في ذكرى “3 يوليو”: 4 أسباب “وأدت” الاحتجاجات في مصر

تراجعت الاحتجاجات في ميادين مصر، بشكل ملحوظ خلال السنوات الأربعة الأخيرة، بعد أن كانت شهدت تصاعدًا دراميًا منذ 2011، أدى إلى الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.

وعزا ساسة وأكاديميون مصريون أسباب خلو الميادين المصرية من الاحتجاجات، خلال السنوات الأربع الأخيرة، إلى 4 أسباب، أولها الإجراءات الأمنية، يليها الشعور الشعبي بعدم جدوى الاحتجاج، ثم الخوف من الفوضى، وأخيرًا غياب الرؤية للتغيير.

بينما اتفق جميعهم على استمرار أسباب الغضب في مصر بالتوازي مع غياب آليات التغيير.

4 سنوات من الغضب إلى الكمون

وقبل 4 أعوام، وقف وزير الدفاع المصري آنذاك، الرئيس حاليًا، عبد الفتاح السيسي، وسط جمع من القيادات السياسية والدينية؛ ليعلن عن خارطة طريق، شملت عزل أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا، محمد مرسي، من منصبه، بينما المظاهرات المؤيدة والمعارضة للقرار تموج بها البلاد.

وتم احتجاز مرسي، في مكان غير معلوم عقب إطاحة قادة الجيش به بعد عام من الحكم، في 3 يوليو/تموز 2013، فيما يعتبره أنصاره “انقلابًا”، ومعارضوه “ثورة شعبية”، ثم ظهر أوائل 2014، لمحاكمته، معلنًا خلال إحدى جلسات المحاكمة أنه كان محتجزًا في “مكان عسكري”.

وشهد الاحتجاج المعارض وقتها لخطوة السيسي، مواجهات أمنية، وصفت من جانب المعارضين بأنها “قمع”، وأدت إلى “مذابح”؛ أبرزها في أغسطس/آب 2013، مع فض أمني لاعتصامي ميداني “رابعة العدوية”، و”النهضة”، بالقاهرة الكبرى.

وأسفر الفض عن سقوط 632 قتيلاً، منهم 8 شرطيين، حسب “المجلس القومي لحقوق الإنسان” في مصر (شبه حكومي)، في الوقت الذي قالت منظمات حقوقية محلية ودولية، إن أعداد القتلى تجاوزت ألف شخص.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2013، أصدر الرئيس المؤقت آنذاك عدلي منصور، قانون “تنظيم التظاهر”، لـ”مواجهة احتجاجات مؤيدي مرسي”، وأطل عام 2014، ليتبدل حال ميادين مصر الغاضبة، وتصبح المواجهات الأمنية للمظاهرات أكثر وضوحًا، وبرر السيسي، وقتها موقفه من التشديدات الأمنية ضد الاحتجاجات بأنها تعطل مسيرة الوطن.

وتراجعت نبرة الغضب في الاحتجاج خلال عامي 2015، و2016، لا سيما مع عدم استجابة ميادين مصر لدعوات التظاهر في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 ضد السيسي، بخلاف احتجاجات دامت لساعات محدودة ضد اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية في أبريل/نيسان 2016، أدت لتوقيف عشرات المحتجين، ومحاكمات أفضت لحبس وغرامات.

ورغم اتخاذ أكثر من قرار اقتصادي مؤلم للنظام متعلق بالحياة المعيشية للمصريين، مثل تحرير سعر صرف العملة في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وما تبعه من ارتفاع في أسعار السلع والخدمات، ورفع أسعار المحروقات مرتين خلال 8 أشهر، لم يستجب المصريون لدعوات للتظاهر ضد هذه الإجراءات.

وخضع “قانون التظاهر” في مصر إلى تعديلات تشريعية في أبريل/ نيسان 2016، تسمح بإلغاء السلطة الممنوحة لوزير الداخلية بمنع التظاهرات أو تغيير مسارها، واعتادت السلطات المصرية أن تتخذ إجراءات تُحجّم من الوصول إلى الميادين.

4 أسباب للكمون

ممنوع الاقتراب”، تلك اللافتة المنتشرة بمحيط المواقع العسكرية، وما في حكمها بمصر، تصير هي حال ميادين التظاهر ما إن تخرج دعوة لاحتجاج في مصر، وذلك لأسباب أربعة، وفق مختصين.

أولا: الإجراءات الأمنية

توقيف المحتجين، والتضييق الأمني وأد أي حراك شعبي”، هذا أول سبب رآه سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع السياسي بمصر، لخلو الميادين المصرية من الاحتجاج.

وتقول تقارير حقوقية غير حكومية داخل وخارج مصر، إن السجون تضم “أكثر من 40 ألف معتقل سياسي”؛ جراء اتهامات ومحاكمات أهمها متعلق بالتظاهر دون تصريح.

بينما ترد السلطات المصرية عادة، بأنها تطبق القانون وليس لديها معتقلون سياسيون، وإنما تحتجز متهمين ومدانين جنائيين خرقوا القانون، وأن الرئاسة تستخدم مؤخرا حق العفو عن كثير منهم.

واتفق الأكاديمي المصري حسن نافعة، المتخصص في العلوم السياسية، مع إبراهيم، قائلًا إن خوف الناس في السنوات الأخيرة من الاعتقال إذا احتجوا، منعهم من التظاهر، رغم الغضب من قرارات الحكومة، لافتًا إلى أن المواجهة الأمنية للاحتجاج أسفرت عن قتلى ومصابين، وهذا أمر يحد من أي احتجاج.

ورأى الدبلوماسي المصري السابق، معصوم مرزوق، وهو قيادي بحزب “تيار الكرامة” (يساري معارض)، أن “الميادين العامة باتت موقعًا لتجمعات هائلة من قوات الأمن، والمصريون يفضلون السلامة؛ خوفًا من التنكيل، والزجّ بهم في السجون”.

ثانيًا: احتجاج بلا ثمار

وزاد سعد الدين إبراهيم، سببًا ثانيًا، لخلو الميادين المصرية من الاحتجاجات، وهو إحساس قطاع كبير من المصريين بأن الثورة لم تعد عليهم بأي نفع، ولم يجنوا منها أي ثمار، بل ساءت أحوالهم المعيشية بعد كل تحرك شعبي نتج عنه تغيير سياسي.

وقال حسن نافعة إن المصريين باتوا متأكدين أن المظاهرات لن تجدي نفعًا مع السلطة الحالية.

ثالثًا: الخوف من الفوضى

دأب النظام في مصر على تحذير شعبه في أكثر من خطاب رئاسي، من مغبة مصير دولتي سوريا والعراق، في إشارة إلى تمزق الدولتين نتيجة “الفوضى الأمنية”.

والخوف من ذلك المصير، اعتبره الأكاديمي حسن نافعة، سببا ثالثًا لخلو الميادين المصرية.

وأوضح أن عددًا من دول الجوار دخلت في مأزق بسبب عدم الاستقرار السياسي فيها، لا سيما في ليبيا وسوريا واليمن والعراق، وهو ما يخيف قطاعًا من المصريين من هذا المصير.

وكذلك رأى طارق زيدان، رئيس حزب “الثورة المصرية” (يصف الحزب نفسه بأنه ذو مرجعية إسلامية معتدلة منبثقة من تعاليم وفِقه الأزهر) أن هناك تخوّفات من أن تؤدي المظاهرات إلى فوضى وهو ما لا يرضاه المصريون.

وتوقع زيدان أن أي تظاهرات تحدث حاليًا ستكون عنيفة، ولن تكون سلمية كما حدث في 25 يناير/كانون الثاني 2011.

وأوضح أن التغيير يمكن أن يحدث من خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة، والمقررة في النصف الأول من عام 2018″، مؤكدًا أن الخطوة الوحيدة التي تحمي مصر من الفوضى هي إجراء انتخابات رئاسية نزيهة.

رابعًا: غياب الرؤية

ولفت شريف الروبي، القيادي بحركة “6 أبريل- الجبهة الديمقراطية” المعارضة، إلى سبب رابع لعزوف المصريين عن التظاهر، يتمثل في غياب الرؤية البديلة لدى معارضي النظام الحالي، الذين قد يتصدرون المظاهرات.

وقال إن القوى السياسية المعارضة حاليًا لا تملك أي رؤية يمكن أن تقنع المصريين بها، أو تقود حركة تغيير شعبية، وهناك انقسامات حادة داخل الكيانات السياسية، التي شاركت في ثورة يناير.

المصدر : الأناضول