هيرست: تونس أمام خطر انقلاب مدعوم من السعودية والإمارات

الباجي قايد السبسي (يمين) ورئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي

حذر الصحفي البريطاني ديفيد هيرست من انقلاب خليجي محتمل في تونس بدعم من السعودية والإمارات جراء ما وصفه بـ “خضوع الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي لإغراءات الرياض وأبو ظبى.

وتحت عنوان (تونس أمام خطر انقلاب مدعوم خليجيا، هل سيسمح العالم بذلك؟) كتب هيرست في مقال بموقع “ميدل إيست آي”، الخميس، أن وجود حركة إسلامية سلمية ممثلة بحركة النهضة في تونس تعتبره بعض الديكتاتوريات في الخليج ومصر شوكة في جنبها، وتسعى هذه الديكتاتوريات للقضاء على التجربة الديمقراطية الهشة في تونس.

وتساءل الكاتب هل ستجلس أوربا التي تحكمها البرلمانات الديمقراطية على الهامش تتفرج وهم يخربون برلمان تونس؟ وهل سيقف العالم متفرجا مرة أخرى في صمت ويترك طغاة الخليج يدبرون انقلابا آخر وتدخلا آخر.

ماذا جاء في المقال؟
  • العلاقة بين راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة التونسي والأب الإسلامي للربيع العربي، وباجي قايد السبسي، رئيس تونس وأحد “الذئاب القديمة” من أيام الرئيس السابق الحبيب بورقيبة، تشبه في طبيعتها صداقة نشأت بين مارتين ماغنيس، رئيس الأركان السابق للجيش الجمهوري الأيرلندي، وإيان بيزلي، الزعيم الراحل للحزب الديمقراطي الوحدوي – اللذين كانا ألد الأعداء في الحرب ثم أصبحا في عهد السلام صديقين حميمين.
  •   يؤمن الغنوشي بالإسلام والديمقراطية والثورة، بينما يعتبر السبسي متآمراً تقليدياً من أركان النظام التونسي القديم. يتكون حزبه من ائتلاف بين الرأسماليين والقوميين والعلمانيين الذين لم يجمعهم سوى رغبتهم في إنهاء وجود إسلاميي النهضة من خارطة السياسة في البلاد، ومع ذلك، ظلت تلك العلاقة قائمة على مدى السنوات الأربع الماضية، بعد تبلور العلاقة عبر مفاوضات سرية في باريس في العام 2013، وأثمرت تحالفاً أنهى أزمة فجرها اغتيال اثنين من السياسيين اليساريين هما شكري بلعيد ومحمد براهمي. وبذلك حصل الإسلاميون على دستورهم بينما حصل السبسي على السلطة.
زيارة ابن سلمان لتونس
  • بعد أن غادر ابن سلمان، خلف من ورائه ثلاثة من مستشاريه الخاصين، حيث يتم في هذه الأثناء جلب مدافع ثقيلة أخرى إلى الساحة. وأحد هذه المدافع السفير الإماراتي الجديد في تونس، راشد محمد المنصوري.
  • المنصوري كان قد لعب دوراً أساسياً في إقناع زعيم الكرد العراقيين مسعود البرزاني بأنه لو توجه نحو الاستفتاء على الاستقلال فإن كردستان ستحظى بالدعم المالي من الخليج. وبالفعل، قام ابن البرزاني، منصور، الذي كان يشغل منصب رئيس مجلس الأمن القومي، بزيارة سرية إلى أبو ظبي قبل شهر واحد فقط من الاستفتاء الذي أجري في الخامس والعشرين من سبتمبر/أيلول الأول.
  • السبسي -الذي قاوم إغراءات أنظمة خليجية قبل أربعة أعوام- لم يعد الآن يقاومها، فقد زاره الملياردير المصري نجيب ساويرس يوم 19 من نوفمبر/تشرين الثاني في قصر قرطاج بهدف “تطوير شراكات مع عدد من المؤسسات التونسية”. وهي الزيارة التي فجرت غضب النشطاء الذين وصفوه بـ “عراب الانقلاب المصري.”
  • لا يحمل أي من ذلك أخباراً سارة. ونعلم ما الذي ينبغي أن نتوقعه. قد يحدث المزيد من الفوضى وقد يقع المزيد من الاغتيالات السياسية والتي لا يعلم أحد يقيناً من أين جاءت، وإن كان سيتم إلصاقها تقليديا بحركة النهضة مما قد يثبت أن تجربة تونس الغضة مع الديمقراطية قصيرة العمر.
  • توقفت منذ زمن بعيد عن توقع أن يصحو السياسيون الغربيون من غفلتهم ويتنبهوا إلى عواقب إبرامهم الصفقات مع الطغاة. وإن كانت حركة النهضة تعرب عن ثقتها بأن تونس في 2018 بلد مختلف، وسوف نرى ما إذا كان لهذه الثقة ما يبررها.
  • من المفروض أن تُجرى في العام القادم انتخابات برلمانية ورئاسية، وما من شك في أن صعود أسهم النهضة ورئيس الوزراء الشاهد في استطلاعات الرأي سيحفز السبسي وحلفاءه الجدد في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة على بذل ما في وسعهم لتغيير النتيجة.
  • هل ستجلس أوربا التي تهيمن عليها البرلمانات على الهامش متفرجة عليهم وهم يخربون البرلمان في تونس؟
  • هل سيقف العالم مرة أخرى صامتاً ويسمح لطغاة الخليج بتنفيذ انقلاب آخر، والقيام بتدخل آخر؟ ربما يكون تونس بلد صغير، ولكنه يطرح أسئلة كبيرة.
الوضع السياسي
  • يذكر للسبسي وللرجال المقربين منه أنهم نأوا بأنفسهم عن عروض تلقوها للحصول على كميات ضخمة من النقد السعودي والإماراتي، وفضلوا بدلاً من ذلك التمسك “بتحالف سياسي” جلب لتونس قدراً من الاستقرار السياسي، غير أن الإجماع التونسي كانت له أيضا مشاكله. فحركة النهضة، ثاني أقوى حزب بعد انتخابات عام 2014، كانت – اسمياً على الأقل – جزءاً من الحكومة، وبذلك لم يعد ثمة وجود فعلي لأية معارضة. 
  • كلا الحزبين، نداء تونس والنهضة، دعما مقاربة أمنية لمكافحة الإرهاب واعتنقا العقيدة الكلاسيكية لصندوق النقد الدولي، الذي أبقى الدولة معتمدة عليه للبقاء على قيد الحياة ولكن لم يقدم الكثير سوى ذلك.
  • البلاد شهدت في يناير / كانون الثاني الماضي احتجاجات عنيفة ودعا الاتحاد العام للشغل إلى إضراب عام يوم السابع عشر من يناير / كانون الثاني 2019.
  •  عندما تخلصت النهضة من ماركة الإسلام السياسي وأعلنت الفصل بين المسجد والحزب وأطلقت على نفسها اسم “الديمقراطي المسلم”، أشاد بها السبسي معتبراً إياها حزباً تونسياً عصرياً. لم تكن تلك الخطوة من قبل قيادة النهضة بلا معارضة، بل تعرض الغنوشي للنقد واتهم بأنه يقوض حركته وينهى وجود الثورة.
من يخلف السبسي؟
  • الذئب القديم المتمثل في شخص السبسي لم يختف بتاتاً. وعندما استبد به القلق بشأن خلافته، كما يحصل مع جميع الرؤساء الذين يبلغون من العمر 92 عاماً، راح يدفع بابنه، القاصر سياسياً، حافظ قايد السبسي، للمقدمة ليكون خليفته من بعده، فما كان من تلك الرغبة في إيجاد سلالة حاكمة إلا أن فجرت شقاقاً بعد الآخر داخل حزبه، وكان أول المغادرين محسن مرزوق الأمين العام لحزب النداء، والذي شكل حزباً خاصاً به أطلق عليه اسم “مشروع تونس”.
  • نجم عن الانقسامات تآكل أغلبية النداء داخل البرلمان، وبذلك أصبحت النهضة، التي جاءت في المرتبة الثانية في انتخابات عام 2014 (69 مقعداً) من مجموع 217، الحزب الأكبر داخل البرلمان. منذ ذلك الحين، انشق عن النداء نصف الأعضاء الستة والثمانين داخل البرلمان. ثم لم يلبث أن تولد المزيد من التوتر حينما عمد نداء تونس لتعيين تكنوقراط عديم الخبرة، (يوسف الشاهد)، رئيساً للوزراء في محاولة للخروج من الأزمة السياسية. 
  • كان هناك أسلوبان مختلفان لممارسة السلطة يناقض كل منهما الأخر مناقضة تامة. أما الأول، فهو على النحو التالي: أياً كان رئيس الوزراء، فما هو سوى نادل القهوة في خدمة الرئيس. وقد عبر عن ذلك حافظ السبسي بشكل واضح في تسجيل مسرب لما صرح به في أحد لقاءات الحزب في عام 2017، حين قال: “لم نضع الشاهد في هذا الموقع حتى يتمكن من تعيين متعاونين لا نعرفهم أو حتى يعامل الوزراء من نداء تونس بهذا الشكل”.
  • وأما الثاني: تغيرت الأمور بعد سبعة أعوام من الثورة التي أطاحت بزين العابدين بن علي. يوجد الآن دستور يضمن الفصل بين السلطات ويمنح جميع السلطة التنفيذية تقريباً لرئيس الوزراء. 
الرئيس التونسي باجي السبسي (يسار) ورئيس الوزراء يوسف الشاهد (يمين)

 

المصدر : الجزيرة مباشر + ميدل إيست آي