المنسيون في السجون السورية منذ عقود

بدون محامين أو محاكمات عادلة، ودون أن يعرفوا مصيرهم، يقبع سجناء سياسيون في السجون السورية منذ سنوات طويلة. وكان قرابة 1500 منهم قد تم ترحيلهم من سجن صيدنايا في شهر يوليو/تموز الماضي إلى سجون أخرى، ولا يزال النظام مصرا على إنكار وجودهم.

وكانت السلطات السورية قد تحايلت على المراقبين العرب فحالت دون لقائهم للسجناء أثناء زيارتهم للسجون، كما أعطي أحد الذين أطلق سراحهم بطاقة تزعم أنه محكوم بالسجن المؤبد (25 سنة)، رغم أن مدة اعتقاله تجاوزت ذلك، ولم يسمح للجنة المراقبين بمقابلته.

رفاق السجن
طارق الغوراني اعتقل في منتصف العقد الماضي لأكثر من خمسة أعوام بسبب نشاطه المعارض على شبكة الإنترنت، وقد خرج بذاكرة تعج بقصص مؤلمة، وتحدث للجزيرة نت عن حكايات زملائه الذين ما زالوا يعيشون خوفا مستمرا من الموت.

ويقول الغوراني (31 عاما) إن زميله يعقوب قضى خمسة أعوام في زنزانة انفرادية بسجن المزة منتظرا إعدامه كل يوم، إذ كان يشاهد الإعدامات من ثقب بالباب ويسمع كيف تكسر الرقاب منتظرا دوره.

رغيد الططري ما زال معتقلا منذ أكثر
من 30 عاما (الجزيرة نت-أرشيف)

أما السجين الأقدم رغيد أحمد الططري فما زال معتقلا منذ عام 1981، وقد نقل مؤخرا إلى سجن عدرا، وكان طيارا عسكريا قبل اندلاع ظاهرة هروب الطيارين في الثمانينيات، فاعتقل لمجرد الاشتباه في علاقته بهروب طائرتين إلى الأردن.

ومن أغرب القصص -التي رواها الغوراني- قصة اعتقال الفارس محمد عدنان قصار بسبب سباق خيل تغلب فيه على باسل الأسد -الابن الأكبر لحافظ الأسد- عام 1993، وعندما توفي باسل بحادث سيارة في العام التالي نال قصار نصيبا أكبر من التعذيب في سجن تدمر.

ويقول الغوراني إن قصار كان إحدى الودائع التي تركها باسل الأسد في السجن، وبما أن الأخير توفي فقد تعقدت قضيته، كما حدث مع آخرين أودعهم الأسد الأب وأصبحوا منسيين في السجون بعد وفاته.

ومن المنسيين أيضا وليد أيوب بركات المعتقل منذ 1982، وهو من مواليد القدس. ويقول الغوراني إنه كان مسافرا على متن طائرة متوجهة إلى بيروت فهبطت الطائرة اضطراريا في دمشق بسبب الحرب الأهلية اللبنانية، وقبض عليه ليودع في السجن.

ويذكر الغوراني أيضا الفلسطيني بشار سعيد المعتقل منذ عام 1985، وهو من أبناء جنين الذين انتقلوا إلى سوريا للتعاون مع فصائل المقاومة، لكن خلافه مع الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/القيادة العامة أحمد جبريل تسبب في سجنه ومحاكمته ميدانيا، حسب قوله.

الغوراني يناشد الحقوقيين دعم المغيبين في السجون السورية والكشف عن مصير الموتى  (الجزيرة نت)

محاكمات ميدانية
ويشترك حوالي 1400 سجين في سوء ظروفهم وتعرضهم للتعذيب، ويقول الغوراني إن الكثير منهم توفوا لأنهم لم يسعفوا أو لم يجدوا ما يكفيهم من الماء.

وتقتصر المحاكمات الميدانية على وقوف السجين لثوان أمام القاضي الذي يقرأ اسمه ويلحقه بشتيمة، ثم ينصرف دون أن يعرف السجين شيئا عن قضيته أو مدة محكوميته، ليعيش على أمل الإفراج عنه كل خمس سنوات.

ويذكر الغوراني أن “الجنرالين سليمان الخطيب وحسن قعقاع من الفرقة التاسعة قاما بمحاكمة هؤلاء، وأعدما الآلاف في سجن تدمر خلال الثمانينيات”، ويطالب بمحاكمات عادلة قائمة على أدلة وقرائن بدلا من الاشتباه.

ويرى أن الإبقاء على هؤلاء المعتقلين سنوات طويلة مرتبط بالتغطية على ملف السجناء الذين أعدموا في المحاكمات الميدانية بسجن تدمر ولم يتم تسجيل وفياتهم في السجل المدني، كما لا يعرف ذووهم ما إن كانوا على قيد الحياة، لذا فإن الإبقاء على البعض منسيا في السجون يترك الباب مفتوحا على كل الاحتمالات.

ويختتم الغوراني حديثه للجزيرة نت بمناشدة منظمات حقوق الإنسان لدعم قضايا هؤلاء المغيبين منذ سنوات طويلة، والكشف عن مصير آلاف السجناء الذين أعدموا، فمن حق ذويهم أن يتأكدوا من وفياتهم بدلا من تعليق حياتهم على آمال كاذبة لعقود طويلة.

ويشار إلى أن محكمة أمن الدولة هي محكمة استثنائية ذات جلسات سرية، وتعد أحكامها مبرمة وغير قابلة للاستئناف، وكانت قد ألغيت بعيد اندلاع الثورة السورية مع إلغاء حالة الطوارئ. ويؤكد حقوقيون أن المحاكمات الميدانية لا تزال مستمرة في سوريا وعلى نحو أسوأ من ذي قبل.