أنت أفضل من إمبراطور .. لكن لا تعلم!

كان “كسرى” ملك بلاد فارس يشرب من السقا في قربة من الجلد ويحفظ الماء في “زير” من الفخار ليشرب ماء مبرداً .. أنت تأتيك المياه في صنابير لا تلوثها أيدي السقا.

د. أسامة الكرم*

علم اقتصاد السعادة يكشف لنا عن أسرار التعاسة والسخط الذى يطاردنا .. فرغم أننا نمتلك تكنولوجيا متطورة إلا أننا لا نشعر بالسعادة .. فما هو السر؟.

هل تصدق أنك  تعيش في نعيم، و رفاهية أكثر من أشهر ملوك التاريخ، ولكن مع الأسف لا تشعر بالحقيقة الجميلة .. أنت أكثر رفاهية من هارون الرشيد ومن كسرى ومن فرعون مصر، وأكثر رفاهية من نابليون بونابرت ومن لويس الرابع عشر.

نعم فأنت لديك سيارة تنقلك للإسكندرية خلال ثلاث ساعات ..وكان فرعون مصر ينتقل إليها في عربة كارو في سبعة أيام.

تستطيع أن تحجز مقعدك في قطار لتنتقل إلى أسوان خلال 12 ساعة .. وكان” الخديوي” يقطع نفس المسافة في  شهر.

كان “هارون الرشيد” يضئ قصره بقناديل الزيت ويصدر منها الدخان الخانق ليستمتع برؤية الفاتنات من أجمل الجميلات .. أنت الآن تستدعى من تشاء من ملكات نساء الكون بضغطة على “زر” في جهاز الكمبيوتر بلا أبخرة دخان الزيوت الخانقة ، بل وسط الجو المكيف .. والرشيد كان لديه فرقة موسيقية ليتمتع بالطرب ..أنت الآن لديك كل الفرق الموسيقية تراها لتبتهج بضغطة واحدة من طرف أصبعك على ريموت التليفزيون.

كان “كسرى” ملك بلاد فارس يشرب من السقا في قربة من الجلد ويحفظ الماء في “زير” من الفخار ليشرب ماء مبرداً .. أنت تأتيك المياه في صنابير لا تلوثها أيدي السقا ..وتبردها بالثلاجة لتشربها مثلجة وليست مبردة.

“قارون” كان لديه أراجوز يسليه ليرسم البسمة على وجهه. أنت الآن أمامك عشرات القنوات التلفزيونية الكوميدية تختار ما تشاء منها لتضحكك في أي وقت تشاء.

كان الإمبراطور أوغسطس لديه من يلطف حر الصيف بمراوح يدوية من الريش يحركها الخدم ..الآن أفقر الناس لديه مراوح كهربائية وكثير من الناس تنعم بالتكييف.

وفى العصور الوسطى لم يكن الأوربيون يعرفون الاستحمام .. وكان قصر “اللوفر” على اتساعه وفخامته لا يضم حماما واحدا.. ومن المعروف أن “لويس الرابع عشر” ملك فرنسا (الملقب بملك الشمس لعظمته) توفي ولم يغتسل أبدا… ومقارنة بلويس الرابع عشر كانت ملكة بريطانيا “إليزابيث الأولى” ترى أنها أنظف شخص في أوروبا ؛ فمما يذكر أنها تبجحت ذات يوم أمام السفير الفرنسي بقولها إنها تغتسل مرة كل ثلاثة أشهر ..سواء دعت الحاجة لذلك أو لم تدع.

أفقر وأقذر إنسان الآن يستحم مرة كل أسبوع .. ولا توجد شقة في أفقر حي بدون دورة مياه .. أنت تعيش أفضل من ملوك أوروبا حتى القرن الخامس عشر.

الرئيس الأمريكي جون آدمز أول من سكن البيت الأبيض كان عنده طباخ يقدم أفخر أصناف المطبخ الفرنسي .. أنت الآن بضغةة على الموبايل تختار ويأتى إلى منزلك ما تشاء من من طعام. إنك أكثر رفاهية من ملوك التاريخ .. إنك إمبراطور بالنسبة لهم، وكل هؤلاء الملوك صعاليك، ورعاع بالنسبة لك، ومع هذا فنحن تعساء جدا برغم الرفاهية التي نعيشها .

ورغم أن سيادتك أفضل من كل ملوك التاريخ المشهورين إلا أنك تشعر بالتعاسة.. لماذا ؟ لأنك تنظر إلى ما في يد غيرك ..إذا كانت لديك سيارة هونداى تنظر لمن يملك كيا ..إذا كانت لديك مرسيدس تنظر إلى من لديه الموديل الأحدث .. السعادة منبعها القناعة .. أنت لن تتغدى مرتين مهما امتلكت .. ولن تشعر بطعم أي طعام بعد الانتهاء من تناوله ..بعد دقيقة واحدة يستوى من أكل ديك رومي مع من أكل ما هو دون ذلك ..لا أثر للذة الطعام بعد بلعه وسقوطه من الفم للبلعوم .. لن ترتدى بدلتين فوق بعض ولن تنام على سريرين .. فلماذا تلهث وتضيع عمرك بحثاً عن متع لن تسعدك ؟
السعادة ليست النعم ولا الرفاهية ولا المتع ..إنها الرضا والقناعة ..الإنسان لا يشكو من تعاسته اليوم بسبب العوز أو الاحتياج للمتع .. بل يتعذب ويشكو بسبب المقارنة مع الآخرين. المليونير صاحب أحدث مرسيدس يلهث ويريد امتلاك طائرة مثل فلان .. من يمتلك شقة في مصيف ينظر إلى فيلا في مارينا ..ومن يمتلك فيلا بمارينا يتحسر لعدم قدرته على اقتناء يخت .. كلما زاد الناس ثراء يزداد الإحساس بالنقص والفقر .
 حقاً إن الغنى الحقيقي هو غنى النفس. إنها خلاصة ما ينصحك به علماء اقتصاد السعادة.

______________________

*كاتب مصري- دكتوراه في علم الاقتصاد

 

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه