النظام السعودي يطلق الرصاص على قدميه بخفض سعر النفط

 

 في بداية العام الحالي توقع صندوق النقد الدولي بلوغ متوسط سعر برميل النفط خلال العام الحالي 58 دولار للبرميل، وفى ضوء ذلك توقع بلوغ نسبة العجز بالموازنة السعودية خلال العام 6.6 %، لتستمر الموازنة السعودية في حالة العجز المستمرة منذ عام 2014 لمدة ست سنوات متتالية، بسبب انخفاض أسعار النفط منذ منتصف 2014، حيث تحتاج الموازنة السعودية لتحقيق نقطة التعادل بها، الى بلوغ سعر البرميل 80 دولارا، وهو سعر لم يصل له النفط خلال السنوات الخمس الماضية.

وجاء العام الحالي بفيروس كورونا الذي عزل الصين عن العالم، ثم اتسع نطاق تأثيره بالعديد من الدول والتي علق بعضها حركة الطيران الدولي ومنح إجازات للمدارس والجامعات، وإغلاق لمراكز التسوق ومنع التجمعات وإيقاف المباريات الرياضية وإلغاء معارض دولية وفرض الحظر الصحي على العديد من المدن، مما يعنى خفض استهلاك النفط وزيادة المعروض منه عن الطلب.

وكانت دول أوبك بالتحالف مع دول منتجة ليست أعضاء بها، قد اتفقت على خفض الإنتاج منذ عام 2017، وتم مد الاتفاق الذي وصل الى 2.1 مليون برميل يوميا عدة مرات حتى نهاية مارس الحالي، ومع ظهور تداعيات كرونا دعت دول أوبك لزيادة كمية الخفض بنحو 600 ألف برميل.

 ثم رأت السعودية زيادة الكمية الإضافية للخفض الإنتاجي الى 1.5 مليون برميل، يخص الدول غير الأعضاء في أوبك منها نصف مليون برميل، مع استمرار كمية الخفض السابق حتى نهاية العام الحالي، ليصل مجمل الخفض الى 3 ملايين و600 ألف برميل.

لكن روسيا وكازاخستان رأتا أن يقتصر استمرار الخفض على الكمية السابق الاتفاق عليها والبالغة مليونين و100 ألف برميل، لحين ظهور تداعيات كرونا على سوق النفط، وهنا ردت السعودية بإعلان قيامها بزيادة الإنتاج لأكثر من 12 مليون برميل يومي مع بداية الشهر المقبل مقابل 9 ملايين و700 ألف برميل يومي تنتجها منذ فترة، وقامت بالفعل بالإعلان عن خفض سعري لكافة الوجهات التي يتجه إليها النفط السعودي خلال الشهر المقبل.

  توقع انخفاض قيمة الصادرات

وردت روسيا بأنه يمكنها تحمل سعر نفط ما بين 25 الى 30 دولار لمدة تتراوح ما بين ست الى عشر سنوات، وأنها ستزيد إنتاجها بنحو ما بين 300 ألف الى نصف مليون برميل مع بداية الشهر القادم موعد انتهاء الاتفاق بين أوبك وحلفائها.

وانعكس ذلك الخلاف بين السعودية وروسيا على سوق النفط، لينخفض السعر بحوالي 25 % خلال أسبوع، ليصل بتعاملات الثالث عشر من الشهر الى حوالي 34 دولارا لخام برنت و32 دولارا للخام الأمريكي، بعد أن كان متوسط سعر برنت خلال شهر فبراير الماضي 55 دولارا لبرنت.

وهكذا تكون السعودية قد قامت بما يشبه إطلاق النار على قدميها، فإذا كان صندوق النقد الدولي قد توقع لها عجزا بالموازنة بالعام الحالي في ظل الأسعار السابقة للنفط، واستمرار ذلك العجز حتى عام 2024 بنسبة 6.2 %، فمن المؤكد أن النسبة ستزيد عن ذلك في ضوء توقع تدهور إيراداتها، في اقتصاد تعتمد إيرادات موازنته بشكل كبير على إيرادات النفط بنسبة بلغت 67.5 % بعام 2018 حسب البيانات السعودية.

كذلك تعتمد الصادرات السعودية على صادرات النفط، والتي بلغ نصيبها من مجمل الصادرات 79 % بعام 2018، بالإضافة الى نسبة 14 % لصادرات البتروكيماويات، ليصل مجمل نصيب النفط والبتروكيماويات 92.6 % من الصادرات السلعية.

ويجئ ذلك في ظل أوضاع داخلية مضطربة بسبب فيروس كورونا أدت لإيقاف رحلات العمرة التي تمثل موردا سياحيا وتجاريا للقطاع الخاص السعودي، ثم كان تعليق الرحلات الجوية الى المملكة بما يزيد الأثر السلبي على قطاع السياحة، الذي يعمل به 571 ألف شخص عام 2018.

الضرر السعودي يمتد لدول أوبك

وأدى الموقف السعودي لإلحاق الضرر بباقي أعضاء أوبك خاصة من يعتمدون على صادرات النفط بشكل أساسي، حيث أشارت بيانات أوبك لعام 2018 لبلوغ نسبة الصادرات البترولية 99 % من قيمة صادرات فنزويلا، و97.5 من مجمل صادرات غينيا الاستوائية و89% من صادرات أنجولا و86.5 % من صادرات نيجيريا، و72 % بالعراق و69 % بليبيا و65 % بالغابون و59 % بالجزائر و56 % بإيران.

بينما كان يمكنها الاستمرار في قيمة الخفض السابقة البالغة 2.1 مليون برميل حتى يونيو حسبما رأت روسيا، في سوق يتقلص به الطلب، أو زيادة نصيب دول أوبك من الخفض، مثلما فعلت خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، حينما بلغ قدر الخفض من قبل دول أوبك 4 ملايين و200 ألف برميل يومي لمساندة السعر.

كذلك سيلحق الضرر بقيمة صادرات دول أوبك من الغاز الطبيعي التي يرتبط تسعيره بسعر النفط، والذي لا تصدره السعودية حاليا لتوجه كامل إنتاجها للاستهلاك المحلى، والذي انخفض سعره من دولارين و9سنتات للمليون وحدة حرارية بريطانية بنهاية ديسمبر الماضي الى دولار و76 سنتا فى السادس من الشهر الحالي، حسب احصاءات مركز هنري هوب بسبب تداعيات كورونا السلبية على الاستهلاك، أي قبل الإجراءات السعودية بإجراءات التخفيضات السعرية في السابع من مارس والتي ستزيد معدلات الخفض لسعر الغاز الطبيعي.

ثم  وجهة نظر ترى أن تبرير الموقف السعودي بالخفض السعري وزيادة الكميات المعروضة، ليس نابعا من الرفض الروسي لزيادة كم الخفض الإنتاجي داخل إطار مجموعة أوبك وحلفائها، ولكنه تم استجابة لمطلب الرئيس الأمريكي ترمب الذي يحمل برنامجه الانتخابي خفض أسعار النفط، لتعزيز موقفه بالانتخابات المقبلة في شهر نوفمبر القادم، على أن يرد الجميل لولى العهد السعودي بتصعيده لاعتلاء عرش المملكة.

خاصة وأن الإجراء السعودي يلحق الضرر بموارد خصوم الولايات المتحدة بداية من روسيا وفنزويلا وإيران، كما يجلب المنافع لحلفائها من الدول الغربية المستوردة للنفط، حيث بلغت نسبة قيمة الوقود من قيمة الواردات السلعية للهند عام 2018 نحو 35 %، واليونان 29 % وكوريا الجنوبية 27 % واليابان 23 % وكل من البرازيل واسبانيا 15 %، وإيطاليا 14 % وفرنسا 11 % وانجلترا 10.5 % وألمانيا 9 %.

وعلى هؤلاء أيضا أن يردوا الجميل بتسهيل تصعيد ولى العهد للعرش قبل قمة العشرين القادمة المقررة بالسعودية.

وربما يقول البعض ولكن الإجراء السعودي سيكون في مصلحة الدول المستوردة للنفط مثل الأردن ومصر تونس والمغرب ولبنان، لكنه على الجانب الآخر هناك آثار سلبية لها، منها تراجع قيمة تحويلات العاملين المنتسبين إليها بالخليج العربي.

 وكذلك تراجع إيرادات السياحة التي يشكل الخليجيون نسبة معتبرة بها، علاوة على التأثير على قدر المعونات الخليجية وعلى الودائع الخليجية بها لتعضيد موقف أسعار صرف عملاتها وعلى الاستثمارات الخليجية بها سواء المباشرة أو غير المباشرة.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه