24 عاما على مجزرة الحرم الإبراهيمي

“كانت الساعة تقارب الخامسة فجر يوم الجمعة الخامس والعشرين من فبراير/شباط عام 1994، الموافق 15 رمضان، كنت إماما للمصلين في حرم المسجد الإبراهيمي”.

“بدأت في الركعة الثانية، وانتهيت منها، وركعت وانتهيت من الركوع، وهممت بالنزول للسجود، وما إن وضعت رأسي على السجادة للسجود حتى انهمر الرصاص فوق رؤوس المصلين وأجسادهم، وعلت التكبيرات والصراخ…” هكذا وصف إمام المسجد الإبراهيمي الشيخ عادل إدريس (أبو أنيس) صباح يوم المذبحة والمشهد المروع.

ويضيف الشيخ إدريس في حديث لـ(المركز الفلسطيني للإعلام) “الأشلاء من حولي تتطاير.. أدمغة أحد الشهداء انتثرت على عباءتي.. الدماء تنهمر فوق السجاد، صرخات التكبير جلجلت في المكان.. مذبحة مروعة قام بها المستوطن العنصري باروخ غولدشتاين أدت إلى استشهاد 29 مصليًا، وإصابة 15 آخرين، فيما انقض أحد المصلين على المستوطن فقتله”.

في صباح ذلك اليوم الدامي، وقف المستوطن باروخ غولدشتاين خلف أحد أعمدة المسجد، وانتظر حتى سجد المصلون وفتح نيران سلاحه الرشاش عليهم وهم سجود، في نفس الوقت قام آخرون بمساعدته في تعبئة الذخيرة التي احتوت “رصاص دمدم” متفجر، واخترقت شظايا القنابل والرصاص رؤوس المصلين ورقابهم وظهورهم.

وبعد انتهاء المذبحة، أغلق جنود الاحتلال الموجودون في الحرم أبواب المسجد لمنع المصلين من الهرب، كما منعوا القادمين من خارج الحرم من الوصول إلى ساحته لإنقاذ الجرحى.

وأثناء تشييع ضحايا المجزرة، أطلق جنود إسرائيليون رصاصًا على المشيعين، فقتلوا عددا منهم، ما رفع عدد الضحايا إلى 50 شهيدا و150 جريحًا.

وعقب المجزرة وفي اليوم نفسه، تصاعد التوتر في مدينة الخليل وقراها وكافة المدن الفلسطينية وداخل مناطق الخط الأخضر، وقد بلغ عدد القتلى نتيجة المصادمات مع جنود الاحتلال حينها 60 شهيدًا.

ويقع المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، وهو محط أنظار اليهود الصهاينة، واستغلت سلطات الاحتلال الحادث لتقسيم الحرم بين المسلمين واليهود، وممارسة سياسات التهويد والاستيطان بمدينة الخليل ومحيطها.

أغلقت قوات الاحتلال الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة ستة شهور كاملة بدعوى التحقيق في المجزرة، وشكّلت من طرف واحد لجنة عرفت باسم “شمغار” للتحقيق في المجزرة وأسبابها.

وخرجت اللجنة في حينه بعدة توصيات، منها تقسيم الحرم الإبراهيمي إلى كنيس ومسجد، بحيث يفتح الحرم كاملا عشرة أيام للمسلمين في السنة فقط، ونفس المدة لليهود.

وفرضت إسرائيل واقع احتلال على حياة المواطنين في البلدة القديمة، ووضعت الحراسات المشددة على الحرم ووضعت على مداخله بوابات إلكترونية، وأعطت اليهود الحق في السيادة على الجزء الأكبر منه (حوالي 60%) بهدف تهويده والاستيلاء عليه.

وانتقاما لشهداء المجزرة، نفذت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لـ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) خمس عمليات استشهادية بين أبريل/نيسان وديسمبر/كانون الأول 1994 قتل فيها 36 إسرائيليا وجرح أكثر من 100 آخرين.

واليوم في الذكرى الرابعة والعشرين لمجزرة الحرم الإبراهيمي، أكدت دائرة الأوقاف الإسلامية حرمة الحرم الإبراهيمي الشريف، وإسلاميته، ومكانته التاريخية، والدينية، وأنه إسلامي خالص للمسلمين، لا يشاركهم في هذا الحق أيا كان، حسبما ذكرت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية “وفا”.

وطالبت دائرة الأوقاف في بيان (الأحد) بعودة الحرم الإبراهيمي لسيادة الأوقاف الإسلامية الكاملة عليه، وإخراج المستوطنين من القسم المغتصب فيه.

وأشارت الأوقاف إلى أن الحرم الإبراهيمي سُجل على قائمة التراث العالي المهدد بالخطر في منظمة “اليونسكو”، مطالبة المنظمة والدول التي صدرت وصوتت للقرار بتحمل مسؤولياتهم تجاهه، وكافة المؤسسات المحلية والدولية لوضع حد لهذه العنجهية، والعبث الخطير بحاضر ومستقبل الحرم، من قبل الاحتلال، ومستوطنيه.

 كما طالبت كافة المنظمات الأممية والدولية بالوقوف أمام هذه الهجمة المسعورة للحفاظ على قدسية ومكانة المسجد.

المصدر : الجزيرة + وسائل إعلام فلسطينية