أين تتدخر “تحويشة العمر”؟!

فأي مجال لاستثمار الأموال يجب أن يتخطى معدل العائد منه ، معدل التضخم أي معدل الزيادات بأسعار السلع والخدمات.

سؤال يتكرر كثيرا بمواقع التواصل الاجتماعي وبجلسات الأصدقاء ، معي مبلغ من المال وهو ما يمثل تحويشة العمر ، أريد النصيحة بشأن المجال المناسب لاستثماره، إذ يسعى هؤلاء للحفاظ على قيمة أموالهم التي تتآكل بفعل الزيادات المتتالية بالأسعار ، قبل أن يفكرون بالحصول على عائد منها .

فأي مجال لاستثمار الأموال يجب أن يتخطى معدل العائد منه، ويتخطى أيضا معدل التضخم أي معدل الزيادات بأسعار السلع والخدمات. فإذا كان معدل التضخم – والذى يعنى في نفس الوقت معدل تآكل قيمة النقود-  يساوى 30 % ، فإن تحقيق عائد من استثمار الأموال يبلغ 30 % يعنى الحفاظ فقط على قيمة الأموال ، وبالتالي فإن الحصول على عائد 40 % يعنى كسب نسبة 10 % فقط .

ولأن كثيرين لا يعترفون  بنسبة التضخم الحكومية ، وهم يعانون من ارتفاع أسعار كثير من السلع للضعف أو أكثر ، فلهذا يعتبرون نسبة التضخم الحقيقية 100% ، ويرغبون بتحقيق عائد لاستثمار أموالهم يزيد عن نسبة 100% ، حتى يحققوا عائدا على استثماراتهم .

وخلال سعي هؤلاء للبحث عن مجال للاستثمار ، فإنهم يحتاطون كثيرا حتى لا يخسروا جانبا منها ، وبالتالي لا يقبلون بعض مجالات الاستثمار التي بها مخاطرة كبيرة مثل: البورصة والمضاربة بالعملات الأجنبية، ولأن القاعدة تقول إن فرص الربح الأعلى تتحقق مع قبول مخاطر أعلى،  فإن كثيرين ممن لا يريدون أي قدر من المخاطر يتجهون بما لديهم لأقرب فرع بنك، باعتباره مضمونا وليس به أي مخاطرة رغم عائده المتدني بالقياس لنسبة التضخم السائدة .

وهكذا نحن أمام ثماني مجالات للاستثمار ، أولها المصارف : وهنا تتنوع الأوعية الادخارية وأعلاها عائدا شهادات الإيداع التي تتطلب الاحتفاظ بالأموال بالبنك لفترة أطول ، وبالحالة المصرية فإن أعلى فائدة حالية تبلغ 20 % لشهادات إيداع مدتها عام ونصف العام .

  البورصة أرباح عالية وخسائر محتملة         

لكن تلك الفائدة رغم ارتفاعها أقل من معدل التضخم الذى تخطى الـ30%، وبالتالي فهم حتى بعد حصولهم على تلك الفائدة المرتفعة يخسرون جانبا من القيمة الشرائية لأموالهم ، ولهذا يتجه البعض خاصة الشباب للبورصة كمجال لاستثمار أموالهم ، والتي يمكن من خلالها تحقيق أرباح قد تصل لـ100% وأكثر، لكنهم في نفس الوقت يمكن أن يخسروا جانبا من أموالهم ، أي أنه استثمار به مخاطر عالية .

ولأن التعامل بالبورصة يحتاج لخبرة مالية ووقت للمتابعة وملاءة مالية وسرعة في اتخاذ قرارات البيع والشراء ، وهو مالا يتوفر للغالبية ، فقد نشأت صناديق الاستثمار لتقوم بالاستثمار بالبورصة لحساب قليلي الخبرة ، مقابل نسبة يتقاضاها مديرو تلك الصناديق .

 وربح الصناديق مرهون بربح الأسهم المقيدة بالبورصة ، فإذا كانت البورصة تتجه للهبوط فسوف ينعكس ذلك على أداء الصناديق ، ولهذا ظهرت صناديق الاستثمار النقدية التي تستثمر بالودائع المصرفية والسندات ، لكن عوائدها عادة أقل من معدل التضخم .

ويتجه البعض للمضاربة بالعملات الأجنبية ، وهو ما يحتاج خبرة فنية عميقة مع مخاطرة العالية في سوق دائمة التقلب ، ويكتفى البعض بتحويل أموالهم للدولار ، لكن الاعتماد على تحقيق طفرات في القيمة ، مثلما حدث في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أمر غير متكرر خلال فترات زمنية قصيرة. 

 الذهب يخسر  منذ سنوات

ويلجأ البعض خاصة ربات البيوت للاستثمار بالذهب ، بشرائه ثم بيعه بعد سنوات وتحقيق عائد من خلال فارق السعر ، لكن الذهب سلعة دولية ترتبط أسعارها بالتغيرات الاقتصادية الدولية ، ولهذا نجد أسعار الذهب بالسنوات الأخيرة قد زادت من 1569 دولار للأونصة عام 2011 ، إلى 1669.5 دولارا في العام التالي  .

 لكنه انخفض في عام 2013 إلى 1411.5 دولار ، ثم استمر بالانخفاض إلى 1266 بالعام التالي واستمر في التراجع إلى 1161 عام 2015 ، ثم تحسن السعر إلى 1249 دولار بالعام الماضي ، وهكذا فإن من اشتروه قبل خمس سنوات واحتفظوا به قد خسروا .

ويتجه البعض للشراكة مع آخرين في مشروعات متنوعة مثل تربية الأغنام والماشية أو المحال التجارية وغيرها ، لكن ظروف الركود وصعوبات التسويق وارتفاع أسعار الأعلاف وضعف الأمانة لدى الشركاء ، أدى لعدم تحقيق الكثير منها العوائد المرتقبة .

واتجه البعض لعمل مشروعات صغيرة: إنتاجية أو خدمية ، لكن ظروف المنافسة وارتفاع تكلفة العمالة والنقل والطاقة ، والمدفوعات غير الرسمية لمندوبي الأجهزة الحكومية أدت لتعثر كثير من المشروعات .

واتجه البعض كميراث تاريخي لشراء الأراضي والعقارات وتخزينها لفترة ثم إعادة بيعها والاستفادة بفارق الربح المضمون ، باعتبارها حسب المقولة الشعبية ” لا بتأكل  ولا بتشرب ” ، وحقق الكثيرون منها أرباحا تتخطى كثيرا معدلات التضخم لتنامى الطلب ، حتى أن بعضهم تحول للوساطة  بالشقق والأراضي .  

واتجه البعض إلى  التجارة : في مجتمع سكاني ضخم له احتياجاته المتنوعة من طعام وشراب وكساء ودواء واتصال ونقل وترفيه وغير ذلك ، وهو مجال يتسم بسرعة دوران رأس المال به ، ولعل هذا له صلة بالحديث الشريف ” تسعة أعشار الرزق بالتجارة ” .

لكن النجاح  متربط بدراسة السوق واقتناص الفرص والتعلم من الفشل ، والسعي للتميز وسط حيتان السوق الذين يمكنهم فرم المنافسين وتحطيمهم ، معززين بالمساندة من قبل ذوى النفوذ بالأجهزة الرسمية ، نظير ما يدفعونه من رشاوي وإتاوات ، ليبقى في النهاية مطلوبا السعي والإلمام بمتغيرات السوق والمستهلكين ، والالتزام الأخلاقي خلال ممارسة التجارة ، للتأهل لتلقى الرزق الوفير من الرزاق .
 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه