متى سيأكل المصريون الأورجانيك؟!

وعد الجنرال عبد الفتاح السيسي المصريين بتوفير الخضروات الأورجانيك لكل المصريين خلال افتتاح المرحلة الأولى من المشروع القومي للصوب الزراعية الذي تقوم عليه الشركة الوطنية للزراعات المحمية، التابعة للجيش في مدينة العاشر من رمضان شمال شرقي القاهرة يوم السبت 22 ديسمبر، والذي يستهدف إنشاء 100 ألف فدان من الصوب الزراعية في عدة مناطق.
وقال السيسي، في كلمة الافتتاح: “احنا كنا دايما يقولك في السوبر ماركت الكبير دا أورجانيك.. يعنى الناس تاكل أورجانيك والمصريين مياكلوش أورجانيك ولا إيه؟ يعني اللى معاه فلوس ياكل أورجانيك… والمصريين الباقي مياكلوش؟!. لأ، إن شاء الله كله هيبقى كده، بس إنتم اجروا معانا، ونجري مع بعض عشان اللي تحقق دا النهاردة بكل تواضع أمر يسعد ويشرف، وإن شاء الله دايمًا للأمام”.

ما هو الأورجانيك؟

الطعام الأورجانيك، أو العضوي باللغة العربية، هو الذي ينتج من نباتات غير معدلة وراثيًا ولا تُعامل بأي مواد كيميائية مصنعة خلال مراحل نموها، وتعتمد على الأسمدة العضوية في تغذيتها، وتستخدم الحشرات المفترسة في مكافحة الآفات، ويحظر استخدام حمأة مياه المجاري البشرية في تسميدها، ولا تعامل بمنظمات وهرمونات النمو، ويسمح فيها باستخدام بعض المبيدات التي تشبه تلك التي يُخلقها النبات طبيعيًا بداخله.
ولا تُعنى دول العالم بتوفر الأغذية الأورجانيك، وليس في هذا تقصير أو عيب، وليست الأغذية الأورجانيك بمطلب دستوري ولا صحي ولا إنساني ولا حقوقي، وبالرغم من أن اليابان هي من أكثر الدول تشددًا في الاشتراطات الصحية الخاصة بسلامة الغذاء، لا تزيد نسبة المنتجات الأورجانيك في سوق الأغذية الياباني عن 1%، وتقل هذه النسبة في كندا عن 1%، وتصل في بريطانيا والولايات المتحدة إلى 5%، وقد تصل في بعض الدول الإسكندنافية إلى 8%، ويبقى المتوسط العالمي لاستهلاك الأغذية الأورجانيك في حدود 2% فقط، في حين تمثل الأغذية التقليدية نسبة 98% من غذاء البشر، وبالتالي لا يدعي زعيم من الزعماء أنه يستطيع كفاية الشعب بهذا النوع من الغذاء ثم يصدقه شعبه، سيما أن يكون المدعي بالأورجانيك هو الجنرال السيسي، الذي وعد المصريين كثيرًا بالرخاء فلم يجدوا إلا السراب.

صحي وليس أورجانيك

السبب في عدم انتشار الأغذية الأورجانيك رغُم دعاية الشركات المنتجة، أنها لا تختلف كثيرًا في الشكل والطعم عن التقليدية، وأن 99% من الخضروات والفاكهة التقليدية على مستوى العالم تكون في العادة مطابقة للمواصفات القياسية والتشريعات الغذائية الخاصة بالنسب المسموحة من متبقيات المبيدات، باستثناء بعض الدول التي لديها تلوث بيئي. وقد كشف عالم الكيمياء الحيوية، بروس آيمس، وزملاؤه في جامعة كاليفورنيا أن 99.99% من المبيدات الحشرية التي قد توجد في المنتجات النباتية الأمريكية تشبه مواد كيميائية تنتجها النباتات طبيعيًا بداخلها للدفاع عن نفسها ضد البكتريا والفطريات والقوارض الحشرية، وأن تعرض الإنسان لمستويات منخفضة من المبيدات المصنعة يكون غير مؤثر على صحة الإنسان.
ويبقى سبب مهم يحد من اهتمام الدول بالأغذية الأورجانيك، وهو أن انتاجية وحدة المساحة من الأراضي المنزرعة بالمحاصيل الأورجانيك تقل بنسبة 20 إلى 50% عن الزراعة التقليدية، ما يتطلب زيادة المساحة بنفس النسبة، لتعويض العجز في الإنتاج، وكذلك زيادة كمية المياه المستخدمة في الري، ما يفسر ارتفاع أسعار المنتجات العضوية بنسبة 30% في المتوسط عن أسعار المنتجات التقليدية. لذلك لا تمثل مساحة الأراضي المنزرعة عضويًا سوى 1.2% من إجمالي الأراضي الزراعية على مستوى العالم، وبالتالي يصبح التوسع في زراعتها عديم الجدوى بالنسبة للجنرال السيسي، إن كان يؤمن بالجدوى، بسبب الشح المائي في مصر.
تستخدم الدول الأسمدة الكيميائية لزيادة الانتاج الزراعي وتحقيق الأمن الغذائي، لأن كل حكومة ملزمة دستوريًا بتوفير وتأمين الغذاء الصحي، وليس الأورجانيك، وبالقدر الكافي لكل المواطنين، وفي مصر، تنص المادة 79 من الدستور على أن: “لكل مواطن الحق فى غذاء صحي وكاف، وماء نظيف، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة. كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام”. وليس ذلك كرما من الحكومات ولا جدعنة، ولكنه التزام دستوري من الحكومة أمام الشعب الذي ينتخبها ويسقطها بسهولة في أقرب استحقاق انتخابي أو بالتظاهرات الشعبية إذا قصرت في توفير الغذاء، أو في حال زادت الأسعار، وأصحاب السترات الصفراء في فرنسا خير مثال على ذلك. 

السيسي يناقض السيسي

وفي الوقت الذي يتعهد فيه السيسي بتوفير الغذاء الأورجانيك لعموم المصريين، أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكما نهائيا في مايو/أيار الماضي، يسمح للحكومة المصرية باستيراد القمح، مادة صناعة الخبز، الملوث بفطر الإرغوت، وذلك للمرة الأولى في تاريخ القضاء المصري، وفي تاريخ التشريعات الزراعية منذ بدأت مصر استيراد القمح لأول مرة مطلع ستينيات القرن الماضي، حيث يحظر على الحكومة استيراد هذا النوع من القمح، وذلك بعد طعن قدمه الجنرال بصفته رئيس الجمهورية، وطعن آخر من مجلس الوزراء ووزارة الزراعة والصحة والتموين على حكم سابق يمنع دخول قمح الإرغوت البلاد.
والإرغوت، هو فطر يصيب الإنسان الذي يتناول الخبز المصنوع من هذا القمح بالسرطان، والغرغرينا، والفشل الكبدي، ويجهض الحوامل من النساء والحيوانات، ويصيب البشر بالتشنجات، والجلطات الدموية وتساقط الأطراف، والموت بالسرطان بعد فترة من تراكم الفطر فى جسم الإنسان، ولا يتأثر بعمليات غربلة القمح الملوث به، ولا الغسيل، ولا الطحن، ولا حرارة إنضاج الخبز.
وفي عهد السيسي أصبح كثير من المصريين لا يستطيعون شراء اللحوم البلدية بسبب ارتفاع أسعارها نتيجة احتكار رجال أعمال مقربين من نظامه واردات الأعلاف، وبسبب اهمال الحكومة الرعاية البيطرية للثروة الحيوانية، ويلجأ المصريون إلى اللحوم المستوردة الرخيصة، وهي لحوم معاملة بهرمونات لزيادة نمو العجول ولكنها تسبب زيادة فرص الإصابة بسرطان الثدى فى النساء، والبروستاتا فى الرجال، وتضعف خصوبة الرجال، وتسبب عقم النساء، وقد كشف تقرير لنقابة الأطباء البيطريين بعنوان “ثروتنا الحيوانية” عن زيادة 7% في معدل الإصابة بسرطان الثدي عن السنوات الماضية. هذه اللحوم يستوردها لواءات من الجيش المصري من دول أوربا الشرقية والبرازيل وبإشارة خضراء من الجنرال السيسي الذي يدعي توفير الخضراوات الأورجانيك.

محرومون بأمر الجنرال

وفي يناير الماضي، طلبت الحكومة الروسية مضاعفة واردتها من البطاطس المصرية بنسبة 140%، واستجاب الجنرال السيسي لطلب الحليف الروسي ونفدت البطاطس من السوق المصري وارتفع سعرها إلى 15 جنيه للكيلو، وهو يفوق سعر البطاطس الأورجانيك في دول غنية مثل فرنسا والولايات المتحدة. وحدثت أزمة ضخمة، ووقف المصريون لأول مرة في طوابير طويلة تنظمها قوات الجيش والشرطة للحصول على 5 كيلو غرامات فقط. ولا يستطيع كتير من المصريين شراء الطماطم، ووصل سعرها إلى 12 جنيه، وهو يفوق سعر الأورجانيك أيضا، لأن ميزانية وزارة الزراعة صفر، وانتاج التقاوي عالية الإنتاج صفر، ويستورد القطاع الخاص تقاوي الطماطم المصابة بالأمراض النباتية وتدخل الدولة بعلم المسؤولين في الحكومة، وتسببت في كارثة هذا العام.
الجنرال السيسي يحارب زراعة الأرز، ووصل سعر الكيلو إلى 15 جنيه، وكانت مصر تصدره إلى الدول العربية والأوربية حتى 2016، وبأعلى الأسعار على مستوى العالم، ولم ترفض دولة من الدول المستوردة طن واحد من الأرز المصري، بالرغم من أنه ليس أورجانيك، وقد يروى بمياه مخلوطة بمياه الصرف الزراعي، والجميع يعلم بذلك، ولكن تشهد مختبرات الأغذية في العالم بجودته الصحية وانخفاض محتواه من العناصر السامة بالمقارنة بالأصناف الأخرى على مستوى العالم، وقد كتبت كثيرًا في جودة الأرز المصري. السيسي تعاقد على استيراد مليون طن أرز من فيتنام والصين، ولا يخفى على أحد احتواء الأرز الصيني على تركيزات عالية من الخارصين والزئبق والكادميوم المسرطن، فهل يوفر السيسي الأكل الاورجانيك للمصريين وهو يستورد لهم الأرز المسرطن، والقمح الملوث بالإرغوت، ومتى؟!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه