أين وقف المشايخ والعلماء من دعوات الفنّان محمّد علي للثّورة؟

 

ما إن بدأت دعوات الفنّان المصري للنّاس بالنّزول إلى الشّارع حتّى بدأت الأعين تتلفّت يمنةً ويسرةً لترى العلماء والدّعاة أين يقفون من هذه الدّعوات، ويصيخون السّمع عسى أن يصلهم بيانٌ شرعيّ من هنا أو هناك.

  • السلفيّة البرهاميّة والموقف الاستباقيّ

واستباقًا للتّحرّك الأوّل الذي شهدته مصر يوم الجمعة 20/9/2019م بعد سنوات عجاف عمل فيها السيسي ونظامه على تجفيف منابع الثّورة وقتل أيّ أمل بالحياة من جديد؛ أصدرَ الشّيخ ياسر برهامي مقاله قبل يومين تحت عنوان “لَمْ ولَن نكونَ دُعَاةَ هَدم” يحذّر فيه من دعوات الفنّان محمّد علي للتّظاهر، ويؤكّد على حرمة هذه الدّعوات واصفًا إيّاها بأنّها أفسد من فساد النّظام المُدَّعى فيقول: “لن نكون دُعَاةَ هدمٍ كما لم نكن قبل ذلك، لن نسعى إلى مقاومة فساد مُدَّعَىً أو موجود بالفعل بأفسد منه”

ويقول واصفًا دعوات الفنان محمّد علي لمواجهة استبداد نظام السيسي بالشّهوات والشّبهات والفسوق: “حافِظوا على بلادكم وأوطانكم بطاعة الله، وعَمِّروها باتباع سُنَّةِ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وتَجَنَّبوا الشبهات والشهوات المُحَرَّمة، وامتَثِلُوا أمرَ الله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)”.

وهذا المقال الاستباقيّ جاء منسجمًا مع تحرُّك استباقيّ لأيّ مظاهرات قام به حزب النور، وفي إطار هذا التّحرُّك كانت المشاركة في مؤتمر الشباب الذي بادر السيسي لعقده في محاولة لمواجهة دعوات الفنّان محمّد علي ورسائله الموجعة، وقد شارك في جلسات المؤتمر كلّ من الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور، والمهندس مصعب أمين؛ أمين الشباب في حزب النّور.

ومع دبيبِ الرّوحِ في أوصال الثّورة من جديد، وانطلاق المظاهرات ليلَ الجمعة، وانبعاث الأمل من جدث اليأس الذي يحاول الطّغيان دفنه فيه؛ سارع حزب النّور إلى إصدار بيان رافض لهذه المظاهرات جاء فيه:

“يرفض حزب النور الدعوات المغرضة ويؤكد حرصه على الحفاظ على الوطن آمنا مستقرا، وضرورة الاجتماع على ما يحافظ على سلامته، وقد كفل الدستور الذي هو العقد الاجتماعي بين أفراد الأمة طريق التعبير عن الرأي، وكذلك حدد طريقة محاربة الفساد، ومحاولة تجاوز ذلك هو هدم للدولة ومؤسساتها مما يعرض مصالح الوطن لأخطار جسيمة والحزب يرفضها بكل قوة”

كما وصف الدّعوات للتّظاهر بأنّها دعوات مغرضة يجب رفضها وزيادة وعي الجماهير بمخاطرها!

  • حضورُ العلماء أفرادًا وغياب المؤسسات

لا يستطيعُ أحدٌ إنكارَ أنَّ ما تمرّ به مصر ليس لحظةً عابرة بل هو مفصلٌ تاريخيّ سيكون له أثر كبيرٌ على حاضر مصر ومستقبلها.

وهذا المفصلُ التّاريخيّ شهدَ حضورًا للعلماء والدّعاة لا سيما المصريين منهم بمختلف أطيافهم وفي مقدمتهم المنتمون إلى الإخوان المسلمين فكرًا أو تنظيمًا أو المنتمون إلى الجماعة الإسلاميّة السلفيّة أو السّلفيّة الحركيّة عمومًا.

حيثُ شهدت حسابات ومعرّفات العديدين منهم على وسائل التّواصل الاجتماعيّ تفاعلًا كبيرًا مع دعوات الفنّان محمّد علي وردودًا على برهامي وجماعته من حزب النّور.

غير أنّ الملاحظ هو غياب تامّ للمواقف من المؤسسات العلمائيّة الكبرى التي تهتمّ بما يجري في مصر من أحداث أو تلك التي تهتمّ بقضايا الأمّة عمومًا وتتفاعل مع ثورات الشّعوب لا سيما الثّورة المصريّة.

وهنا أعني بالتّحديد الأزهر والاتحاد العالميّ لعلماء المسلمين ورابطة علماء المسلمين ورابطة علماء أهل السّنّة.

ولئن كان صمت الأزهر مفهومًا كونه يخضع للقبضة الأمنيّة؛ فإنَّ صمت مؤسسات العلماء يعبّر عن طبيعة هذه المؤسسات التي تنتهجُ التريّثَ ممّا يؤدي بها إلى غياب مرونة العلماء وسرعة تفاعلهم مع المواقف والمستجدّات السياسيّة.

إنَّ التريّث لفهم ما يجري مطلوب ومبرّر، وإنَّ عدم الرّغبة في الدّخول فيما يمكن أن يكون صراع أجنحة داخل النّظام المصريّ أيضًا مفهوم ومبرّر.

ولكنّ غير المبرّر هو عدم التّفاعل مع لحظةٍ تاريخيّةٍ يمكن أن تحوّل وجه مصر ووجهتها، وعدم استثمار الرّوح التي بدأت تسري في جسد الثّورة بعد أن حسب الكثيرون أنّها قضت إلى غير رجعةٍ على يد السيسي ونظامه.

  • لماذا ينبغي على مؤسسات العلماء دعمَ مظاهرات الجمعة القادمة؟

تتعالى الدّعوات لمظاهرات في مصر يوم الجمعة القادمة بعد دعوة الفنّان محمّد علي إلى مظاهرات مليونيّة في القاهرة وأنحاء مصر ضدّ السيسي.

وأرى أنَّه من الضّروريّ أن تصدر مؤسسات الاتحاد العالميّ لعلماء المسلمين ورابطة علماء المسلمين ورابطة علماء أهل السّنّة بياناتٍ داعمةٍ لهذه المظاهرات وتوجّه الدّعوات للمشاركة فيها.

ولئن قيل: وهل تريدُ من مؤسسات العلماء أن تصدر بيانات تؤيّد فيها هذا الفنّان؟! أو تدخل في صراع داخل بنية النّظام لا ناقة لها فيه ولا جمل؟!

إنَّ المطلوب هو إصدار بيانات متوازنة واضحة صريحة تؤيّد الحراك الشّعبيّ والمظاهرات الجماهيريّة التي خرجت وتدعم استمرار خروجها في مواجهة هذا الظلم المستفحل والاستبداد الإجراميّ لنظام السّيسي.

المطلوب هو محاولة ترشيد الحراك الجماهيريّ كي لا يكون مستغَلًّا من أطراف مختلفة بعضها من داخل النّظام وبعضها إقليميّ لا يريد بالشّعوب خيرًا.

المطلوب هو عدم ترك السّاحة للخطاب الذي يُلبِسُ خدمة الاستبداد ثوب الشّريعة، ويحرّم التّظاهر ضدّ السيسي مستدلًّا بقال الله تعالى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم.

المطلوب هو أن ينظر الشّباب الذين يعدُّون العلماء ممثّلين للإسلام حولهم فيجدون هؤلاء العلماء والدّعاة معهم في تحرّكهم في وجه الظّلم؛ فإنَّ غياب مواقف العلماء والدّعاة لا سيما مؤسساتهم الكبرى تنظرُ إليه شرائح من الشّباب على أنّه غيابٌ للإسلام.

المطلوب أن لا يغيب العلماء والدّعاة عن وقائع يتوجّب عليهم فيها تبيين الواجب والحقّ متجنّبين الاندفاع غير المحسوب من جهة ومجتنبين أيضًا الغياب تحت وطأة حساباتٍ سياسيّة خاصّة أو نتيجة تردُّد لا يليقُ بالعلماء حين تنزل النّوازل.

 

 

 

 

 

 

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه