عيد ميلاد الكيماوي القاتل

 
هل كانت صدفة أن تضرب روسيا وبشّار الأسد دوما بالكيماوي في اليوم الذي يحتفل فيه النّظام السّوري بعيد ميلاد حزب البعث والذي كتب الشعراء المرتزقون لأجله أغنية كان الأطفال يرددونها كما يرددون تحية العلم؟
كان الأطفال يهتفون حتّى تبح حناجرهم “سبعة نيسان يا رفاق ميلاد الحزب العملاق”، والعملاق صفة يستخدمها السوريون لكلّ شيء ضخم حتّى وإن كان حاوية قمامة. وربّما للسبب نفسه أطلقوا على جل التنظيف الأخضر اسم العملاق لأنّه يقوم بالمهمة التي يقوم بها حزب البعث العملاق فيغطي كل مكان لا يرغب فيه فيمحوه من الوجود، أمّا سيدات البيوت فيستخدمنه لتنظيف الحمّامات والأرضيات والتواليت فهو يصلح لكلّ شيء حتّى لتنظيف قذارة الحزب الحاكم. 
الكيماوي في دوما:
لقد وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها بعد أن ضربت أمريكا هيروشيما بالقنبلة الذرية، كانت كارثة إنسانية أذهلت العالم وأوقفت الحرب. لكنّ العالم لم يذهله ما يحصل في سوريا على الرغم من تكالب الأمم جميعها على نهش جسد الدولة المنهارة وتحويل رئيسها المجرم إلى كرة قدم يركلها كلّ من هب ودب بقدميه علّه يصيب الهدف ويحصل على جزء من الجسد المباح. لم يعد التآمر العربي والدولي خافياً على أحد. ومع هذا ما زال الكثيرون يدفنون رؤوسهم في الرمال رافضين أن يروا الحقيقة الساطعة سطوع الشمس. مازال المؤيدون لحكم الطاغية الذي حمل ألقاباً لم يحملها طاغية قبله كلها تسخر من شخصه المهزوز والتابع الذليل لكل سيّد يشتريه بمساعدته على قمع شعبه وتدمير بلده.
الدمار الذي توّجه بقصف الغوطة بالكيماوي في ذكرى الضربة الأمريكية لمطار الشعيرات والذي كان رداً أمريكياً على قصف خان شيخون بالكيماوي! لم يكن القصف الذي طال الغوطة يستهدف سوى قتل الأبرياء والضحايا كالمعتاد معظمهم أطفال، وخرجت الصفحات المؤيدة لتقول إنّ مجزرة دوما مثلها مثل باقي المجازر مجرد مسرحية افتعلها الإرهابيون ليتهموا النظام!  لكن البعض كان من الوقاحة بحيث لام هؤلاء على جبنهم وتخاذلهم، 
فقامت صفحة دمشق الآن بكتابة منشور تقول فيه، لماذا يخاف السوريون من الغرب ويدّعون أنّهم لم يقصفوا دوما بالكيماوي؟ نعم نحن قصفناها _وبكل فخر_ بالكيماوي وسنستخدم كلّ الأسلحة للقضاء على إرهاب الإسلاميين من القنبلة وحتى النووي. هذه الوقاحة يتمتع بها كثيرون من أزلام النظام وأولهم مراسل قناة العالم “حسين مرتضى” الذي لمّح إلى ما سيحدث في دوما من خلال فيديو بثه على صفحته وبعد ست ساعات قُصفت دوما، فقام بتصوير ما يحدث مباشرة من مكان بعيد وبيده كعكة! أكانت الكعكة رمزاً دينياً كتلك التي يصنعها اليهود من دماء ضحاياهم؟ كانت عيون المراسل تنطق بالحقد والتشفي والرغبة الحقيقية بقنبلة ذرية تبيد الغوطة وأهلها وتوقف الحرب!
الحرب التي كان بإمكان جيش الإسلام الذي فاوض النظام على الخروج من دوما وإطلاق سراح المحتجزين لديه تجنيب الأبرياء ذلك الموت المجاني بخروجه من دوما مادام لم يطلق رصاصة على القصر الجمهوري وكان بإمكانه ذلك منذ الاستعراض الشهير لزهران علوش قبل مقتله.. لكنّ جيش الإسلام لم يفعل شيئاً سوى المساعدة في خنق الغوطة وأهلها وإيجاد العذر للنظام ليقصفها بكلّ أنواع الأسلحة المحرّمة دولياً، وهو الوحيد الذي لا يطلق عليه اسم فصيل بل جيش! 
إسرائيل تستنكر:
المثير في جريمة النظام ردود الأفعال العالمية الباردة واللامبالية كما مواقف العرب مقابل موقف إسرائيل.. قد لا يكون مدهشاً أن تستغل إسرائيل كل مستجد على الساحة السورية لتبرز هي بوجهها الحضاري الذي روّج له السوريون خلال السنوات الماضية فهم يقارنون من حيث لا يشعرون بين سجون إسرائيل وسجون النظام، بين معاملة الأسرى في السجون الإسرائيلية والمعتقلين عند النظام، لكن هذه المرّة لم يصدر رد الفعل عن سياسيين أو صحفيين بل عن مرجع ديني! فقد أبدى كبير حاخامات اليهود استنكاره لحرب الإبادة في سوريا ووصفها بـ”حرب الإبادة العنصرية” وقال: إنّ اليهود ملزمون “أخلاقياً” بإنهاء الإبادة الجماعية في سوريا!
قيامة مجيدة:
يتبادل السوريون المسيحيون التهنئة بالفصح المجيد “المسيح قام، حقّاً قام” لكنّ قيامته هذه السنة كانت في دوما؛ لذا كانت التهاني بالعيد تشمل ما يحدث في الغوطة إذ اعتبرها الكثيرون هدية عيد الميلاد، ومنهم الشاعر السوري الفذ نزيه أبو عفش البعثي الأصيل ابن النظام السوري الذي سار على خطى معلمه أدونيس، ونادى بإبادة السوريين وتكنّى باسم بوتين حين تدخلت روسيا لدعم الأسد وأصبح اسمه نزيه بوتين أبو عفش.. وقد كتب “قيامة مجيدة للجيش السوري” مهنئاً الجيش بإبادة أطفال دوما وأثبت بما لا يدع مجالاً للتأويل أنّ الإبداع في الكتابة منفصل تماماً عن الأخلاق وأنّه شخص وضيع لا يمكن أن يكون قد آمن بتعاليم المسيح يوماً أو حتى قرأها. لقد انحدر إلى الحضيض تاركاً الدهشة في نفوس الكثيرين ممن عرفوه وظنوه إنساناً يوماً ما. 
حصار مزدوج:
لم يقتصر الحصار على تجويع أهل الغوطة وقصفهم وتدمير بيوتهم بل اتخذ أشكالا أخرى منها منع تسرب الحقائق خارج الغوطة ومحاصرة شبكات التواصل الاجتماعي والناشطين بإغلاق حساباتهم بدعوى أنّهم ينشرون ما هو مخالف لقوانين النشر في الفيس بوك.
كما طمست الأدلة بحذف الفيديوهات التي تثبت جريمة النظام السوري وارتكابه للفظائع في دوما كما فعل في مدن أخرى من قبل. وطال الحصار على أخبار المجزرة حتّى المنشورات على تويتر فقد تم إزالة هاشتاغ “دوما تختنق بالكيماوي”.. إنّهم يخنقون دوما، لكنّ صوتها سيبقى مسموعاً في كلّ أنحاء العالم وإن أصمّ الناس آذانهم لن تتوقف دوما عن الصراخ ولن يتوقف الأحرار عن المطالبة بحريتهم حتّى لو أبيد الشعب السوري بأكمله. 
قيامة مجيدة.. 
وعيد ميلاد سعيد..!

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه