أحمد قناوي يكتب: في المأزق الدستوري المصري

أحمد قناوي*

لم يكن يدور بخلد من وضع المادة 156 من دستور 2014 ما سيحدث تشريعيًا، المادة تتحدث عن حالة الاستعجال التي تجعل رئيس الجمهورية في غيبة البرلمان يصدر تشريعات ونص المادة يجري على النحو التالي (إذا حدث في غير دور انعقاد مجلس النواب ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه . وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يومًا من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تعرض وتناقش أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار) .
 بهذا النص أصبح ضروريًا عرض ومناقشة كل القوانين التي صدرت في الفترة الانتقالية في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور وعهد الرئيس السيسي، وإلا سقطت هذه القوانين بقوة نص تلك المادة.
الإسهال التشريعي  منصور، السيسي
لم يكن المشرع الدستوري – وفي الحقيقة – ولا أي مشرع دستوري يتوقع أن تصدر كل هذه التشريعات في فترة ( منصور، السيسي ) في ظل غياب برلمان، ما جرى عليه التقدير وأي تقدير موضوعي يدرك أن أي رئيس مؤقت أو أي رئيس في ظل غياب برلمان لن يلجأ إلا في القليل لإصدار قرارات بقوانين، ومن ثم فإن هذا التقدير يذهب إلى حدود عدد أصابع اليد لما يمكن أن يصدر من قوانين، لكن على سبيل المثال في عدد الجريدة الرسمية الصادر في 29/ 12/ 2015 صدر القانون رقم 127 لسنة 2015  فإذا ما أضيفت القوانين التي صدرت في عامي 2013، 2014 وعددهم يقترب من 341 قانونًا أصبحنا أمام 468 قانونًا بحاجة إلى عرضها على مجلس الشعب وليس عرضها فقط بل ومناقشتها أيضًا.
هل كانت هناك حاجة عاجلة لصدور كل هذا الكم من التشريعات؟، بكل تأكيد الإجابة بالنفي، لدرجة أنه يمكن تصور أن الأمور تسير على نحو أنه لا دستور أصلاً يحكم العلاقة بين السلطات لدرجة أن يصدر آخر قانون حتى الآن يحمل رقم 127 لسنة 2015 عن الترخيص للشخصيات العامة المعنوية بتأسيس شركات، رغم أن موعد عقد الجلسة الأولى للبرلمان بعد تاريخ صدور هذا القانون أقل من خمسة عشر يومًا، إذا كان هناك مبرر يمكن الاستناد عليه وهو محاربة الإرهاب، فإن ذلك يمكن أن يحتاج على الأكثر لإصدار خمس قوانين فقط أو أكثر قليلاً بفرض صدق الزعم ، لكن وصول رقم القوانين إلى 468  قانونًا هو الأمر الذي يفسر نظرة الحكم إلى الدستور ولا يمكن أن يعبر عن ذلك بأكثر مما قاله السيسي نفسه: ” أن الدستور طموح ويحتاج وقتًا لتفعيله “.
 مؤكد أن هذا المأزق لا يمكن حله على طريقة عدد كبير من أعضاء مجلس الشعب الذي يقول ستتم الموافقة على القوانين دفعة واحدة، إذ يحمل ذلك عدم فهم وترديد لحالة تبرير عامة لكل شيء، ولكن ذلك لا ينقذ الأمر على المستوى الدستوري والقانوني ذلك أن نص المادة 156 من الدستور تستلزم (عرض) و( مناقشة)  و (الموافقة) علي  ما صدر من قوانين في غيبة البرلمان ورتبت المادة جزاءً لذلك وهو إزالة ما كان لها من قوة

القانون بأثر رجعي.
ولا خلاف أن مدة الـ 15 يومًا التي وضعتها المادة الدستورية كانت تتعامل مع أوضاع دستورية عادية وسلوك تشريعي منضبط في غياب مجلس نيابي، لكن السلطة التي تعاملت مع الدستور ذاته على نحو أقرب إلى عدم الاكتراث به أو بنصوصه، فأصدرت تشريعات لا تتوافر لها شروط الاستعجال ولا تبررها حالة ضرورة، قد خلقت مأزقاً دستورياً لا يلوح في الأفق حل له وفقًا لنصوص الدستور إلا بمزيد من الخروج عليه وهو أمر متوقع إلا إذا أسقط هذا المجلس كل القوة الإلزامية لهذه القوانين إلا ما هو ضروري منها وعرضها ومناقشتها في مجلس النواب وهو أمر يبدو غير مطروح .
النتيجة التي تبدو حتمية وفق القراءة العامة للمشهد القانوني والسياسي في مصر أن البرلمان سيمرر تلك القوانين على نحو لا يحقق متطلبات المادة الدستورية وهو ( عرضها)  و(مناقشتها(   و) الموافقة(  عليها، ومن ثم يعرضها للبطلان أمام المحكمة الدستورية العليا والتي كانت لها أحكام قضائية أصبحت مستقرة إذ سبق لها أن أبطلت قوانين أصدرها الرئيس السادات لعدم وجود استعجال يبرر إصدارها، بل إن نص المادة الدستورية واضحة لا تنتظر اجتهادًا مع هذا الوضوح.
سيضيف هذا المأزق حالة جديدة تصطف بجانب حالة الارتباك العامة كإحدى علامات المشهد السياسي في مصر، ولأنها حالة نصوصية فإن الفكاك من ضروراتها لا يمكن أن يسير على نحو معركة الإرهاب تتطلب ومصر في حالة خطر وتتعرض لمؤامرات، لغة المؤتمرات والاستقطاب لا تصلح مع نصوص دستورية واضحة للعيان إلا إذا كان هناك قرار بأن مصر دولة غير قانونية لا تحترم نصوص أقسم على احترامها الرئيس ومن بعده نواب مجلس الشعب، يبقى الانتظار إلى حل تلك المعضلة برغم أن كل الشواهد تشير إلى أن الحل سيكون غير دستوري

___________________________

*كاتب مصري ومحام بالنقض

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه