الركود يعرقل مستهدفات الموازنة المصرية

يصل نصيب الفرد شهريا من الدعم للسلع التموينية والخبز معا إلى أقل من 55 جنيه شهريا، أي حوالى 182 قرش يوميا،

 رغم ضريبة القيمة المضافة التي رفعت سعر ضريبة المبيعات إلى 14 % بدلا من 10 %، ورغم رفع نسب الجمارك مرتين، واحتساب الجمارك على دولار جمركي أكثر سعرا،  وزيادة أسعار كثير من الخدمات الحكومية، لم تستطع إيرادات الموازنة المصرية أن تحقق مستهدفاتها في النصف الأول من العام المالي الحالي، والذي غطى الفترة من يوليو/تموز إلى ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي.

ولهذا لجأت وزارة المالية إلى خفض مستهدفات المصروفات حتى تحافظ على معدلات عجز مناسبة، وسط ضغط مستمر من قبل صندوق النقد الدولي كي تقلل العجز المزمن بالموازنة، وربط تحقيق ذلك باستمرار الحصول على أقساط قرض الصندوق لمصر، وهى الأقساط التي تتم بشكل نصف سنوي بعد زيارة لممثلي الصندوق لمصر للتأكد من تنفيذ مطالبه.

وهكذا كشفت بيانات وزارة المالية المصرية عن انخفاض الإيرادات بنحو 116 مليار جنيه عن مستهدفاتها في النصف الأول من العام المالي الحالي، ما دفعها لخفض المصروفات بنحو 115 مليار جنيه عن مستهدفاتها لتحقق وفرا بنحو مليار جنيه، يساعدها في عملية التقييم الدورية التي تقوم بعثة صندوق النقد الدولي، مع استمرار تحقيق عجز كلى بين الإيرادات والمصروفات بلغ 187 مليار جنيه خلال نصف عام.

   إغفال أرقام أقساط الديون

وكشفت بيانات الموازنة المصرية في النصف الأول من العام المالي الحالي 17/2018 والذي ينتهي آخر يونيو/حزيران المقبل عن ست ملحوظات رئيسية هي:

أولا: إغفال وزارة المالية إعلان البند الثامن بالإنفاق، والخاص بقيمة أقساط الدين الداخلي والخارجي، والاكتفاء فقط بذكر فوائد ذلك الدين والتي بلغت 173 مليار بنصف عام، ما يجعل من الصعوبة التعرف على تكلفة الدين الحقيقية، وترك المجال لأنواع العجز التي تعلنها الوزارة وهى العجز الأولى والعجز النقدي والعجز الكلى، وكلها لا تعبر عن قيمة العجز الحقيقي بالموازنة!

ثانيا: إن انخفاض إيرادات الموازنة بالنصف الأول من العام المالي الحالي عن المستهدف، شمل كافة الأنواع الرئيسية لها وهى: الضرائب والمنح والإيرادات غير الضريبية الخاصة بالإيرادات من الجهات المملوكة للحكومة.

وداخل الضرائب شمل التراجع عن تحقيق المستهدف كافة أنواع الضرائب، من ضرائب على الدخل والأرباح وضرائب على الممتلكات سواء على الأراضي أو المباني، وضريبة القيمة المضافة وضريبة الدمغة والجمارك.

 وكان الاستثناء بتحقيق المستهدف بل وتحقيق أكثر منه في ضريبة دخول الموظفين، حيث يتم استقطاعها من المنبع قبل تقاضي الموظفين أجورهم الشهرية، بينما لم تتحقق أرقام ضرائب الشركات خاصة مع حالة الركود التي تضرب الأسواق، وحالة الغلاء التي أثرت على دخول المهنيين والأعمال الحرة وبالتالي عدم تحقق مستهدفات الضرائب منهم.

عدم تحقق أرقام الدعم السلعي

ثالثا: في إطار إعلان وزارة المالية مصروفات ستة أبواب من بين ثمانية أبواب لها، فقد انخفضت مصروفات خمسة أبواب من الأبواب الستة عن المستهدف، فيما عدا باب المصروفات الأخرى والذي يتضمن نفقات وزارة الدفاع والتي زادت نفقاتها الفعلية بنسبة 11 % عن تقديراتها.

بينما انخفضت مخصصات أجور الموظفين بالحكومة عما كان مقررا لها، وكذلك تراجعت مخصصات شراء السلع والخدمات التي يتم من خلالها تدبير مستلزمات إدارة دولاب العمل الحكومي بالوزارات والمحافظات.

 ونقصت مخصصات الدعم بشكل عام ومخصصات الدعم التمويني ودعم المشتقات البترولية، وكذلك مساهمة الخزانة العامة في صناديق المعاشات، كما تراجعت نفقات الاستثمارات الحكومية وكذلك مخصصات فوائد الديون.

رابعا: رغم الضجة الحكومية عن زيادة مخصصات الأفراد الذين يستفيدون من السلع التموينية، وتصريحات المسؤولين بارتفاع مخصصات دعم البطاقات التموينية ورغيف الخبز ونظام نقاط الخبز لمن لا يستخدمون كامل حصتهم من الخبز إلى 85 مليار جنيه.

 فقد كشفت البيانات عن بلوغ مخصصات الدعم للسلع التموينية والخبز بنصف العام 23.3مليار جنيه فقط، أي أن مخصصات العام ستصل إلى حوالي 46.5 مليار جنيه فقط، وهو رقم أقل من مخصصات وزارة الدفاع من الموازنة ـ

ومع إعلان الوزارة أن هناك 71 مليون مواطن يستفيد من دعم البطاقات التموينية، ويزيد العدد إلى 77 مليون مستفيد من منظومة الخبز ونقاط الخبز ودقيق المستودعات، فبقسمة مبلغ دعم البطاقات والخبز على عدد المستفيدين من البطاقات التموينية فقط، يصل نصيب الفرد شهريا من الدعم للسلع التموينية والخبز معا أقل من 55 جنيها شهريا، أي حوالي 182 قرشا يوميا، بينما أقل سعر لسندوتش الفول والطعمية صغير الحجم يصل إلى 250 قرشا.

50 % نقص بمستهدف الاستثمارات          

خامسا: كشفت البيانات عن استمرار ظاهرة عدم تحقق ما تعد به الحكومة من مبالغ كبيرة مرصودة للاستثمارات الحكومية، والتي تتجه لمجالات التعليم والصحة والمرافق من طرق وكباري ومياه شرب وصرف صحي.

والتي تعاني من تدهور في مستوياتها، خاصة في أقاصي البلاد، لتصل نسبة الانخفاض إلى 50 % عن المستهدف، حتى مشروع الإسكان الاجتماعي الذي يهتم به النظام الحاكم بلغت نسبة الانخفاض في استثماراته 51 % عن المستهدف.

سادسا: كشفت البيانات الخاصة بالأجور تراجع الإجمالي العام بنسبة 5 % عن المستهدف، رغم ضغط مستهدف الأجور استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بتقليص أجور الموظفين، ورغم خروج أعداد كبيرة من الخدمة لم يتم تعيين من يحل محلهم، لتشير البيانات إلى انخفاض المخصص للوظائف المؤقتة والمبالغ التي توجهت للمكافآت والبدلات النوعية والمزايا النقدية عن المستهدف.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه