أيمن خالد يكتب: العراق وسوريا الصفقة واحدة

عوامل إنتاج وتحريك الصراع في العراق وسوريا تخضع للنسق الاقليمي والدولي الذي تشكلت به نظم وأطر سياسية فرضها التطور العالمي من حيث قوانينه ومعاهداته.. يتبع.

أيمن خالد*

عوامل تحريك الصراع وعناصره  تبدو متشابهة بين العراق وسوريا بسبب الالتحام الجغرافي والعمق التاريخي والامتداد الديمغرافي الذي لا يختلف كثيرا .
غرب وشمال غرب العراق يحاكي شرق وشمال شرق سوريا . ما يقرب من 600 كيلو متر حدود فاصلة بين البلدين . ودائرة الصراع في العراق تتكامل عادة مع العمق السوري والعكس صحيح  لذلك واقع الحال لا يسمح بإفراد الملفات والحسم لا يمكن أن يأتي الا صفقة واحدة بالنسبة للمنظور الزماني والمكاني والاجتماعي .
الأنبار والموصل عراقيا وإقليم كردستان وما يلقي بظلاله على ملف الأكراد في سوريا أيضا. فيما تقابلها على الجانب السوري دير الزور والرقة والحسكة وحلب وإدلب وهنا تتشابه المعطيات حتى في طبيعة عناصر الصراع  وطبيعة التحديات المفروضة.
بين العراق وسوريا مشتركات حالة الصراع واستدامته حيث  تنظيم الدولة ونسق الثوار والمعارضين، وهناك تركيا الملتحمة جغرافياً مع البلدين، وإيران ذات الـ 1600كيلومتر من الحدود مع العراق، والتحالف الاستراتيجي مع النظام السوري . وهناك أيضا التحالف الدولي الذي تتقاسم نشاطاته أرض البلدين، وكذلك روسيا التي بدأت طلائع قواتها تصل الأرض السورية مع عدم إغفال الحضور الأوروبي الذي يعلن قتاله لتنظيم الدولة بين العراق وسوريا  .
عوامل  إنتاج وتحريك الصراع في العراق وسوريا تخضع للنسق الإقليمي والدولي الحديث الذي تشكلت به نظم وأطر سياسية فرضها التطور العالمي من حيث قوانينه ومعاهداته.
 إقليميا محطات التشابه التي تواجه البلدين تجعل الحلول لا تخرج عن دائرة الصفقة الواحدة. فإيران ذات التحالف الاستراتيجي مع النظام السوري من “حافظ الأسد” امتدادا إلى الإبن “بشار” حيث يضيف بعداً وملمحاً مشابهاً للحالة العراقية، الفرق بينهما حالة الحدود التي حطمتها المتغيرات ما بعد احتلال العراق في العام 2003. وقد يصبح التشابه بامتياز حيث لا حدود حقيقية للعراق وسوريا تفصلهما عن إيران هذا ربما ينقل حالة التحالف إلى حالة التبعية لإيران، لذلك فالحل لا يأتي إلا صفقة واحدة خصوصا مع تحالف النظام السوري مع حكومة بغداد، التي كانت سوريا تتهمها بأنها حكومة احتلال واجب مقاومتها، والعكس أكثر غرابة في ركض الحكومة العراقية إلى نصرة نظام “الأسد” الذي كانت تتهمه بأنه المصدر الأكبر للسيارات المفخخة  والإرهابيين إلى العراق .
تركيا حيث يصعب على متخذ القرار فيها التفرقة كثيراً في البعد الاستراتيجي لها في العراق عنه في سوريا، ولايات أرض العراق لا تختلف كثيراً عن ولايات أرض سوريا. إذ المشهد يكاد يعطي ملامح التاريخ القريب.   
مشترك الحالة الكردية بالمساحات المتوزعة بين العراق وسوريا وتركيا إضافة إلى ملف تنظيم الدولة يربط مساحات مشتركة من الموصل العراقية إلى الرقة السورية وما بينهما من مناطق أخرى،  مع واقع وجود التحالف الدولي , معادلة تتعدد أطرافها ولا تكاد تحدها حدود مع سير المعارك فلا غرابة هناك من تدفق المقاتلين الكرد من شمال العراق، أو كردستان العراق، لتشكيل قوة الحماية في كوباني سوريا أو عين العرب. ولا غرابة أيضا أن تواجه تركيا حزب العمال الكردي على أرض العراق وليس على أرض سوريا التي ترعرع حزب العمال على أرضها بمواجهة تركيا، وليس غريبا أن تقاتل تركيا تنظيم الدولة في سوريا ولا تقاتله في العراق. هي ليست انتقائية بالنظر إلى سوريا أو العراق، بل إنها حالة العراق وسوريا والصفقة واحدة.
دولياً لا تنسجم قطعاً الفكرة الأمريكية في العراق بنقيضها في سوريا، لذلك يجانب المنطق النظر إلى أمريكا في العراق خلافا لأمريكا في سوريا. آخر المتحدثين ضمن هذه الفكرة المرشح لسباق الرئاسة الأمريكية 2016  ليندسي غراهام ، يقول إنه وفي حال انتخب رئيسا للولايات المتحدة فإنه سيرسل قوات برية لقتال عصابات داعش الإرهابية في العراق وسوريا .
الأطر التي تحكم المصلحة الأمريكية هي واحدة حتما لذلك لا تجد أمريكا غضاضة من ميل النظام السوري للاتفاق مع النظام العراقي أو أن يكون الطرف العراقي وسيطا للحالة السورية عند أمريكا في أكثر من مرة أيام رئاسة الحكومة العراقية من قبل نوري المالكي،لأن المنطقة واحدة والمصلحة واحدة وبالتالي الصفقة واحدة. هذا بكل الأحوال يضعنا أمام إشكالية أخرى يبدو تفسيرها صعبا إلا بالنظر إلى المصالح المشتركة .. وبموجب مفهوم النظر للمصلحة الامريكية في المنطقة سنكون أمام تقاطع حاد بين الموقف الروسي والموقف الأمريكي في سوريا. أمريكا تعي جيدا أن للشركاء والوسطاء والوكلاء نصيبا. المشكلة الأمريكية تدفع إلى آخر اللعبة كي تعلن حالة الوفاق مع الكبار اللاعبين على الساحتين العراقية والسورية.
نعتقد بأن التحرك الروسي بالطائرات والقوات البرية المحتملة هي وسيلة الضغط الأقوى لأجل الحصول على المكاسب الأكثر إذا حان وقت تقاسم النفوذ. هنا أيضا لا تغفل روسيا التمسك بالنظام السوري لأن غيابه يعيد اللعبة إلى المربع الأول فيما الذي نحن فيه يؤشر إلى أن دعم النظام السوري يحاكي مسألة الاشتراك مع العقلية الأخرى ضمن مؤسسة الحكم الطائفي في العراق وبالتالي محاكاة إيران التي تضع يدها على العراق وعينها ترنو إلى النتائج التي سيتمخض عنها المشهد السوري، فهي  لا يهمها كثيرا سحب مليشياتها إذا كانت القسمة مجزية لها على أرض العراق. هنا أيضا تتأكد حكاية العراق وسوريا والصفقة الواحدة.
المحور الأوروبي لا يعيش اليوم على قاعدة، وليس هناك أكثر من جزئيات بسيطة تغطي عليها قيمة الإنجاز ضمن تحالف اقتصادي عسكري يحفظ لأوروبا ديمومتها لاعبا دوليا بمساندة أمريكية. بينما الصين وروسيا تجمعهما حتما المصالح الاستراتيجية بجميع ملحقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية. فلا خلاف بين الصين وروسيا إذا ما اجتمعت مصلحة البلدين الكبيرين في الحصول على جبهة قادرة على دفع المحور الأمريكي عن أرض آسيا الوسطى، حيث يبدو أن القدرة الامريكية لفرض حالة الهيمنة هناك تكاد تتراجع .
ساحة النزال أيضا هي أرض العراق وسوريا ما يجعلنا نقول “العراق وسوريا: الصفقة واحدة والحل لا يكتمل بأحدهما”.

___________________________

*كاتب وإعلامي عراقي

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه