أثيوبيا وليبيا..أيهما أولى بالحشد؟

 

غريب أمر الجنرال الحاكم قسرا في مصر، يتعرض لصفعة من الجنوب فيولي وجهه للغرب، فتأتيه الصفعة الجديدة من الغرب، فيرتد إلى الداخل المصري منتقما من الشعب، وهذه المرة برفع فاتورة الكهرباء بنسبة 20%، وهو الارتفاع الذي يخالف كل منطق مع تراجع أسعار الطاقة دوليا، ومع الادعاءات المتكررة بوجود فائض كهرباء كبير في مصر فوق حاجة الاستهلاك المحلي، وغني عن البيان أن زيادة اسعار الكهرباء تستصحب مباشرة زيادات أسعار باقي السلع والخدمات بشكل تلقائي.

اختلال أولويات الأمن القومي المصري أصبح عنوانا من عناوين مرحلة الحكم العسكري الحالي، فبعد التفريط في تيران وصنافير وفي حقول غاز المتوسط، نعيش الآن لحظات التفريط في مياه النيل، وهي القضية الأكثر إلحاحا للمصريين، بينما يتجه النظام غربا لدعم جنرال فاشل، لا يتمتع بأي مصداقية، ولا أي تاريخ عسكري مشرف، ويحرك جنرال مصر دباباته ومدرعاته لدعم جنرال ليبيا، وليصب بذلك مزيدا من الزيت على نار الحرب الليبية التي تحصد أرواح الأبرياء، وتجهض حلم الشعب الليبي في التمتع بالحرية والازدهار.

اجتماع مجلس الأمن القومي:

بالأمس (الثلاثاء)عقد مجلس الأمن القومي المصري اجتماعا برئاسة السيسي وهو الاجتماع الرابع له منذ إعادة تأسيسه عقب الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو 2013، وكانت القضيتان الأساسيتان هما أزمة سد النهضة والهزائم المتتالية لحفتر في ليبيا، وقد تحدث البيان الختامي للاجتماع عن قضية السد فقط وتجاهل الحديث عن ليبيا، لكن هذا التجاهل في البيان لا يعني عدم المناقشة أو عدم الوصول إلى قرارات محددة في هذا الشأن، ربما فقط طغت قناعة أن الإعلان عن أي خطوات تصعيدية في ليبيا ليس مطلوبا في ظل طرح مبادرة للتهدئة ( ولدت ميتة لأنها لم تصدر من طرف محايد بل شريك في الحرب)، وربما طغى إدراك أن الإعلان عن إرسال قوات إلى ليبيا سيعرض النظام لمساءلة دولية لأن هذا القرار سيكون مخالفا لقرار مجلس الأمن الخاص بمنع توريد سلاح إلى ليبيا، ولا يمكن المقارنة هنا مع الإمدادات التركية التي تمت بين الحكومة التركية وحكومة الوفاق المعترف بها دوليا في ليبيا، وهو مالم يتوفر للنظام السيسي مع حفتر الذي لا يحظى بشرعية دولية، وليس أمامه سوى برلمان عقيلة صالح ولكن المشكلة أن البرلمان لا يصلح لتوقيع اتفاقيات دولية بل لمناقشة وإقرار الاتفاقيات التي توقعها الحكومات.

ومن هنا يمكن فهم التحركات العسكرية على الحدود الليبية، وأنها مجرد ترضية معنوية للجنرال المنهزم في بني غازي، ولتخويف حكومة الوفاق ودفعها لقبول المبادرة المصرية، وقبل كل ذلك حماية الحدود المصرية من حالات نزوح متوقعه بسبب استمرار المعارك في ليبيا، وخسارة أنصار حفتر للمزيد من مواقعهم.

وربما يفسر عدم الحديث عن تصعيد عسكري على الحدود أيضا رغم ارسال المدرعات والدبابات بالفعل خيبة أمل نظام السيسي من حفتر الذي خسر رهانه عليه، وبالتالي ربما كان هناك تفكير في بديل أنسب للمرحلة المقبلة لدعمه، وقد بدا واضحا أن القاهرة تقدم في هذه المرحلة عقيلة صالح على حفتر، حيث دعمت مبادرته للتسوية السياسية وهي المبادرة التي رفضها حفتر من قبل وأحدثت أزمة بين شريكي الانقلاب في ليبيا.

أما موضوع السد الذي اقتصر البيان الختامي للاجتماع عليه فيمكن القول أيضا “تمخض الجبل فولد فأرا” فهذا الاجتماع عقد بعد يوم واحد من التصريحات المتشددة لرئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد، والتي جدد فيها اعتزام حكومته بدء ملء السد في يوليو دون انتظار لأي موافقة أو مفاوضات جديدة، وكان المتوقع أن يرد مجلس الأمن القومي بتهديد مشابه أن مصر لن تسمح ببدء الملء إلا بعد الاتفاق مهما كلفها ذلك من ثمن، ولكن البيان الختامي أعلن بعد كلمات إنشائية عن قبول مصر لجولة جديدة من المفاوضات تلقت الدعوة لها قبل يوم من عقدها الثلاثاء 9 يونيو، وهذه الجولة الجديدة تعني مباشرة مهلة جديدة لأثيوبيا لتستكمل بناء السد وملء الخزان خلال فترة التفاوض، ولن يستطيع نظام السيسي وقف عمليات الملء أثناء المفاوضات، رغم أنه طلب تحديد موعد زمني لإنهاء المباحثات.

تحيط الأزمات بنظام السيسي من كل جانب، ففي الداخل يزداد التدهور الاقتصادي، ويندفع الجنرال لطلب المزيد من القروض الدولية التي تجاوزت الآن 125 مليار دولار، والتي تطوق رقاب أجيال قادمة وليس الجيل الحالي فحسب.

ولإرضاء الدائنين وعلى رأسهم صندوق النقد لا يجد السيسي سوى الشعب الذي ينظر إليه باعتباره “الحيطة الواطية” ليلهب ظهره بمزيد من رفع الأسعار، وفرض المزيد من الرسوم لتمويل مشاريعه التلفزيونية غير ذات القيمة للوطن والمواطن، وفي الداخل أيضا لم ينجح نظام السيسي في تنظيف سيناء من البؤر الإرهابية على مدى السنوات الست الماضية وهو الذي تعهد بتطهيرها في 3 أشهر فقط عندما أطلق حملته الشاملة في فبراير 2018، ولم يحقق انتصارات إلا في مسلسلاته التلفزيونية.

هزائم حفتر

وفي الخارج تحيطه هزائم حلفائه في ليبيا غربا، وأزمة سد النهضة جنوبا، وهي أزمات تبدو كقطع الليل المظلم على السيسي، ورغم أن الأولوية الواضحة هي للدفاع عن حق المصريين في مياه النيل، وهو الحق الذي تحميه اتفاقيات دولية متعددة، إلا أن السيسي لم يتعامل مع هذه الأزمة يوما باعتبارها أولوية، بل باعتبارها فرصة له للحصول على شرعية مفتقدة، فقدم النيل قربانا لإثيوبيا لمساعدته في العودة للاتحاد الأفريقي الذي كان قد أوقف عضوية مصر بسبب وقوع الانقلاب، حيث يمنع دستور الاتحاد الأفريقي عضوية الحكومات الانقلابية.

وبدلا من اعتبار أزمة المياه هي الأولوية القصوى للأمن القومي المصري، وتحديد السياسات الأمنية والعسكرية والسياسية على هذا الأساس، اختار السيسي قضية أخرى وهي دعم انقلاب حفتر في ليبيا، وتحريك قواته غربا، في محاولة لتفريغ غضب المصريين بسبب الأزمات الداخلية والخارجية في هذه القضية التي لا تمثل أولوية لهم، بل إنها ستخصم من فرصهم في مشاريع إعمار ليبيا بعد انتهاء فتنة حفتر، حيث ستكون الأولوية ساعتها لمن ساندوا الحكومة الشرعية وليس من حاربوها.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه