الاقتصاد الفلسطينى وإمكانية الاستغناء عن المعونة الأمريكية

الصورة ليست قاتمة فى كل تفاصيلها داخل مكونات ميزان المدفوعات الفلسطينى ، فرغم العجز التجارى المزمن والعجز الأقل قيمة بالميزان الخدمى ، يظل ميزان الدخل يحقق فائضا.

                           

يعاني الاقتصاد الفلسطيني من عدة مشاكل أبرزها العجز التجارى المزمن، وكذلك العجز المستمر بميزان الخدمات بسبب زيادة مدفوعات السياحة عن إيراداتها، مما أدى لعجز مستمر بميزان المعاملات الجارية، إضافة إلى عجز شبه دائم بالموازنة الفلسطينية، وتراجع بمعدلات النمو بالسنوات الأخيرة حتى تحول لانكماش بالعام الماضي، وارتفاع لمعدلات البطالة والفقر.

ومن هنا فقد ساهمت المعونات الخارجية فى تخفيف بعض آثار العجز التجاري والخدمي والعجز بالموازنة، مما دفع الدول الغربية لربط تلك المعونات بما تراه من رؤى سياسية لفرضها على الجانب الفلسطيني، وكان آخر مشهد لذلك وقف الولايات المتحدة الأمريكية الدعم الذي كانت تقدمه لوكالة غوث اللاجئين كوسيلة للضغط على الجانب الفلسطيني.

وها هي الولايات المتحدة تلوح بالمساعدات الاقتصادية لتمرير صفقة القرن، التى تضمنت بنودا لا تتسق مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مما دفع الجماهير الفلسطينية للخروج للتعبير عن رفضهم للصفقة الجديدة رغم ما تحمله من مساعدات سخية.

ولكن على الجانب العملى يظل السؤال هل يستطيع الاقتصاد الفلسطينى الاستغناء عن المساعدات الأمريكية؟
وتجيب بيانات ميزان المدفوعات الفلسطينى خلال عام 2018 على ذلك، حين تشير إلى التوزيع النسبى لموارد العملات الأجنبية خلال العام والبالغة حوالي 10 مليارات دولار، حين استحوذت أجور العاملين الفلسطينيين بإسرائيل والمستوطنات على نسبة 23 % من موارد النقد الأجنبي.

ونفس النسبة من حصيلة الصادرات السلعية الفلسطينية من زيتون وخضروات وفاكهة وحجر جيري، ونسبة 16 % من تحويلات العمالة الفلسطينية بالخارج، والتي قدر البنك الدولي عددها بنحو حوالي أربعة ملايين شخص، و15 % من الودائع والقروض الأجنبية.

المعونات المورد الخامس للنقد الأجنبي:

وبالمركز الخامس تأتى المعونات الأجنبية بنسبة 6 % من مجمل موارد النقد الأجنبي، ونفس النسبة من المتحصلات من الخدمات، تليها التدفقات الرأسمالية الداخلة بنسبة 4 % والاستثمار الأجنبى المباشر الداخل بنسبة 3 %.

وهكذا نتحدث عن معونات خارجية بلغت 614 مليون دولار من إجمالى موارد عملات أجنبية بلغت حوالي 10 مليارات دولار، ولم يكن هذا الأمر يقتصر على عام 2018 وحده، ففى عام 2017 كان نصيب المعونات الحكومية 9 % من إجمالي موارد النقد الأجنبي، بقيمة 592 مليون دولار من إجمالى يقترب من 9 مليارات من الدولارات، وفى عام 2016 كان نصيب المعونات 7 % من مجمل موارد النقد الأجنبي، بقيمة 448.5 مليون دولار من إجمالى يزيد عن 8 مليارات دولار.

ويقتضي الأمر التعرف على حجم المعونات الأمريكية لفلسطين خلال السنوات الماضية، وحسب بيانات هيئة المعونة الأمريكية للفترة ما بين عامى 2001 وحتى 2017، إذ تراوحت القيمة السنوية لتلك المعونة من 85 مليون دولار كأقل قيمة عام 2006، وحتى 1008 ملايين دولار كأعلى قيمة عام 2013، وخلال تلك السنوات السبع عشرة لم ترتفع القيمة إلى المليار دولار سوى فى عامين فقط هما 2009 و2103، بينما قلت قيمتها عن النصف مليار دولار خلال 12 عاما من تلك السنوات السبع عشر.

واختلفت البيانات الفلسطينية عن قيمة تلك المعونات الأمريكية بالفترة من 2008 وحتى 2018، لتتراوح ما بين 330 مليون دولار كأقل قيمة عام 2012، و829 مليون كأعلى رقم سنوى عام 2011، بمتوسط سنوى 528 مليون دولار خلال السنوات الـ11، مع ملاحظة تراجع قيمة المعونات خلال سنوات حكم الرئيس ترمب من 616 مليون دولار عام 2016 الى 375 مليون عام 2017 إلى 147 مليون دولار عام 2018 كقيمة تقديرية غير نهائية.

   13 مليار منح من الخمسين مليار:

وبالنظر إلى المساعدات المصاحبة لصفقة القرن والتى ذكرت وسائل الإعلام أنها تبلغ 50 مليار دولار، فقد أوضحت تفاصيل وثيقة صفقة القرن أنها تبلغ 50 مليار و670 مليون دولار، لكن مقدار المنح فيها 13.4 مليار دولار فقط، إلى جانب قروض مدعومة بقيمة 25.7 مليار دولار، ووعود بتدفقات لرؤس أموال خاصة بنحو 11.6 مليار دولار، وهكذا تمثل نسبة قيمة المنح والمساعدات نسبة 26 % فقط من القيمة الإجمالية.                             

الأمر الثانى أن تلك القيمة الكلية ليست كلها لفلسطين، ولكن نصيب الضفة الغربية وغزة منها 27.8 مليار دولار، ولمصر 9.2 مليار دولار وللأردن 7.4 مليار دولار وللبنان 6.3 مليار دولار، أى أن نصيب الضفقة وغزة تصل نسبته 55% من القيمة الإجمالية، إلى جانب الأخذ فى الاعتبار أن إنفاق تلك المبالغ من المنح والقروض المدعومة والتدفقات الخاصة ستكون خلال عشر سنوات.

وهكذا يمكن التوصل الى متوسط قيمة سنوية تقديرية للمساعدات المقترنة بصفقة القرن للفلسطنيين حوالي 734 مليون دولار، ربما تساهم فيها دول أخرى غير الولايات المتحدة كما أُثير من قبل، وهي قيمة تقل عن قيمة المعونة الأمريكية للفلسطنيين فى عامى 2009 و2013 حين بلغت بكل منهما حوالي المليار دولار.

لكن لابد من الأخذ فى الإعتبار إمكانية الضغط على الجانب الفلسطينى من خلال قيمة أجور العمالة الفلسطينية بإسرائيل والمستوطنات، والتى تمثل مورد رئيسى للإقتصاد الفلسطيني، حيث يعمل نحو 127 ألف شخص عام 2018، ويمثل متوسط أجر الواحد منهم حوالي أربع أضعاف أجر العامل فى غزه وأكثر من ضعفى أجر العامل فى الضفة الغربية.

كما يمكن للولايات المتحدة أن تضغط على حلفائها بالدول الخليجية والأوربية لخفض معوناتها للحكومة الفلسطينية لإجبارها عل قبول شروط الصفقة الجديدة.

لكن الصورة ليست قاتمة فى كل تفاصيلها داخل مكونات ميزان المدفوعات الفلسطينى، فرغم العجز التجارى المزمن والعجز الأقل قيمة بالميزان الخدمى، يظل ميزان الدخل محققا فائضا عادة، كذلك يحقق ميزان التحويلات فائضا مستمرا حتى لو انقطعت المعونات الخارجة ، بفضل تحويلات الفلسطنيين العاملين بالخارج لأسرهم ، وهى تحويلات تتسم بالثبات والإستمراية والارتفاع بأوقات الأزمات الفلسطينية ، حيث تشير بيانات البنك الدولى لزيادتها المستمرة منذ عام 2013 وحتى العام الماضى ، من 1.5 مليار دولار عام 2013 إلى 2.6 مليار دولار بالعام الماضى .

كما أن هناك فائضا عادة بالحساب الرأسمالي والمالي، بسبب الاستثمار الأجنبي المباشر والاقتراض، حتى أسفرت نتائج الميزان الكلى للمدفوعات عن التأرجح بين تحقيق فائض محدود أو عجز محدود القيمة، مما أمكن من تكوين قدر من الاحتياطيات من النقد الأجنبى بحوالى 538 مليون دولار، وهو قدر يكفي لتغطية احتياجات شهر واحد من الواردات السلعية.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه