لهذه الأسباب.. ماكرون في القاهرة!

كل تلك الظروف دفعت الرئيس الفرنسي الى زيارة مصر وسط أوضاع بلاده المضطربة، والتظاهرات التي طالبت برحيله، يحاول تحسين ميزانه التجاري السلعي المختل

 

الناظر إلى أوضاع الاقتصاد الفرنسي يرصد عجزا متواصلا بالميزان التجاري السلعي، منذ عام 2003 وحتى العام الماضي بلا انقطاع، وهو عجز يتوقع استمراره في ضوء شح الموارد النفطية الفرنسية، إذ تنتج أقل من 1% من استهلاكها من النفط، كما تنتج أقل من نسبة واحد بالألف من استهلاكها من الغاز الطبيعي.

ورغم تحقيقها فائضا بالميزان التجاري الخدمي منذ عام 2000 وحتى العام الماضي فيما عدا عام 2016 فقط، وفائضا بميزان تحويلات العمالة بالخارج، إذ تزيد مواردها من تحويلات الفرنسيين العاملين بالخارج، عن قيمة تحويلات المهاجرين العاملين بها إلى بلادهم الأصلية.

إلا أن حساب المعاملات الجارية الذي يتضمن كلا من التجارة السلعية والخدمية والتحويلات، ظل يحقق عجزا مستمرا منذ عام 2005 وحتى العام الماضي بلا انقطاع بسبب كبر العجز التجاري السلعي.

وتعاني الاستثمارات الأجنبية المباشرة في فرنسا من زيادة الاستثمارات المباشرة الخارجة من فرنسا، عن قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الداخلة لفرنسا منذ سنوات، والنتيجة محدودية الاحتياطيات من العملات الأجنبية لتصل 156 مليار دولار عام 2017، بينما بلغت الديون الخارجية في عام 2016 نحو 5 تريليونات و360 مليار دولار.

وفيما يخص الموازنة الفرنسية فإنها مصابة بالعجز المزمن المستمر بلا انقطاع منذ عام 2001، وتوقع صندوق النقد الدولي استمرار ذلك العجز بالموازنة بلا توقف حتى عام 2023.

 ولقد ساهمت القرارات التي اتخذها الرئيس ماكرون في الشهر الماضي برفع الحد الأدنى للأجور وخفض الضرائب عن أصحاب المعاشات، وإلغاء الزيادة الأخيرة على ضرائب التأمين الاجتماعي لأرباب المعاشات الذين يتقاضون أقل من ألفى يورو، في تحميل الموازنة نفقات إضافية ستساهم في زيادة العجز.

بطالة عالية وتراجع للإنتاج الصناعي

وظلت نسبة الدين الحكومي الفرنسي إلى الناتج المحلى ترتفع منذ عام 2006، حتى تخطت نسبة الـ90% منذ عام 2012، وظلت هكذا حتى عام 2017 ..
وظلت توقعات صندوق النقد الدولي لها مرتفعة عن نسبة الـ90 حتى عام 2023، رغم أن تلك التوقعات كانت في أكتوبر 2018، أي قبل تصاعد تظاهرات السترات الصفراء والقرارات المالية التي تمت لإخمادها.

ولم تقل نسبة البطالة في فرنسا عن نسبة الـ9% منذ عام 2009 وحتى 2017، إذ تجاوزت نسبة الـ10% خلال سنوات 2013 و2014 و2015، ورغم تراجع نسبة البطالة بشكل طفيف إلى 8.9 % خلال شهري أكتوبر نوفمبر الماضيين، ليصل عدد العاطلين في نوفمبر إلى مليوني و656 ألف شخص؛ فإن بطالة الشباب أخذت منحى معاكسا ..
إذ ظلت نسبتها ترتفع ما بين شهر أغسطس من العام الماضي وحتى نوفمبر لتصل إلى 8
.21 % وليصل عدد العاطلين من الشباب 653 ألف شاب وشابة، وهؤلاء يعدون وقودا جيدا للتظاهرات.

وفي بلد يبلغ فيه عدد العمال المهاجرين ما يقرب من 8 ملايين شخص يعاني كثير منهم من ظروف صعبة بل وعنصرية أحيانا مع تنامى المد الشعبوى الفرنسي حتى دفع بمرشحة للتنافس على منصب رئيس البلاد.

وها هو مؤشر الإنتاج الصناعي الفرنسي ينخفض خلال شهور: سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر من العام الماضي، عما كان عليه بنسبة الشهور من عام 2017، حتى بلغت نسبة التراجع 9.1 % في نوفمبر الماضي.

  إيرادات سياحية مهددة بالتظاهرات

وانعكس كل ذلك على نمو الناتج المحلى الإجمالي الفرنسي، لتنخفض معدلاته منذ عام 2002 وحتى عام 2016، بل إنه أصيب بالانكماش عام 2009 جراء الأزمة المالية العالمية، ورغم تحسن النمو إلى 3.2 % عام 2017 ..

إلا إنه عاد إلى الانخفاض بالعام الماضي إلى 5.1 %، وبسبب تظاهرات أصحاب السترات الصفراء خفض صندوق النقد الدولي في يناير الحالي توقعه لنمو الاقتصاد الفرنسي الذي وضعه في أكتوبر من العام الماضي ليصبح  1.5%، ومتوقعا تحسنه الى 6.1 % فقط عام 2020.

وتعتمد فرنسا بشكل كبير على الإيرادات السياحية، خاصة وأنها ظلت لسنوات تحتفظ بالمركز الأول لعدد السياح بالعالم، والذين بلغ عددهم حوالي 87 مليون سائح عام 2017 محققين إيرادات بلغت حوالي 61 مليار دولار، وهو ما يعنى خطورة تكرار تظاهرات السترات الصفراء المصحوبة بعمليات العنف وتكسير المحلات، والاضطرار لإخلاء بعض الميادين الرئيسية، وإغلاق بعض المحلات على السياحة القادمة لفرنسا.

وتشير بيانات العجز التجاري السلعي الفرنسي البالغ 89.5 مليار دولار عام 2017 إلى تركز ذلك العجز مع الصين وألمانيا وهولندا وإيطاليا وبلجيكا واليابان، ووجود عجز تجارى مع دول أخرى منها: الولايات المتحدة وبولندا وروسيا والبرتغال والتشيك والسويد وتركيا، بل إنها حققت عجزا تجاريا مع تونس بلغ مليار و60 مليون دولار ومع المغرب قيمته 870 مليون دولار.

كل تلك الظروف دفعت الرئيس الفرنسي إلى زيارة مصر وسط أوضاع بلاده المضطربة، والتظاهرات التي طالبت برحيله، يحاول تحسين ميزانه التجاري السلعي المختل جزئيا من خلال زيادة الصادرات الفرنسية إلى مصر، والتي اتجهت للانخفاض خلال عامي 2016 و2017 حسب البيانات المصرية، لتقل من ملياري و484 مليون دولار في عام 2015 إلى مليار و730 مليون دولار في عام 2016، ثم واصلت الانخفاض خلال عام 2017 إلى مليار و480 مليون دولار.  

استثمارات ومعونات فرنسية محدودة

ورغم أن بيانات الشهور العشر الأولى من العام الماضي للتجارة بين البلدين حسب البيانات المصرية تشير إلى زيادة تلك الصادرات الفرنسية لمصر بنسبة 8 %، إلا أن استمرار نفس المعدل خلال العام الماضي كاملا بتوقع بلوغها 6.1 مليار دولار، يجعل قيمة تلك الصادرات الفرنسية أقل مما كانت عليه عام 2016 المنخفضة خلاله أصلا عن 2015، في بلد تزيد قيمة وارداته السنوية عن الستين مليارا من الدولارات. 

كذلك سيحاول ماكرون استعادة صفقات السلاح الفرنسية التي بلغت قيمتها 6 مليارات يورو، عبر بيع طائرات الرافال الأربع والعشرين والفرطاقة والسفينتين الحربيتين، لتحريك صفقة شراء مصر لعدد 12 طائرة رافال أخرى معطلة منذ عامين ..
وها هو بيان المتحدث باسم قصر الإليزيه الذي قال إنه لن يتم توقيع الصفقة خلال الزيارة الحالية لماكرون، لكنه قال إن الصفقة يمكن أن تتم خلال الأسابيع أو الشهور القليلة التالية للزيارة.

كذلك سيسعى الرئيس الفرنسي لجلب أعمال للشركات الفرنسية أسوة بما حصلت عليه ألمانيا بالأمر المباشر في مجال إنتاج الكهرباء بمصر، بعد دخول شركات دول أخرى في إكمال خطوط مترو الأنفاق التي بدأتها الشركات الفرنسية.

أما الحديث عن زيادة الاستثمارات الفرنسية بمصر فيرد عليه خروج بنك سوسوتيه الفرنسي من مصر، وضعف قيمة تلك الاستثمارات خلال السنوات الخمس الماضية من 2013 وحتى 2017، حين بلغت مليار و122 مليون دولار بمتوسط سنوي 5.224 مليون دولار، وخلال النصف الأول من العام الماضي وهى آخر بيانات منشورة بلغت قيمة الاستثمار الفرنسية بمصر أقل من 83 مليون دولار.

وإذا كان الأمر كذلك بالاستثمارات فإن الأمر بالنسبة للمعونات الفرنسية أشد انخفاضا، إذ لا تكاد بيانات البنك المركزي المصري الدورية عن المعونات الأجنبية تذكر شيئا عن نصيب فرنسا منها، سوى ما ذكرته من بلوغها 5.4 مليون دولار فقط عام 2015 ومائة ألف دولار عام 2016.

 

المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه