شاهد: سكان الغوطة الشرقية بين الجوع والقصف المتواصل

بصوت يملأه القهر والرجاء، يعبّر أهالي الغوطة الشرقية المحاصرة في ريف دمشق، عن مأساتهم وأوضاعهم الإنسانية القاسية، في ظل تصاعد حدة القصف والحصار المفروض من قوات النظام السوري.

فجميع السوريين في غوطة دمشق الشرقية يرون أن الوضع وصل درجة لا تطاق، وأنهم يعيشون كارثة إنسانية قل نظيرها، وسط تجاهل العالم.

وتم رصد آراء فئة من السكان في الغوطة الشرقية، الذين اتفقوا على صعوبة الظروف المعيشية وغلاء الأسعار، نتيجة الحصار واستمرار القصف.

الشاب “نادر أبو يزن” أحد سكان الغوطة قال “نعاني حصارا خانقا يفرضه النظام منذ 2011، بعد قطع كافة الطرق المؤدية إلى الغوطة، ما يمنع دخول المواد الغذائية، وفي حال دخلت فإنها أسعارها باهظة جداً”.

وأشار أبو يزن إلى زيادة ألفي ليرة سورية على كل كيلوغرام من المواد الغذائية الواصلة للغوطة، كإتاوة (كضريبة غير قانونية) يفرضها النظام.

ويفرض النظام على كل كيلوغرام واحد يسمح بإدخاله للغوطة الشرقية مبلغ ألفي ليرة سورية، أي ما يعادل أربعة دولارات كضريبة، أو ما تعرف محليًا “بالإتاوة”.

والإتاوة هي مبلغ مادي يفرض على سعر المادة؛ ونتيجة لذلك تصل المادة للأهالي بأسعار مضاعفة تفوق عشرة أضعاف.

وأوضح “كيلو القمح يصل سعره 200 ليرة، يفرض عليه النظام إتاوة ليصبح ثمنه ألفين و200 ليرة”، مضيفًا “هذه معاناة الشعب في الغوطة”.

وعلى صعيد آخر، يصف أبو يزن الاتفاقيات المبرمة حول التهدئة في الغوطة الشرقية بأنها “حبر على ورق”.

وتابع “في اتفاقية خفض التصعيد الأخيرة (تم توصل إليها نهاية 2016 في أستانة) كان من المفترض فتح الطرق وإخراج الجرحى، لكن ذلك لم يتحقق”.

ووصف حال الغوطة الشرقية قائلا “منذ شهر والقصف لم يهدأ ليلاً نهاراً، من النظام والطيران الحربي الروسي، والضحايا بالعشرات، ولا أحد يشعر بمأساتنا”.

ولخص أبو يزن وضع السكان المدنيين بعبارة “نحن نقاوم الموت”، وعزا السبب في ذلك إلى أن الحياة هناك تفتقر لكل مقومات الحياة، قائلا “كل شيء ممكن أن نعتاد عليه إلا الجوع، فهذا مستحيل”.

أما الشاب “أكرم أبو محمد” فقال إن “حصار مستمر الغوطة منذ 4 سنوات، ولم نستفد من أي حل سواء من دول الغرب أو الدول المجاورة، ولا أحد يساعدنا”.

وشكا حال الغوطة التي “تفتقر للدواء والطعام والماء واللقاحات والإسعافات الأولية”.

وعن “الإتاوات” التي يفرضها النظام على الغوطة الشرقية، أكد أبو محمد أنها تزداد كل عام.

وأوضح “كانت ألف ليرة (سورية) قبل عام، ومن ثم ارتفعت لألفين. المصاريف اليومية كبيرة ولا حل للمعاناة التي يعيشها الناس”.

وقال أبو محمد “نعمل بألفي ليرة سورية، بينما المصروف اليومي 10 آلاف ليرة.. من أين نحصل على هذا المبلغ؟”.

وأيد الشاب “أحمد أبو أحمد”، حديث أبو محمد فيقول “الإتاوات المفروضة على المواد الغذائية ضخمة، ومهما كان المبلغ المفروض صغير فهو كبير بالنسبة على الشعب”.

الشخص الذي يتقاضى ألف ليرة من عمله يحتاج إلى مصروف يصل 5 آلاف ليرة”.

واستطرد “متوسط دخل العائلة 50 دولارا، فيما مصروفها 500 دولار، ناهيك عن ظروف العمل الصعبة تحت القصف الذي لا يهدأ”.

وبنفس النبرة المتململة، قال نعمان عبد الرزاق “تضطر العائلات لتناول وجبة واحدة في النهار، بسبب ارتفاع الإتاوات المفروضة، والناس لا تعمل، فمن أين تتدبر أمورها؟”.

وشرح عبدالرزاق بمرارة الوضع المعيشي، فقال “سعر كيلو الأرز بألفين و500 ليرة وربطة الخبر بألف و500، أي أن العائلة تحتاج 4 آلاف ليرة، ورب الأسرة يعمل بألفٍ فقط، وهناك من لا يعملون”.

وطالب عبدالرزاق بـ”دول حيادية ضامنة لاتفاق خفض التصعيد. كيف لروسيا أن تكون دولة ضامنة وهي تقصفنا ليل نهار؟”.

ودعا زعماء العرب والعالم الإسلامي للتدخل لوقف القصف والحصار على الغوطة الشرقية.

وهنا قال متهكماً “أدخلت (منظمة) الأمم المتحدة معونات لا تكفي لأكثر من يوم أو يومين”.

“نحن نعيش حصارًا مطبقا وأشخاص كُثر ماتوا من شدة الجوع وقلة الدواء وقلة العلاج”، هذا وصف آخر لحال الأهالي يرويه “عبد الرحمن أبو بشير”.

أبو بشير استنكر بدوره “عدم تدخل دول العالم لصالح أهالي الغوطة الشرقية”.

وأضاف “روسيا الدولة العظمى وثاني دولة بالعالم تحارب مدينة صغيرة مثل حرستا (بريف دمشق) منذ سته أيام، واكتفى بالقول “ليس لنا إلا الله”.

أما خالد أبو محمد فقال واصفًا الوضع الصعب “الناس تبحت في منازلها على طحين أو شعير لتتناوله، ومع هذا فهو غير متوفر”.

تعودنا على القصف المستمر، لكن لا نستطيع أن نعتاد على قلة الطعام والبرد”، أضاف أبو محمد بحرقة.

والحال في الغوطة صعب للغاية على الجميع، كما وصفه أحمد أبو محمد “نعمل من الصباح حتى المغرب، وقد نجمع سعر كيلو طحين وربما لا”.

وأضاف “أحيانًا لا يسعفنا الوقت، فيوم نعمل وآخر لا نستطيع بسبب القصف المستمر”.

وقال وقهر الرجال ملء عَبرته “الله يدبر الأمور”.

وفيما تحدّث الكبار عن قساوة العيش هنا، لم تختلف أحاديث الأطفال، فقال الطفل نور “القصف مستمر في الغوطة الشرقية ولا يهدأ. ننام دون طعام ونستيقظ كذلك. ننام جياعا ونصحوا جياعا”.

وأبدى “نور” (11 عاما) حزنًا لتوقف المدارس منذ شهر بسبب القصف المستمر من قوات النظام.

وأضاف “يقصفنا (الرئيس السوري) بشار الأسد والطيران الحربي ليل نهار”.

وأيد الطفل عبدالرحمن قرينه نور بنفس الكلمات “نشتهي كل أنواع الطعام، والفاكهة في السوق أسعارها عالية”.

وتقع الغوطة الشرقية ضمن مناطق “خفض التوتر” في إطار اتفاق تم التوصل إليه العام الماضي، خلال مباحثات أستانة، بضمانة من روسيا وإيران وتركيا، وهي آخر معقل للمعارضة قرب العاصمة، وتحاصرها قوات النظام منذ 2012.

ويُواجه نحو 400 ألف مدني في المنطقة ظروفًا كارثيةً، لأن قوات النظّام تمنع دخول شحنات الإغاثة، ولا تسمح بإجلاء مئات يحتاجون لعلاج عاجل.

وفي مسعى لإحكام الحصار، كثفت قوات النظام بدعم روسي عملياتها العسكرية في الشهور الأخيرة، ويقول مسعفون إن القصف طال مستشفيات ومراكز للداع المدني.

المصدر : الأناضول