أى جدوى لمنتدى شباب العالم؟!

الحصيلة لم تكن سوى الأكل والشرب والاستمتاع بالمدينة الجميلة، ثم عودة الشباب المحظوظين المدعوين إلى بلادهم بعد نزهة سياحية مجانية

 

من الدورة الأولى، إلى الثانية، فالثالثة لمنتدى شباب العالم التي تنعقد حالياً في مدينة شرم الشيخ، ماذا كان العائد على مصر من وراء هذا المهرجان الاحتفالي منذ عام 2017 وحتى هذا العام 2019 حيث يجري الحشد سنوياً لإقامته.

تقديري أن الحصيلة لم تكن سوى الأكل والشرب والاستمتاع  بالمدينة الجميلة، ثم عودة الشباب المحظوظين المدعوين إلى بلادهم بعد نزهة سياحية مجانية – لا يتوفر مثلها للشباب المصري صاحب البلد – يتخللها كثير من الكلام الذي يطير في الهواء مثل الدخان، بينما مصر بحاجة لمنتديات أخرى أهم كثيراً أجندتها العمل والإنتاج والاستثمار والاختراع والابتكار والتفكير والحرية والإبداع والتي تنعكس بنتائج إيجابية على شعبها في العيش الكريم، وحل أزماته.

بين (العيش) .. و(الحنو)

لا نتحدث عن رفاهية العيش للمواطن، فهذا حلم بعيد المنال رغم أنه حق أصيل له، إنما نتواضع ونطالب بحياة إنسانية كريمة دعت إليها ثورة يناير في أول كلمات شعارها الأثير، (العيش)، ثم الحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية.

يناير انتكست، وتقريباً تم دفن شعارها ومطالبها، وحتى شعار المرحلة البديلة (الحنو) على المواطنين لا أثر له، فالواقع المُعاش يقول شيئاً آخر تجسده مصاعب السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي رفعت نسبة الفقراء إلى 32.5% وفق إحصاءات رسمية، وإذا كان هذا تطور سلبي مقلق لا يجب تجاهله أو الصمت عليه، فما بالنا بالبنك الدولي الذي يرتفع بنسبة الفقراء إلى 60%؟.

تناقضات الخطاب والواقع

الخطاب الرسمي، وصداه الذي يتردد في مضامين الإعلام، وعلى ألسنة معلقيه ومحلليه، يشكو من قلة الدخل، وضيق ذات اليد، وندرة المال، بل الفقر الشديد الذي يعوق السلطة – كما تقول – عن معالجة المشكلات والأزمات التي يعاني منها المواطنون، ويغل يديها عن تلبية كل مطالبهم في حياة إنسانية محترمة، ونقلهم من خانة العوز إلى خانة الكفاية..

لكن المثير للاستغراب هو هذا الوجه للتناقض المتمثل في المنتدى الشبابي العالمي الذي يجتمع في مواعيد مبرمجة منتظمة، ويتم دعوة الألوف إليه من عواصم العالم المختلفة، بجانب المشاركين من شباب الداخل، ودون اجتهاد فإن الإنفاق المفتوح على هذا التجمع الكبير لا بد أن يكون بملايين الجنيهات، (3200 شاب من 113 دولة حضروا النسخة الأولى عام 2017، وارتفع العدد إلى 5000 فى النسخة الثانية في 2018 من 169 دولة، والعدد يرتفع في النسخة الثالثة هذا العام إلى 7000 آلاف مشارك).

نفقات المنتدى والموازنة العاجزة

المؤكد أن المال الذي يتم إنفاقه على المنتدى ليس فائضاً من الموازنة العامة حتى يمكن تبرير صرفه عليه، فالموازنة تعاني من عجز دائم، والمنطق يقول هنا إنه إذا كانت هناك دولة تخطط لعقد مثل هذا المؤتمر فلا يجب أن تكون مصر في مرحلتها الحالية التي تستدين فيها، ويبلغ الدين الخارجي والداخلي أرقاماً غير مسبوقة، والتي صارت بطاقة التموين وحصة الخبز اليومية أملاً للملايين، ولهذا تحول حذف ما يقرب من مليوني مواطن من منظومة التموين إلى نذير خطر أزعج السلطة خشية غضب شعبي بعدما اتضح أثر ذلك في دعوة الخروج الجماهيري يوم 20 أغسطس الماضي، ولمحاولة التخفيف صدر قرار عاجل بإعادة المحذوفين، وإعادة فتح باب التظلمات للمحذوفين، ثم تمديد موعد التظلمات، رغم أن هذا الدعم قد لا يتجاوز 300 جنيه للأسرة الكبيرة، وهو مبلغ لا يعني شيئاً كبيراً في ظل ارتفاع تكلفة الحياة.

إذا كنا نتحدث عن نسب فقر متزايدة، ودعم تمويني محدود، وبرامج دعم مالي تكافلي رمزي، ورواتب ومعاشات تقاعدية لا تكفي  ضروريات الحياة لشرائح مجتمعية، ومظاهر تسول مؤلمة تنتشر في الشوارع، وعمليات انتحار بعضها له خلفيات اقتصادية ومعيشية، وغلاء يساهم في هبوط شرائح من مستوى مقبول في العيش إلى مستويات متدنية، إذا كانت هذه بعض العناوين العامة للمتغيرات الاجتماعية، فهل من المعقول الاحتفاء بألوف قادمين من العالم شرقاً وغرباً بتكلفة تتحملها الموازنة المرهقة، بينما الفقراء بحاجة ماسة لهذا المال.

هناك استحقاقات أهم إذا كانت تبرعات

وحتى لو قيل إن نفقات المنتدى ليست من موازنة الدولة، إنما هى تبرعات من رجال أعمال وشركات وجهات خاصة، فهل هناك جدوى حقيقية لمهرجان يبتلع تبرعات ضخمة، ولماذا لا تُوجه هذه الأموال الفائضة عن حاجة المتبرعين إلى مرافق خدمية بحاجة شديدة إليها مثل إصلاح مستشفيات، وبناء مدارس جديدة، أو توزيعها على جمعيات خيرية واجتماعية وإغاثية وإنسانية، وهناك الكثير الذي يحتاجه المعوزين من هذه الجمعيات، ولعل كثافة الإعلانات الرمضانية التي تحفز الناس على التبرع لأعمال الخير والبر كاشفة عن مدى حاجة المجتمع للمليارات وليس الملايين لسد بعض متطلباته الإنسانية في ظل عدم قدرة الحكومة على الوفاء بها.

 هذه مرحلة تتطلب، وكما أقول دائماً، تدقيقاً مالياً من نوع خاص على الأموال العامة بمراجعة إنفاق كل جنيه فيها، لماذا تم صرفه؟ وكيف جرى إنفاقه؟ وهل أوجه الإنفاق ذات جدوى؟، وهل البند الذي تم الإنفاق عليه جرى تنفيذه بالشكل الصحيح ووفقاً للقانون وبالضمير الحي؟، وحسب هذا القياس، كيف يمكن النظر للمنتدى الشبابي بألوف المشاركين فيه، والملايين التي يتم إنفاقها عليهم، والمحصلة من وراء جلساته خلال أيامه الأربعة؟!.

حتى دول الخليج تتوقف عن المظهريات

مثل هذا المؤتمر يمكن أن تستضيفه الدول الثرية في العالم، أو واحدة من دول الخليج، فهي بلدان يفيض عندها المال، ولا تعاني أزمات حياتية عديدة مثل مصر، وهى تميل أحياناً إلى الترويج عن نفسها بالمال، وتتنافس في أساليب الدعاية مهما كانت كلفتها، ومن اللافت أن أكثرها غنىً توقفت عن استضافة فعاليات مظهرية لا تجدي نفعاً توفيراً للنفقات العامة، بينما القاهرة تفعل ما اكتشفت هذه البلدان ألا فائدة منه على خططها للتنمية وحاجة مواطنيها لهذه الأموال.

شباب شرم الشيخ .. وشباب السجون

وما ينبغي التوقف عنده أنه بينما تحتضن شرم الشخ ألوف الشباب بكل اللغات والألوان والأديان في العالم نجد شباباً مصرياً من مختلف التيارات والأطياف يقبعون بالسجون في حبس احتياطي طويل، أو يقضون أحكاماً في قضايا خلفياتها ترتبط بالانغماس في الشأن العام.

حتى لو كانت السلطة انتهت من تبييض السجون، وتريد الترويج لصورة جديدة للبلاد بعد تحركها للأمام في الحريات والحقوق وفتح المجال العام لكان الحديث أيضاً أنه طالما هناك من يستحق كل جنيه فلا مبرر لإقامة أنشطة وفعاليات ومؤتمرات بلا عائد ملموس على مشاريع التنمية الحقيقية التي يعود نفعها حقاً على الشعب.

   

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه