شاهد: “أنت دمر واحنا نعمر..” حكاية عامل بناء في سوريا

عندما يتولى عامل البناء أبو سالم سد فتحة نتجت عن قذيفة في بيت في منطقة تخضع لسيطرة المعارضة في جنوب سوريا فهو يعلم أنها قد لا تكون المرة الأخيرة التي يضطر فيها لإصلاح ذلك المبنى.

وقال أبو سالم إنه رغم احتمال تعرض المنزل للقصف من جديد، فإن هذا لا يمنعه من إعادة بنائه من جديد.

ويقود أبو سالم (39 عاما) مجموعة من 12 عامل بناء يقومون بإعادة بناء المباني وإصلاحها مما لحق بها من أضرار من جراء البراميل المتفجرة والغارات الجوية والقصف في مدينة درعا السورية وما حولها.

ولكن لأن الأدوات الحديثة غير متاحة ومواد البناء غالية الثمن بسبب الحرب يقوم فريق أبو سالم بهدم البيوت وخلط الخرسانة المسلحة ونقلها بأيديهم. ولم تغب عنهم روح الدعابة رغم ما يمرون به من صعاب.

فقبل ثلاثة أشهر انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي في سوريا مقطع فيديو يظهر فيه رجال ملثمون وهم راكعون في تشكيل ويرفعون العصي وينهضون على صيحات “الله أكبر”.

وللوهلة الأولى يبدو الفيديو مثالا نموذجيا للدعاية التي تطلقها في كثير من الأحيان الجماعات المسلحة في الصراع السوري. غير أن مخبره يختلف عن مظهره.

يقول أبو سالم أمام الكاميرا متهكما على قادة المعارضة الذين يقاتلون قوات النظام السوري: “بسم الله الرحمن الرحيم. أنا أبو سالم المحاميد وأنا أعلن عن تشكيل كتيبة صب الباطون (الخرسانة) في المناطق المحررة”.

ويصيح أبو سالم قائلا: “انت دمر واحنا بنعمر بإذن الله. تكبير!” فيكبر رجاله ويهللون ثم ينخرط الجميع في الضحك.

ودمرت الحرب السورية الاقتصاد الوطني وقسمت البلاد إلى مناطق سيطرة مختلفة فرقت بدورها طرق التجارة ورفعت الأسعار وتسببت في نقص محلي في السلع الأساسية.

غير أن المال أعلى صوتا في بعض الأحيان من الولاءات السياسية ومازالت السلع تجد طريقها في مختلف أنحاء سوريا عبر الخطوط الأمامية من خلال دفع رشاوى وإتاوات كبيرة عند الحواجز الأمنية.

ويعيش أبو سالم في منطقة تخضع لسيطرة المعارضة لكنه يجلب مواد البناء التي يستخدمها من مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة.

وقال إن الإسمنت الذي يحصل عليه من دمشق قد يبلغ سعره حوالي 30 ألف ليرة للطن من مصدره، لكنه يصل إلى درعا بسعر 50 ألف أو 55 ألف ليرة بعد المرور عبر مختلف الحواجز الأمنية.

ويشعر أبو سالم بحماس شديد تجاه عمله في بناء وإصلاح ما تهدم لكنه يتحسر لأنه يعجز عن أداء المهمة على الوجه الأمثل؛ فلا يوجد مهندسون أو أساليب بناء حديثة أو خلاطات أسمنت. ويعيد هو وزملاؤه استعمال الركام وأسياخ الصلب من البيوت المهدمة ويعملون بأيديهم العارية.

ويقول أبو سالم الذي اضطر لإخلاء بيته وإصلاحه مما لحق به من جراء الغارات الجوية طبعا نوعية العمارة تغيرت بشكل كبير عن الأولمضيفا أنه لو وجدت المعدات لتمكن فريقه من العمل بشكل أسرع.

ويحصل أعضاء الكتيبة على أجورهم وفق قدرة الزبائن وتتراوح قيمة الأجر ما بين أربعة وخمسة دولارات في اليوم.

وأضاف أنه يقف هو ورجاله على استعداد لمساعدة أي أطراف تتفق في النهاية على إعادة إعمار سوريا.

المصدر : رويترز