منتدى غاز شرق المتوسط سياسي أم تجارى؟

يبدو أن هدف المنتدى يتجه لإدماج اسرائيل مع اقتصاديات المنطقة، من خلال تصدير الغاز الإسرائيلي إلى كل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، في شكل اتفاقيات طويلة الأجل

    

شهدت القاهرة مؤخرا انعقاد المؤتمر الوزاري الثاني لدول منتدى غاز شرق البحر المتوسط، الذى جرى تأسيسه بالقاهرة في يناير/كانون الثاني من العام الحالي، وشارك في الاجتماع الثاني سبع دول هى : مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن، كما شارك في الاجتماع وزير الطاقة الأمريكي وممثل المفوضية الأوربية لشؤون الطاقة وممثل للبنك الدولي .

وبالنظر الى اقتصاديات الغاز الطبيعي في دول المنتدى، نجد أن إجمالي الإنتاج المسوق للغاز الطبيعي تقل نسبته عن 2 % من الإنتاج العالمي في العام الماضي، كما بلغ نصيبها من صادرات الغاز الطبيعي نسبة أربعة في الألف أي أقل من النصف في المئة، بينما يصل نصيبها من الواردات الدولية للغاز 6.4 % معظمها بإيطاليا، كما يقل نصيبها بالاحتياطيات الدولية للغاز الطبيعي عن نسبة 2 %.

كما أن كميات الغاز التي تم الاتفاق على تصديرها من إسرائيل وقبرص إلى مصر والأردن وفلسطين، والتي قيل إنه سيتم إعادة تصدير جزء مما سيصل لمصر منها لأوربا، تعد ضعيفة بالقياس إلى حجم الصادرات الدولية للغاز.

كما لا يوجد تجانس بين دول المنتدى، فعلى المستوى الجغرافي يضم فى عضويته الأردن رغم أنها ليست من دول البحر المتوسط، بينما تغيب عنه ثلاث دول في شرق المتوسط هى : تركيا ولبنان وسوريا، خاصة وأن سوريا من الدول المنتجة للغاز الطبيعي وبها احتياطيات جيدة، كما لم  تشارك فيه قبرص الشمالية، وقطاع غزة الذى ظهرت بوادر وجود غاز طبيعي في الجوار الجغرافي البحري له، لكن إسرائيل تمنع إجراء عمليات الاستفادة منها .

كما لا يوجد تجانس من حيث إنها دول مصدرة للغاز أو إنها دول مستوردة للغاز، حيث يجمع المنتدى بين النوعين، فإذا كانت مصر قد بدأت العودة لتصدير الغاز، وكذلك إسرائيل ثم قبرص بعد سنوات قليلة، فإن إيطاليا واليونان والأردن والسلطة الفلسطينية ستظل كما هى حاليا دولا مستوردة في السنوات القادمة .

    مصالح أوربية تجارية وسياسية

وهكذا يبدو أن هدف المنتدى يتجه لإدماج اسرائيل مع اقتصاديات المنطقة، من خلال تصدير الغاز الإسرائيلي إلى كل من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، في شكل اتفاقيات طويلة الأجل تزيد من معدلات التجارة بين إسرائيل وتلك الدول، والتي ظلت منخفضة طوال السنوات الماضية.

الأمر الآخر هو سرعة الاستفادة من التنازلات المصرية لكل من قبرص واليونان خلال عملية ترسيم الحدود البحرية معهما، حيث يرى قانونيون مصريون أن حقل تمار الإسرائيلي يقع في الحدود البحرية للبنان، وحقل ليفثيان الإسرائيلي يقع بالحدود البحرية المصرية.

وهو ما يثير التساؤلات حول إلغاء برلمان 2012 في مصر، حيث إنه لم يكن من الممكن أن يوافق على مضمون ترسيم الحدود البحرية التي جرى بين مصر وكل من قبرص واليونان، وأهمية وجود برلمان مطيع ينفذ ما تريده السلطة التنفيذية منه.

وإذا كان هدف إدماج اسرائيل في المنطقة اقتصاديا تتفق عليها كلا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي والبنك الدولي، فهناك مصالح أوربية أخرى تتمثل فى تقليل الاعتماد على الغاز الروسي إليها، والذي بلغت نسبته 36 % من إجمالي الغاز المستورد بالعام الماضي، وهى النسبة التي ترتفع الى 41 % من الغاز المستورد عبر الأنابيب.

الاكتفاء الذاتي المصري غير صحيح

بالإضافة إلى استفادة شركاتها في تنفيذ خط الأنابيب الواصل بين الحقول الإسرائيلية والقبرصية ومصنعي الإسالة بمصر، الى جانب استفادة شركاتها المساهمة في مصنعي الإسالة للغاز بمصر، ففي مصنع الإسالة بمدينة إدكو المصرية يتوزع هيكل الملكية له بين نسبة 26 % لشركة اينى الإيطالية، و26 % لشركة يونيون فيونسيا الإسبانية و48 % للحكومة المصرية.

أما مصنع الإسالة بدمياط فتديره شركة شل الهولندية التي تستحوذ على نسبة 35.5 % من ملكيته، إلى جانب نسبة 35.5 % لشركة بتروناس و12 % فقط للقابضة للغاز المصرية – إيجاس – و5 % لشركة جاز دي فرانس.

وتحتاج إيطاليا عضو المنتدى لقدر كبير من واردات الغاز الطبيعي، والتي احتلت المركز الخامس دوليا بواردات الغاز بالعام الماضي بنسبة حوالي 6 % من الواردات الدولية، حيث يمثل إنتاجها المحلى نسبة 7.5 % من استهلاكها، خاصة وأن الغاز الطبيعي يمثل نسبة 38.5 % من إجمالي موارد الطاقة بها محتلا المركز الثاني بعد النفط.

أما فرنسا التي حضرت أعمال المؤتمر الوزاري فيمثل إنتاجها المحلى أقل من نسبة واحد في الألف من استهلاكها من الغاز الطبيعي، لذا ترتفع وارداتها لتحتل المركز الثامن دوليا، رغم أن الغاز الطبيعي لا يمثل سوى نسبة 15 % من موارد الطاقة بها، وكانت فرنسا قد حصلت على كميات من الغاز المسال المصري بأسعار بخسه في فترة مبارك قبل توقف تلك الصادرات من مصر.

ويبدو أن اختيار القاهرة مقرا للمنتدى سياسي أيضا، فرغم أنها الأكبر في الإنتاج بالغاز الطبيعي بين الدول السبع فإن كميات صادراتها مازالت محدودة، كما أن ادعاء المسؤولين فيها بتحقيق الاكتفاء الذاتي أمر غير صحيح.

 حيث يتم احتساب نصيب الشركات الأجنبية العاملة مصر ضمن الإنتاج، والتي تقوم بشرائه منها، ومازال أمام مصر سنوات واحتياج لاكتشافات كبيرة حتى تحقق الاكتفاء الذاتي الحقيقي من نصيبها من إنتاج الحقول.

أما الصادرات المصرية المحدودة من الغاز الطبيعي فإنها مُجبرة عليها، في ضوء حصول شركة يونيون فينوسا الإسبانية على حكم بالتعويض بقيمة 2 مليار دولار بسبب التوقف عن توريد الغاز ضمن الاتفاق المبرم معها.

وربما كان مكان المقر لإرضاء السلطات المصرية معنويا، في ضوء وجود منتدى الدول المصدرة للغاز الطبيعي الذي تأسس عام 2001 بالدوحة، والذي تشارك في عضويته 12 دوله بخلاف ست دول كمراقبين.

ويظل السؤال الأهم مطروحا، إذا كان دور منتدى الدول المصدرة للغاز رغم طول فترة نشأته وارتفاع نصيبه النسبي من صادرات الغاز الدولية، مازال ضعيفا لأسباب دولية متعددة، فكيف يمكن أن تكون  فاعلية منتدى دول شرق المتوسط، الأقل مساهمة في الإنتاج والصادرات والاحتياطيات الدولية؟

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه