أسلمة ألمانيا بين الواقع والخيال!

صلاح سليمان*

 
 
فتحت حركة بيجيدا المعادية للإسلام في ألمانيا مرة أخري باب الجدل واسعا، حول مزاعم أسلمة ألمانيا التي تصرعليها الحركة متضامنة مع المتطرفين الكارهين للإسلام في كافة أنحاء البلاد .
 لا شك أن استمرار وتضخيم فكرة الأسلمة هذه يقف وراء تدعيمها وسائل إعلامية معينة، تنشر الكثير من الحقائق المغلوطة التي تحاول فيها الربط بين الإسلام وكل ما يجري من عنف في منطقة الشرق الأوسط ، وقد نجحت بالفعل في إقناع قطاعات كبيرة في المجتمع الألماني بخطورة الإسلام  والمسلمين ، مما تمخض عنه بروز حركة بيجيدا العنصرية شديدة الخطورة .
 
إن أخطر ما يؤجج ظاهرة أسلمة ألمانيا بعد وسائل الإعلام هم السياسيون المحافظون ، وتبدو الأمور غير مريحة لكافة المسلمين في ألمانيا عندما يطالعون تصريحات مثل تلك التي صرح بها هانز جورج ماسن رئيس المكتب الاتحادي لحماية الدستور الألماني وقال فيها بأن “الإرهاب الإسلامي “لا يزال يمثل التهديد الأكبر لأمن ألمانيا ،
إن مثل هذه التصريحات التي تعتبر واحدة من أمثلة عديدة تحمل في باطنها تحيز شديد ضد المسلمين تترك أثرها سريعا علي المجتمع ،فمثلا تنشر مجلة شترن الألمانية استطلاعا تؤكد فيه أن 73 بالمائة من الألمان قلقون من تنامي انتشار المواقف الإسلامية المتطرفة في البلاد ،وأن 29% يعتقدون أن المسيرات التي تنظمها حركة”وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب” المشهورة باسم بيجيدا لها ما يبررها!!
 
من ناحية أخري هنا في ألمانيا يعتبر موسم الانتحابات هو الآخر سوقا رائجة للتصريحات المضادة للإسلام ، فهي تتفاوت وتتباين وفقا لمجريات الانتخابات ، فأثناء الدعاية الانتخابية تنهال الاتهامات علي المسلمين ، وبعد إفراز النتائج وإعلان الناجحين تهدأ التصريحات المتشددة ،علي سبيل المثال نجد أن تصريحات انجيلا ميركيل المستشارة الألمانية قبل الانتخابات البرلمانية الماضية تنتقد الأجانب وتقول أن عليهم الاندماج في الحياة الألمانية وتدعوهم إلى بذل الجهد لتعلم اللغة الألمانية ثم تتحدث عن فشل ألمانيا في إرساء مبدأ التعددية الثقافية، لكنها تعود اليوم حيث لا توجد أسواق انتخابية لتندد بالمظاهرات المناهضة للإسلام وتنتقد اليمين المتطرف وحركة بيجيدا ثم تطلب من مواطنيها عدم مشاركة العداء للإسلام والأجانب واصفة هؤلاء المعادين بأن قلوبهم “مليئة بالأحكام المسبقة والحقد.

مثل هذه التصريحات المتناقضة يكشفها ويعرفها ألمان محايدون ،لا يعتقدون أن مخاوف الشعب الألماني من الإسلام هي مخاوف مشروعة ، فمثلا الخبير الألماني يورج بيكر يري أن هناك تحيزا شديدا ضد الإسلام في الكثير من وسائل الإعلام ،سواء كان ذلك في الصحف اليومية أو الشاشة المرئية أو حتى الراديو أو المجلات الأسبوعية. لكن علي الرغم من ذلك لا يمكن إغفال الدور السلبي الذي تركته ممارسات جماعات الإسلام المتطرفة مثل داعش والمليشيات إلى تتقاتل يوميا في الأقطار العربية علي صورة الإسلام العالمية، كما لا يمكن أيضا أن نستثني من ذلك تصرفات مهاجرين مسلمين في ألمانيا مثل السلفيين أو شرطة الشريعة التي ظهرت في مدينة فوبيرتال بغرب ألمانيا من أجل مطالبة الشباب بترك الخمر والقمار متناسية أن ألمانيا ليست بلدا إسلاميا والشباب فيها ليسوا متدينين ، فكيف إذن يستجيبون لطلباتهم التي تبدو في حقيقتها استفزازا لهم ؟!
 
يلفت الانتباه رأي الباحث الألماني الاجتماعي اندرياس تسيك الذي يري أن مخاوف الألمان تأتى بشكل عام ليس من الإسلام كدين بل من كثرة أعداد المسلمين في ألمانيا ،فهم قد يكونوا منافسين للألمان في سوق العمل ،كذلك فإن الذين لا يعملون يحصلون علي إعانات اجتماعية ومساعدات مالية من جيوب دافعي الضرائب ؛تدفع الألمان إلى الضجر والضيق من وجودهم .
 
من المعروف أن جذور الإسلام قديمة في ألمانيا، فأول تواجد للسكان المسلمين فيها يرجع إلى عام 1739 في عهد الملك (فريدريك فيلهالم) الأول ملك بروسيا ،وأول مسجد كان قد تأسس قبل ذلك التاريخ في مدينة بوتسدام عام 1731 وكان مخصصاً للجنود الأتراك ،أما اكبر مسجد فهو مسجد الفتح الذي شُيد عام 1995 في مدينة مانهايم .ويعتقد كثير من المراقبين أن ألمانيا هي احدي الدول الأوروبية التي يتنامى فيها عدد المسلمين   بإطراد متزايد منذ عام 1970 ويبلغ عددهم الآن حوالي 4.5 مليون يعيش ثلثهم في شمال ولاية الراين وستفاليا والبقية تنتشر عبر ولايات ومدن ألمانيا المختلفة واغلبهم من تركيا وهم يمارسون الصلاة في مساجد وأماكن أخري تقدر بحوالي 2200 مسجد ومصلى اغلبها تابعة  لمؤسسات دينية تركية.
 
المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا له ميثاق شهير ينص علي أن جميع المسلمين في البلاد ملتزمون بالقانون الألماني والأوربي، ويبرر الميثاق من منطلق إسلامي لماذا يجب عليهم الالتزام بقوانين المجتمع الألماني، فيما يعتبر البعض ذلك خطوة جريئة لأنها توضح بعض النقاط التي يبرز حولها جدل في القضايا الشرعية الإسلامية مثل الإرث والزواج وما شابه ، ويشدد في احدي فقراته علي قبول المسلمين قوانين البلد الذي يعيشون فيه ومن ثم يدينون بولائهم له. أيضا لا يخفى على المرء أن تجنس المسلمين بالجنسية الألمانية له تبعات أهمها احترام ديمقراطية البلد الذي يعيشون فيه والابتعاد عن التطرف الذي يلصق عادة بهم ،لكن للأسف تتجاهل وسائل الإعلام الألمانية هذا الميثاق الذي يرد بإيجاز علي أسئله العداء التي توجه عادة للمسلمين.
 
من المعروف أن هناك المان يهتمون بمعرفة الدين الإسلامي ثم يتعمقون في دراسته ويعلنون إسلامهم في مرحلة لاحقة ،ووفق أرشيف المعهد المركزي للشؤون الإسلامية الموجود في ألمانيا فإن حوالى 12400 مسلم ألماني من ذوى الأصول الألمانية قد دخلوا الإسلام طواعية وعن قناعة ذاتية أو نتيجة الارتباط بالزواج من مسلم .. واغلب هؤلاء منتظمون داخل جمعيات المساجد ويمارسون الأنشطة الدينية باللغة الألمانية واغلبهم من الحاصلين على مؤهلات جامعية
____________________

*كاتب مصري مقيم في ألمانيا

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه