أمل جزائري وألم مصري

 

الأخبار القادمة من مصر تميت القلب والروح ولكن الأخبار القادمة من الجزائر تعطي نفحة أمل، وبينهما يوجد تونسيون رحبوا بالسيسي المتسلل إلى اجتماع الجامعة العربية وكتبوا له مرحبا بقاهر الجرذان. ولا ندري هل المرحبون به يعلمون أن السيسي لم يكتف بدم الإخوان (الجرذان) وإنما مر إلى تدمير حياة المئة مليون مصري وقطع آمالهم في نفحة حرية، بأسوأ مما يفعل بالجرذان؟

لو أتكلم يحبسوني

ازدهت فنانة فوق ركح أجنبي فقالت بحرية ما فكرت فيه أو ما طفح على روحها المخنوقة في بلادها. لحظة زهو مما يحصل لأي شخص في كل يوم. فأحيط بالفنانة حتى اصفرت من الرعب ولم تجد نصيرا. وهي تتوسل إنقاذ رقبتها من حبل مشنقة تراه معلقا. حالة فرد تكشف حالة بلد. إذا تكلم المرء بما في قلبه يسجن. وأي سجن؟. حالة الفنانة المشهورة هي حالة مائة مليون مصري مجهول تحت حكم العسكر المنقذ من الديمقراطية.

لا مجال هنا للحديث عن دور الجيش المصري في إسناد الثورة الفلسطينية لتحرير الأرض المحتلة هذا حديث من الماضي. فالمعركة القومية صارت وراء جيش مصر. ولن يلوم عربي شعب مصر على خذلان معركة الأمة. يوشك هذا أن يكون نكتة سمجة. فالناس في ضنك الخبز والهواء، أما كلام الحرية فمثير للرعب.

في المقابل ماذا يأتي من الجزائر حيث يوجد جيش آخر لا يقل عن جيش مصر قوة ولا يقل عنه طمعا في السيطرة السياسية على الداخل الجزائري؟

قائد الأركان يتغطى بالدستور.

الوضع الجزائري الحالي هش سياسيا بقطع النظر عن قوة الجيش وعن مقدرات البلد الاقتصادية. الفساد عبث بالاقتصاد الجزائري وتوزعت الثروة ومناطق النفوذ الاقتصادي بين لوبيات شرسة والرئيس الذي أفلح في إخراج البلد من الحرب الأهلية الدامية عجز نهائيا عن إدارة البلد والأحزاب علمانييها وإسلامييها صارت أشباحا لا تحرك الشارع ولا تغريه. ولكن الجيش لم يعمل على انقلاب صريح. في ظروف مهيأة لانقلاب بل تستدعيه.

لكن الرئيس قدم استقالته واعتذر. نحسن الظن بضميره الوطني فنقول تضافرت عليه قوى ثلاث أولا وجع ضميره إذ يرى شارعه يتحرك وهو عاجز عن الفعل وتصريح قائد الأركان يوم الثلاثاء 26 من مارس/آذار الذي وضع نفسه بجانب الشارع المنتفض ثم ثالثا الشارع القوى الهادرة بأناقة ورقي يرفع السقف كل أسبوع فتكون تراجعات السلطة. هنا ولد الأمل في جزائر أخرى وربما (وهذا من أحلام يقظتنا التي لن نبرحها) مغرب عربي قوي من أمة عربية مستقلة.

حركة الجيش الجزائري السياسية فتحت أفقا سياسيا غير انقلابي لا يقارن بالغطرسة الحمقاء للجيش المصري وقادته الذين سارعوا إلى الانقلاب على عملية ديمقراطية ناشئة. لا شيء يمنع جيشا قويا في بلد عربي وأفريقي خاصة من الانقلاب والتمتع بالسلطة. لن تعوزه المبررات والجمل الكبيرة. كل الذرائع متوفرة ولكن جيش الجزائر بدا لنا اقرب إلى الجيش التونسي في احترامه للشارع وصبره على مكاره التغيير. لقد بقي الجميع حتى الآن الجيش والشعب والرئيس المستقيل تحت سقف الدستور. هنا يتبلور الأمل الأفق وتتحدد الخطوات في حوض السياسة المدنية لا العسكرية الانقلابية.

قال المتشائمون أن الجيش يمهد للاستيلاء وأنه يفتح الطريق لانقلاب متدرج أو متدحرج. إذ يفترض أن يكون الجيش كتلة صامتة أو قوة غير سياسية لا تقترب من العملية السياسية.

وقال المتفائلون وهذه الورقة متفائلة إذا بدأت من المقارنة مع فعل الجيش المصري. فأن ينحاز الجيش إلى الدستور وهو القادر على خرقه يقرأ كحركة سياسية رصينة ومتفهمة لحركة الشارع المنتفض وشرعية مطالبه في تغيير سياسي سلمي.

يوجد مشهد سياسي يقوده شارع متعلم ومسالم وأوشك أن أقول شارع طاهر وقد جاء التفاعل من جنس طهر الشارع (حتى الآن). فكأن المرء يشاهد حديث فرسان نبلاء. تقفز إلى الذهن صور مشاهد محرقة رابعة. وما تلاها. ينتهي المشهد الأول برئيس يعتذر من شعبه ويطلب الصفح ولصالح جيش يبدو حتى الآن واقفا حيث يريد شعبه.

خطاب الجيش واستقالة الرئيس واعتذاره رسائل نبيلة غير متبجحة بالقوة بل موشاة بالحرص على سلامة الوطن واحترام الدستور وتقدير الشارع المسالم الذكي لطبقة سياسية عاجزة عن ابتكار الحلول لازمات بلد متأزم بالمال الفاسد والتدخلات الدولية المتربصة على حدوده والمخترق من قبل نخبة سببت حربا أهلية (هنا لا نرى فرقا بين نخبة مصر ونخبة الجزائر وهي زاوية محبطة لما نريد وما نرى من أمل).

هل ننخدع مرة أخرى؟

لكننا نسير على البيض ونخاف أن تنكسر خواطرنا مرة أخرى استقالة الرئيس بوتفليقة وعجز النخبة عن تفاهمات مع شارع عبقري سيفسح مجال فعل سياسي أوسع لجيش قوي ولا مجال لحسن النية هنا خاصة لمواطن عربي لم ير من جيوش العرب إلا كل السوء إذ كل حروبها وبطولاتها ضد شعوبها.

ولكن عوض الترويج لحذر مبالغ فيه من الجيوش وجب أن نتوجه بالنقد إلى الطبقة السياسية التي أنتجت هوان المواطن ووضعته بين الانتفاض اليومي وانتظار الخلاص بالجيوش.

ابتكار الحلول السياسية هو واجب(مهمة) النخب المفكرة والقيادات المتحركة بين الناس ولكن ننظر فنرى نخبة الجزائر كما نخبة مصر (غير بعيد منهما نخبة تونس) مشغولة بصراعات بينية على مغانم لا يمكن وصفها إلا بالتافهة. نخب تقسمها الأيديولوجيا والولاء لغير بلدانها. وكثير من نخبة الجزائر يفكر في مصلحة فرنسا أكثر من مصلحة الجزائر كأنه مسلوب العقل والإرادة. حتى أنه إزاء كل تحرك شعبي يطالب بالديمقراطية يقول إن فرنسا لا تريد ولن تسمح، كأنه موكل بالترويج لما تريد فرنسا لا ما يريد الشعب الذي ينتمي إليه. إزاء هوان النخب ماذا تفعل الجيوش؟

الشارع حكم وحيد

الشارع على حق وقد رفع من قدر نفسه بما اتخذه من وسيلة احتجاج راقية تحفظ سلامة الوطن والممتلكات. تماما كما فعل الشارع المصري في كل مفاصل ثورة يناير. وحتى اللحظة لا يمكن إلا أن نكبر دور الجيش الجزائري في حماية هذا الشارع ولعلنا نسمع لاحقا عن المشاركة في ترشيد احتجاجه من وراء حجاب. دون الوقوع في استسهال نظرية المؤامرة التي تقول أن الجيش هو الذي حرك الشارع ويتظاهر بحماية الديمقراطية. فأول مرتكزات نظرية المؤامرة هي أن الشعوب حمقاء وغبية وقطعان هائمة بلا أي وعي ولا أية تجربة.

تجربة الجزائر وجيشها حتى الآن مختلفة عن مصر وعن دور جيشها في إعدام البلد أمام أنظار العالم. ولا شكّ في أن الأيام القادمة ستكشف صدق النوايا والفعال، ومن يدري لعل خيبة مصر تعالج انطلاقا من الجزائر. فيكون رد فعل قوي يسير في شوارع القاهرة قائلا لجيش مصر كن مثل جيش الجزائر، فمهما استهنا بشارع مصر المقهور يجب أن نذكر أنه الشارع الذي اعتمد عليه الربيع العربي ليخرج إلى العالم.

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه