أحمد شفيق: التفكير خارج الصندوق

ربما سعي الفريق أحمد شفيق إلي تدشين نفسه كمعارض حاد لنظام السيسي، وربما أكسبته تجربته الانتخابية السابقة الخبرة في أن يري أن اللحظة باتت مواتيه له لأن “يطيح” في الجميع.

 عبده مغربي*

في اجتماعه الأخير مع رؤساء الأحزاب السياسية في مصر وجه الرئيس عبد الفتاح السيسي رسالة إلى المجتمعين طالبهم فيها بالتوحد والاتفاق علي “قائمة انتخابية” واحدة تخوض الانتخابات النيابية القادمة.

أحد هؤلاء الذين حضروا الاجتماع قال إن السيسي ألح عليهم أكثر من مرة بضرورة الاتفاق علي قائمة واحدة، حتي بدا للبعض  أنه ليس أمامهم إلا واحد من خيارين إما “قائمة واحدة” وإما  “لا انتخابات”.

لم يكن طلب السيسي من المجتمعين بضرورة التوحد في قائمة واحدة إلا لقطع الطريق علي الخصوم السياسيين لمعسكر 30 يونيو، وعلي الرأس من هؤلاء الخصوم جماعة “الإخوان المسلمين” والتي صرح قادتها في أكثر من موضوع بأنهم لا يعترفون بشرعية أي انتخابات تحت حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، وبالتالي فلن يشاركوا فيها إلا أن ذلك لم يقلل الخوف من  “الجماعة” التي أكدت أكثر من مرة  إبان إنتخابات 2012 بأنها لن تنافس علي انتخابات الرئاسة، ثم ما إن بدأت إجراءات فتح باب الترشح، حتي قدمت الجماعة اثنين من قادتها هما الرئيس المصري السابق محمد مرسي، ونائب المرشد العام للجماعة المهندس خيرت الشاطر.

و بالتالي فإن القلق من انقضاض “الجماعة” علي البرلمان القادم ما زال يضرب رؤوس وأجنحة في نظام الرئيس السيسي وهي التي دفعته إلي أن يطلب من الأحزاب التي اجتمع بها أن تتفق علي “قائمة واحدة” ليس من بينها بالطبع حزب النور، الذي ترفض غالبية الأحزاب المدنية الدخول في تحالف معه، باعتباره حزباً دينياً، وبالتالي فإن تأكيد السيسي علي أنه سيدعمهم إذا ما اتفقوا علي “قائمة انتخابية واحدة” يعني في أول ما يعني أن الرئيس السيسي سيدعم قائمة الأحزاب المدنية في مواجة قائمة “حزب النور”، أي أن الرئيس سيقف لأول مرة بشكل واضح ومعلن ضد  “حزب النور” ذلك الحليف القوي الذي وقف إلي جوار السيسي في 30 يونيو، هذا إذا لم تطلع روح  حزب النور قبل فتح باب الترشيح أصلاً ويتم تشييعه إلي مقبرة “الحل” في واحدة أو أكثر من الدعاوي المرفوعة أمام محاكم القضاء الإداري التي تطالب بحل الحزب، علي اعتبار” أنه حزب ديني ويتعارض مع الدستور”.

نعم المشهد  الانتخابي بصورته الحالية هو عبارة عن فريقين لا ثالث لهما، الأول فريق الأحزاب المدنية بكل صراعاتها وتفككاتها، والثاني فريق “حزب النور” بكل غموضه وترتيباته.

 فريق الأحزاب المدنية إن توحد – وهذا من الصعوبة بمكان في ظل حالة الصراع المعلن بينهم – سيكون محملاً بأحزاب ليس لها أي ثقل في الشارع، وتريد أن تحصل علي نصيبها من “الكعكة” بتضمين بعض قادتها في القائمة، الأمر الذي سيضعفها أكثر مما هي ضعيفة كون غالبية الأسماء المطروحة هي من النوع الذي سئم منه المصريون، وسيكون محملاً أيضاً بوجوه مكروهة شعبياً وستفرض وجودها علي القائمة بحكم علاقاتها القوية بالنظام، ومحملاً أيضاً بمجموعة من رجال الأعمال الذين أصابوا الشعب المصري  بالبؤس نتيجة استمرارهم علي الساحة بل وعدم تقديمهم للمحاكمة رغم كل ما اثير ضدهم من شبهات فساد وتربح واستغلال نفوذ، وسيكون محملاً أيضاً برموز من الحزب الوطني القديم خاصة بعدما سيطروا علي أحزاب “الوفد” و “المحافظين” و “المصريين الأحرار”. وهي الأحزاب التي يعول عليها في تشكيل التحالف الانتخابي الموحد، كما سيكون فريق الأحزاب المدنية محملاً أيضاً بالنسبة الطبيعية في أي انتخابات بالعالم وهي النسبة التي دائماً ما تقف ضد مرشح الحكومة أو السلطة الحاكمة، وهم كذلك إذا ما اتفقوا علي قائمة واحدة فإنهم سيترشحون باسم السلطة، التي أعلنت في شخص رئيسها أنها ستدعمهم حال اتفاقهم.

علي الناحية الأخري، فإن حزب النور بدا أكثر تنظيماً ودقة، حتي أنه فور إعلان فتح باب الترشيح في الإجراءات السابقة التي توقفت بعد حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية بعض نصوص قوانين الانتخابات، كان أكثر تنظيما بل كان الحزب الأول الذي  سبق الجميع في تقديم قوائمه، والوحيد تقريباً الذي قدمها بدقة عكس جميع الأحزاب التي قدمت أوراقها ناقصة، ما يعني أننا أمام حزب سيخوض الإنتخابات من أرضية المعارضة، وهو بذلك سيخوض الانتخابات وليس محملاً بتبعات السلطة، فضلاً عن أنه سيخوضها علي أرضية دينية، مع ما تمثله هذه الأرضية من تأثير في أوساط غالبية المصريين.

تعالوا نتأمل المشهد إذا ما تم حل “حزب النور”، المنطق يقول أن الحزب قد أعد عدته لخوض الانتخابات وهو وإن أصبح مجرداً من الكيان القانوني للحزب، إلا أنه لن يفقد كيانه التنظيمي، سيخوض الانتخابات مستقلاً وربما سيقبل لحظتها التنسيق مع قيادات الصف الرابع والخامس من جماعة الإخوان المسلمين، للسيطرة علي المقاعد الفردية، ساعتها ربما ستكون فرصة “الجماعة” في أن تعيد تشكيل أوراقها في حربها مع نظام الرئيس السيسي، وتنقض في اتفاق نفعي مع الحزب السلفي من أجل السيطرة علي البرلمان وبالتالي الحكومة، ليستيقظ نظام الرئيس السيسي وقد وجد الإخوان يزاحمونه في الحكم، يطردهم أو يطردونه، وتعود مصر إلي نقطة الصفر من جديد.

تعالوا نتامل المشهد وقد فشلت الأحزاب في تأسيس تحالف لقائمة واحدة، أو نجحت في تأسيسها ولكن علي هذا النحو الذي ظهرت عليه سلفاً وسيطر عليها مجموعة المنتفعين و”المطبلاتية”، فإن حزب النور مؤكد سيحصد الأغلبية، وسيشكل الحكومة، وتكون الضربة القاضية لهذه الأحزاب الكرتونية، التي يعلم الجميع أن حضورها لا يزيد عن كونه حضوراً إعلامياً لا قواعد حقيقية له علي الأرض.

وربما من هنا سعي الفريق أحمد شفيق إلي تدشين نفسه كمعارض حاد لنظام السيسي، وربما أكسبته تجربته الانتخابية السابقة الخبرة في أن  يري أن اللحظة باتت مواتيه له لأن “يطيح” في الجميع، متحللاً من أن يحصر نفسه في حزب مراهق سياسياً هو حزب “الحركة الوطنية” طارحاً نفسه من جديد في صورة الزعيم لا مجرد رئيس الحزب، وقد لا يكون مفاجئاً أن يعلن شفيق خلال الأيام القليلة القادمة عن تأسيس تيار، يضم إلي جوار ما يضم أحزاب وشخصيات بارزة، فالرجل الذي أضرم الحريق في الجميع، وأصر في أكثر من تصريح علي أنه لا يستطيع أحد أن يمنعه من ممارسة السياسية، بدا أنه يفكر خارج الصندوق، وبدا أكثر حيوية وهو يفرض وجوده كلاعب رئيسي علي المسرح السياسي، فقد كان الأكثر وضوحاً والأكثر جرأة في انتقاد النظام.
“شفيق” نظر في لحظة تأمل إلي المسرح السياسي، فوجده بلا معارضة، فقام علي الفور ولعب الدور، تقمصه بقوة وسهولة، وساعده في ذلك الهجوم المباغت والمتكرر من بعض هؤلاء الذين يدللهم نظام السيسي، فكانوا بدلاً من أن يخصموا منه أضافوا له رونقاً حقيقياً في هذا الدور

___________________

*كاتب وصحفي مصري

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه