أحمد قناوي يكتب: تداعيات الحكم بقبول طلب رد ناجي شجاتة

تاريخيًا ومنذ إقرار مواد الرد في قانون المرافعات الحالي الصادر في عام 68 أو الملغى الصادر عام 49 فإنها نصوص كادت من ندرة قبول طلب رد فيها أن تضحى مجرد نصوص أدبية.

 

أحمد قناوي*

تاريخيًا ومنذ إقرار مواد الرد في قانون المرافعات الحالي الصادر في عام 68، أو الملغى الصادر عام 49؛ فإنها نصوص كادت من ندرة قبول طلب رد فيها أن تضحى مجرد نصوص أدبية وإجرائية فقط، ذلك أن حالات قبول طلب الرد حالتان فقط ، أو ثلاث حالات في الحد الأقصى طوال ما يزيد عن 60 عامًا، وهذا ما يجعل من الاهتمام بقبول طلب الرد الخاص بالمستشار ناجي شحاتة أمرًا في محله لأنه يستحق.

ولعل الأهم في موضوع قبول طلب رد المستشار ناجي شحاتة هو السياق الذي جرى فيه قبول طلب الرد، ذلك أنه في خضم معركة مفتعلة شديدة ضد المنتمين إلى ثورة يناير وضد المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين، زالت فوارق كثيرة بين المسلمات وبين الآراء، بين الأحكام وبين وجهات النظر، بين الخيانة والوطنية، بين حقوق الإنسان وسحق تلك الحقوق، في هذا السياق انجرف قطاع الإعلام، وأبعد أو استبعد أو أجبر على ذلك كل من له رأى مختلف ولو كان اختلافًا طفيفًا، وانتهكت خصوصيات الناس بإذاعة تسجيلات تمت بسرية بينهم، ولم يبقَ شيئًا غير مستباح.

انجرف المستشار ناجى شحاتة وأصبح جزءًا من تلك الحالة وأدلى بأحاديث صحفية وعبر عن مواقفه كثيرًا، غير أن حديثه لصحيفة  “الوطن” كان قمة في التعبير عن موقف سياسي لقاضٍ يحاكم متهمين يعتنقون آراءً ومواقف تختلف بشكل جذري مع ما أعلنه من مواقف، وهو هنا يهز الاطمئنان الواجب الذي يجب أن يشعر به كل متهم يحاكم أمام قاضيه.

كان مما قاله المستشار ناجي شحاتة لصحيفة الوطن (25  خساير دمرت أخلاق المصريين ..لا تعذيب في السجون ) وبعد نشر الحديث أنكر كثيرًا مما جاء فيها، وقامت جريدة الوطن على الفور بنشر تسجيل صوتي للحوار تبين فيها صدق الصحيفة؛ بل إنها حذفت الكثير مما جاء فيه وكان تناولاً لقضاة محكمة النقض، على المستوى الأخلاقي.

كان نشر الحديث مسجلاً يحط من قيمة قاضٍ يجلس على منصة قضائية ويحكم على المتهمين بأحكام الإعدام؛ حتى أُطلق عليه (قاضي الإعدامات)، الأمر الأخطر في الحديث على المستوى القانوني أن أحد المتهمين دفع بتعذيبه ومعه تحقيقات نيابة عامة وتقارير طبية ومتهم أمامه؛ ومن ثم فإن قوله لا يوجد تعذيب هو قضاء من غير منصة ويجعل من كون المتهم غير مطمئناً للمثول أمامه أمرًا واقعًا.

كان هذا الحديث سند طلب الرد في قضية خلية أوسيم لأحد المتهمين ممن دفعوا أمام المستشار ناجي شحاتة بوقوع تعذيب عليه، ولأن نصوص قانون المرافعات تحدد أجلاً بسيطًا للفصل في طلب الرد حتى لا يكون الرد تكأة لتأجيل القضايا صدر الحكم سريعًا بقبوله، ولعل الأسباب التي وردت في حيثيات الحكم تعتبر رسالة بأكثر منها حكمًا وتعتبر إعلان موقف من جملة الهزل الذي أصاب الكثيرون، وإعادة التأكيد على مسلمات أصبحت باهتة وضبابية رغم وضوحها.

قالت المحكمة في حيثياتها ” واستند طلب الرد إلى أن المستشار ناجي شحاتة أدلى بحديث إلى جريدة “الوطن” نفى فيه وجود تعذيب بالسجون، الأمر الذي يعد إفصاحًا عن توجهه، خاصة وأن المتهم مقدم طلب الرد تعرض بالفعل للتعذيب داخل سجن الأمن المركزي، وحيث إن المستشار ناجي شحاتة كوَّن عقيدة بنفيه وقائع التعذيب الأمر الذي يفقده صلاحية نظر القضية والفصل فيها وحيدته ” ” الثابت من الاطلاع على المستندات المقدمة من طالب الرد والتي لم ينكرها القاضي المطلوب رده محمد ناجى شحاتة، والذي أعلن بتصريحه الصحفي في جريدة الوطن بعبارات صريحة دون لبس أو غموض، أنه لا يوجد بالسجون تعذيب نهائيًا ” ” وإذا كان الثابت من الاطلاع على مستندات طلب الرد أن المتهم محمد فوزي عبد العاطي في قضية خلية أوسيم ومحاميه، وبعض أفراد أسرته أبلغوا النيابة العامة بالتضرر من التعدي عليه بالضرب إبان احتجازه بالسجن ” ” إذا كانت المحكمة تستخلص العبارات التي تحدث بها المستشار ناجي شحاتة أن مظنة عدم توافر الحيدة لديه، بما يثير عدم اطمئنان المتهم إلى قاضيه الطبيعي وأن حكمه لن يصدر عن حق وإنما سيصدر بتحيز وميل بما يكون معه طلب الرد قد وافق صحيح الواقع والقانون متعينًا قبوله “.

لعل الأخطر في هذا الحكم أنه قرر حقيقية تحاول منظمات معنية بحقوق الإنسان تأكيدها أن السجون المصرية تعرف التعذيب فجاء الحكم يقرر تلك الواقعة المشينة لأنظمة تعنيها سمعتها وسمعة أوطانها.

يبقى أن هذا الحكم له تداعيات هامة إذ أن الدائرة التي يرأسها المستشار ناجي شحاتة تنظر عددًا من القضايا لا يختلف وضع متهميها عن وضع طالب الرد، وبالتالي فإن هناك احتمالات مختلفة مفتوحة كنتائج على قبول طلب الرد، منها أن يتنحى المستشار ناجي شحاتة عن تلك القضايا، وإما أن يظل ينظرها وفي هذه الحالة ستقدم طلبات رد بشأنه من متهمين آخرين ولن تجد الدائرة التي ستنظر طلب الرد استنادًا للحكم المتقدم ذكره بقبول طلب الرد سوى قبول الطلبات الجديدة، أما تلك الأحكام التي أصدرها المستشار ناجي شحاتة وستنظرها محكمة النقض سيكون الحكم بقبول طلب الرد سببًا آخر يضاف إلى أسباب الطعن في الأحكام التي أصدرها ويمكن التأكيد أنها ستعاد مرة أخرى أمام دائرة أخرى بعد نقضها.
________________________

* كاتب مصري ومحام بالنقض

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه