أن صار صديقا وشريكا في الحرب ضد “إخواننا الإرهابيين”!!!

(3)

لا أحب اللغة المتشائمة، لكنني لا أهرب منها عندما تكون هي الطريق الوحيد إلى التحرر من خداع الذات، فأنا وبكل صراحة صادمة، لا أرى أي مبرر للاحتفال بنصر على عدو صار العرب جميعا يتقاتلون من أجل إرضائه، ومن أجل تحقيق مصلحته، ومن أجل الدخول معه بلا شروط في أحضان السلام الدافئ، لذلك فإن “5 يونيو” هي الأصدق، وهي الأقرب لواقعنا، وهي الأنسب للأمل الذي يتطلع إليه حكامنا، فنحن نعيش “العصر الإسرائيلي” بانسحاق مازوخي يلبي شبق نتنياهو وسادية ليبرمان، وكأن حكامنا يناجون الأشرس المتغطرس بتضرع ذليل: عزة جمالك فين من غير ذليل يهواك؟/ وتجيب خضوعي منين ولوعتي في هواك؟!

(4)

في الرابع من يونيو 1967 كنا نحلم بتحرير فلسطين، وكنا نتحدث عن سقوط تل أبيب، أما الآن فإننا نأمل أن ينجح الراعي الأمريكي في إقناع “الصديق الصهيوني” بإعادتنا مشكورا إلى حدود الرابع من يونيو، مع تعهدنا بالتوقف التام عن أحلام التحرير، وأمنيتنا أن تقبل “يا صديقنا العاقل” بمطلبنا المُلِّح أن تبقى “تل أبيب” عاصمة لدولتك الديموقراطية المتقدمة.. المحبة للسلام.. المعادية للإرهاب العربي والإيراني، ورجاؤنا وتوسلاتنا ألا تصمم “يا شريكنا الاستراتيجي” على إعلان “القدس الموحدة” عاصمة لإسرائيل.. تعطف علينا يا سيدنا بنصف القدس، لنستر عوراتنا أمام شعوبنا المتخلفة التي لاتزال تتمسك (وجدانياً ودينيا لا سياسياً) بأولى القبلتين…

(5)

إنه لمن العبث أن يتلقى حاكم يفرط في أرض بلاده، التهنئة بمناسبة تحرير الأرض في العاشر من رمضان، وما تلاها من اتفاقيات لفض الاشتباك و(فض القضية كلها)، إن صمويل بيكيت يعجز عن كتابة مثل هذا الموقف “ما بعد العبثي”.

 (6)

قد أتفهم أن يحتفل لاعب أو جمهور بإحراز هدف في مباراة، حتى لو كانت النتيجة (7/1)، فالأمل موجود طالما المباراة في الملعب، لكن كيف أتفهم إقامة احتفال سنوي بهدف يتيم في مباراة انتهت بنتيجة ساحقة لصالح فريق نجح في تحويل فريقنا، من خصم إلى شريك، بل وجعلنا نحرز الأهداف في مرمانا لحسابه؟!… كيف أتفهم أن الأرض التي انتزعها العدو منا في يونيو، وحاربنا لأجل تحريرها في رمضان، صرنا نجتهد ونختصم معا لنسلمها بأنفسنا الآن؟.. كيف أتفهم أن يحتفل الجندي بنصر رمضان وهو يستعد للتفريط في تيران؟

(7)

لا أحب الشكوى ولا التباكي، لكن كثرة الأحزان تغلب الشجعان، وتعلم البكاء، فلا بأس يا أحباء من دمعة أسى، لا أملك أصدق منها في مواجهة كل ذلك الكذب والزيف والبهتان.. كل ذلك الخذلان والتفريط والهوان.

ويا أيها الشهداء لا تحزنوا.. فالله غالب على أمره، ولكن حكام الخيانة لا يعلمون.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه