المغتربون لا يقترعون

يتضح أن الصورة التي صنعتها وسائل الإعلام المحلية، عن الإقبال الهائل للمصريين في الخارج على التصويت، بها مبالغة فجة

                       

رغم إقرار الخبراء من أنصار النظام الحاكم في مصر بأن المصريين ليسوا من الشعوب المعروفة بالحماسة العالية للمشاركة في الانتخابات، في ضوء تجارب مريرة خلال أكثر من نصف القرن تم فبها تزوير الانتخابات بكل أنواعها، كما أن المشاركة في العملية الانتخابية بالنسبة للمصريين العاملين في الخارج أمر مستجد بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، ويحول انتشارهم الجغرافي بالبلدان التي يعملون بها عن مشاركتهم بالاقتراع، مع تركز التصويت بمقار السفارات المصرية التي تقع عادة في العاصمة فقط.

رغم كل تلك المعطيات جاءت عناوين الصحف المصرية باليوم التالي لبدء اقتراع المصريين بالانتخابات الرئاسية بالشهر الحالي، لتتحدث عن أن المصريين بهروا العالم بإقبالهم على التصويت، وأن معدلات مشاركتهم تعتبر تاريخية، وأنهم قد خرجوا بالملايين للتصويت كما ذكرت الصحيف الرسمية الأولى بالبلاد في صفتها الأولى.

رغم أنه على العكس قد يعد الخروج للتصويت ولو بالمئات مشهدا سلبيا على صورة المصريين بالخارج، بين أفراد الشعوب التي يعملون بها خاصة بالدول الديموقراطية، إذ كيف يخرجون بكثافة للمشاركة في انتخابات معروف نتيجتها منذ أسابيع قبل إجراءها، ولتأييد نظام معاد للديموقراطية.

صحيح أنه من الطبيعي أن يكون من بين المصريين المقيمين بالخارج أنصار للنظام الحالي في مصر، وأنه من الطبيعي أن يكون هناك من يؤثرون السلامة بينهم، ويرغبون في ألا يتعرضوا لمفاجآت عند عودتهم للبلاد في ضوء ما يسمعونه من مظاهر جمهورية الخوف، أو أن يلحق الضرر بأسرهم الموجودة بمصر وخاصة أبناءهم من الشباب.

كما أن منهم من يرغبون في إيجاد صلة طيبة مع السفارة المصرية ببلدهم يمكن أن تنفعهم في وقت الحاجة، ومنهم أصحاب أعمال لديهم مصالح ومشروعات بمصر يرغبون في الحفاظ عليها، وسط ما يسمعونه من تحفظ على أموال وشركات رجال أعمال، ومنهم من البسطاء من تستهويهم كاميرات الفضائيات بالظهور على شاشاتها بما يمنحهم بعض الوجاهة اللحظية في قراهم وأحيائهم التي جاءوا منها.

  أيام إجازة وانتقال مجاني

وهكذا تتجمع عدة عوامل تشجع البعض على الذهاب لمقر السفارة المصرية ببلد الإقامة للتصويت بالانتخابات الرئاسية، خاصة وأن المواعيد التي حددتها الهيئة المشرفة على الانتخابات تناسب الجميع، فهى تبدأ من الجمعة حتى الأحد، وبهذا تضمن يوم أجازة المسلمين بالدول العربية يوم الجمعة، وأجازة السبت والأحد بالدول الغربية والشرقية.

 الى جانب توفير بعض الجاليات وسائل انتقال ووجبات وأعلاما للذهاب للسفارة المصرية للتصويت، والتي تقوم بتقديم خدماتها القنصلية خلال أيام التصويت ما يساعد البعض على الانتقال المجاني والحصول على الخدمة القنصلية في الوقت نفسه والترفيه مع جو الأغاني والرقص ولقاء الأصدقاء وإمكان إرسال نقود أو غيرها للأسرة مع المسافرين منهم.

لكنه رغم كل تلك العوامل المساعدة يحول البعد الجغرافي عن الذهاب للسفارات، فلا يمكن في بلد مترامي الأطراف مثل البرازيل أو الجزائر أن يذهب المصري للعاصمة خصيصا للإدلاء بصوته، ويتكرر ذلك في باقي البلدان، فمن بين 124 دولة كان بها اقتراع كانت هناك 122 دولة بكل منها لجنة اقتراع واحدة بالعاصمة.

وإذا كانت الانتخابات بالداخل تتم مع وجود 11 ألف و687 لجنة انتخابية لتصويت نحو 59 مليون ناخب، بمتوسط 4300 ناخب للجنة، والتي عادة ما تكون بمحل الإقامة ورغم ذلك يحجم الكثيرين عن الذهاب للجان، فما بالنا بحال المغتربين ووجود اللجان على بعد مئات الكيلو مترات من مقر عملهم أو إقامتهم.

1.5 مليون ناخب للجنة بالسعودية

وإذا كان المهاجرون الذين توطنوا ببلدان الإقامة خاصة بالغرب قد فقدوا قدرا من مشاعر الارتباط، فإن آخرين يلتقطون أنفاسهم يوم الأجازة خاصة مع ظروف العمل القاسية، لاسيما من يقيمون مع أسرهم، ومن الصعب على الكثيرين ماديا دفع نفقة السفر الى العاصمة للاقتراع

 بل يمكن أن يعتبر الكثيرون ذلك تصرفا أهوجا خاصة وأن غالبيتهم يدخرون معظم دخلهم للإنفاق على أسرهم في مصر، ويقيمون في حجرات مشتركة لتقليل تكلفة السكن كما يحدث بمنطقة خيطان بالكويت مركز تجمع المصريين هناك.

والنتيجة الطبيعية لذلك عزوف الغالبية عن الذهاب للسفارات للاقتراع، وهنا يثور السؤال وبماذا نفسر التجمعات التي حدثت في السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان؟ والإجابة بسيطة، فحسب بيانات وزارة الخارجية التي أعلنها رئيس جهاز الإحصاء مع إعلان تعداد السكان عن تعداد المصريين العاملين بالخارج، وهى البيانات التي صرحت وزيرة الهجرة أنها أقل من الواقع.

فقد قيل رسميا إن عدد المصريين بالسعودية مليونان و925 ألف شخص، وغالبا يكون هؤلاء في سن العمل، وفى ضوء وجود لجنين انتخابيتين في كل من الرياض وجدة، بمتوسط حوالي 1.5 مليون شخص لكل لجنة، فهل يعتبر تجمع بضع عشرات أو حتى مئات أمام اللجنة إقبالا هائلا؟

وقل نفس الشيء بعن الأردن التي بها 1.15 مليون مصري وبها لجنتان انتخابيتان بعمان والعقبة، بمتوسط 575 ألف ناخب للجنة، فهل تجمع بضع عشرات أمام اللجنة كما جاء بالصور التي نشرتها وسائل الإعلام الرسمية يعد إقبالا هائلا؟ وهو ما تكرر في الإمارات التي بها 765 ألف مصري وكان بها لجنتان انتخابيتان في أبو ظبي ودبي، مع التصريح قبل الانتخابات عن تنظيم تسيير 50 حافلة بالسعودية لنقل المصريين للجنة الاقتراع ومثل ذلك بالإمارات لنقل المصريين من الإمارات الشمالية إلى دبي.

  نصف المليون بلجنة واحدة بالكويت

وبالطبع عندما يكون بلد الإقامة به نصف المليون مصري وبه لجنة انتخابية واحدة مثل الكويت، فمن الطبيعي أن يذهب بضع عشرات أو ربما المئات من المصريين خاصة مع بعض التوجيهات العرقية من الداخل، ونفس الأمر الالسودان وبه نصف المليون مصري ولجنة واحدة.

 وعندما تكون هناك لجنة واحدة في سلطنة عمان وتقيم السفارة حفلا به سحب على جوائز قيمة، ومأكولات مجانية في يوم الانتخابات نفسه، الذي هو يوم إجازة من العمل للمصريين، يصبح السؤال الأهم لماذا لم يذهب باقي المصريين هناك لمقر السفارة؟

وعندما تصدر تعليمات من الكنيسة لأقباط المهجر، وهو ما ظهر واضحا في باريس والنمسا والولايات المتحدة وغيرها، فمن الطبيعي أن يتواجد عدد من المصرين بلجان الاقتراع هناك، لكنه في النهاية عدد محدود.

وهكذا تمثل عوامل الاستفادة بالوقت والجهد والمال في بلد الغربة عاملا رئيسيا في ضعف الاشتراك بالاقتراع الرئاسي، فما بالنا بانتخابات محسومة نتائجها مبكرا؟

وهنا تتشارك عدة عوامل تزيد من معدلات الإحجام، فهناك من هم من أنصار المرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق وكات لديهم رغبة بترشحه، وتملكهم الغضب لمنعه من الترشح بعد سفره خصيصا من الإمارات لهذا الغرض.

 وهناك من ينتمون للتيار اليساري وأزعجهم التعسف مع رموزهم، وهناك من ينتمون للتيار الليبرالي وقد أغضبتهم تلك الانتخابات الصورية التي جلبت منافسا يؤدى دور الكومبارس بها، وهناك بالطبع من لهم أقارب وجيران بالمعتقلات أو أضيروا من النظام الحالي، وهناك من يؤيدون تيار الإسلام السياسي وقد أغضبهم ما تم معه من تعسف ومظالم .

كما أن من يقيمون بالدول الغربية ويعيشون في جو من الحريات العامة والانفتاح الإعلامي، لديهم صورة سلبية عن ممارسات النظام المصري البعيدة عن الديمقراطية.

من كل ما سبق يتضح أن الصورة التي صنعتها وسائل الإعلام المحلية، عن الإقبال الهائل للمصريين بالخارج على التصويت، بها مبالغة فجة وعدم احترام لعقول المصريين خاصة وأن الاتصال بين المصريين بالداخل وأقاربهم ببلدان الغربة، أصبح متاحا كل لحظة عبر التليفونات المحمولة ووسائل التواصل الاجتماعي، بما يتيح لهم معرفة الصورة الحقيقية لمدى إقبال المصريين بالخارج على لجان الاقتراع.

لكن إعلام الصوت الواحد، لا يخجل من أداء دور غير مهني سبق له أن أداه في العديد من المناسبات، بداية من علاج الايدز بالكفتة ومشروع المليون وحدة سكنية لشركة أرابتك الإماراتية، والنتائج الضخمة لمشروع تفريعة قناة السويس والحصيلة الكبيرة للمؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ، ما أفقده المصداقية، لكن الحرص على رضا الجنرال أكثر أهمية لديهم من رضا الجمهور.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه