هل يصنع السيسي كوادر دولته بمؤتمرات الشباب؟!

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال منتدى الشباب

بينما اختار الرئيس المصري لأحد منتديات الشبابية شعار “يجب أن نتكلم”، وأعلن سابقا أن عام 2016 هو عام الشباب يعيش الشباب في مصر محاصرين بثالوث القمع والهجرة والبطالة.

وفيما قطع عبد الفتاح السيسي وعدا بتأمين تواصل الشباب مع صانعي القرار ليتمكنوا من مشاركة آرائهم وخبراتهم حول التنمية والمجتمع المدني وريادة الأعمال وحل النزاعات وحرية الإعلام.

تكشف الوقائع التي يسلط هذا التقرير الضوء عليها مدى التناقض المباشر مع سياسات الدولة المصرية التي تفرض قيوداً على حرية التعبير لدى الشباب، عبر ترسانة من القوانين والسياسات التي تهدف إلى جعل النقاش يقتصر فقط على ما يريد النظام سماعه.

حالة محمد عادل:
  • “محمد عادل” ناشط سياسي مصري من مؤسسي حركة شباب السادس من أبريل، ولد في أغسطس/ آب 1988، أي أنه عندما كان يقضي عقوبة السجن ثلاث سنوات بتهمة خرق قانون التظاهر، كان ضمن شريحة عمرية قدر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر عددها بأكثر من 21 مليون شخص، تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاما، ممثلة 21% تقريبا من سكان البلاد.
  • أنهى عادل عقوبة السجن ثم أطلق سراحه ليدخل في عقوبة أخرى هي قضاء ثلاث سنوات أخرى تحت ” المراقبة ” والتي تعنى أن يبيت يوميا 12 ساعة في قسم الشرطة التابع له بمحافظة الدقهلية المصرية، وخلال تنفيذه هذه العقوبة اتهم في قضية جديدة هي “بث أخبار كاذبة”.
  • وفي 9 يناير / كانون الثاني 2019 أصدرت محكمة مصرية حكما جديدا بالسجن 15 عاما وغرامة ستة ملايين جنيه (نحو 330 ألف دولار) على ناشط سياسي مصري آخر هو ” أحمد دومة في القضية المعروفة باسم ” أحداث مجلس الوزراء “، بعدما وجهت له اتهامات بينها التجمهر، وحيازة سلاح أبيض، والتعدي على أفراد من الجيش، والشرطة وحرق المجمع العلمي، والتعدي على مبان حكومية أخرى من بينها مقر مجلس الوزراء.
محمد عادل الناشط بحركة "6 أبريل" المعارضة (أرشيفية)
السيسي والشباب:

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، شدد على ضرورة انعقاد مؤتمرات دورية لبحث مشكلات الشباب، خلال جلسة على هامش فعاليات منتدى الشباب العربي والأفريقي، الذي عقد بمدينة أسوان، في 16 مارس / آذار الجاري.

خلال المنتدى قال السيسي إن الحكومة المصرية استفادت من إيجاد منصة شبابية، وإن هذه المنصة لم تكن توجد أبدا قبل هذه اللقاءات، وتابع قائلا إن نظامه أعد برامج لتأهيل شباب لـ ” قيادة الدولة ” عبر تأسيس “الأكاديمية الوطنية لتدريب الشباب” لإعدادهم لتولي مناصب بالنظام والحكومة.

ومن المعروف أن “المؤتمر الوطني الأول للشباب ” في مصر  انعقد في شهر أكتوبر / تشرين الأول 2016 بمدينة شرم الشيخ المصرية، وصدرت عنه توصيات منها: تشكيل لجنة وطنية من الشباب بإشراف مباشر من رئاسة الجمهورية، لفحص ومراجعة موقف الشباب المحبوسين على ذمة قضايا، ولم تصدر بحقهم أية أحكام قضائية، وكذلك ” قيام الحكومة بالتنسيق مع الجهات المعنية بالدولة بدراسة مقترحات ومشروعات تعديل قانون التظاهر”.

كان من بين توصيات المؤتمر الوطني الأول للشباب قيام الحكومة بدعوة شباب الأحزاب والقوى السياسية لإعداد برامج وسياسات تسهم في نشر ثقافة العمل التطوعي من خلال كافة الوسائل والأدوات السياسية.

قوائم العفو عن المعتقلين تخلو من السياسيين:
  • رغم توصيات ” المؤتمر الوطني الأول للشباب ” بشأن المعتقلين من دون أسباب، إلا أن قوائم العفو التي أعدتها لجنة تحت إشراف رئاسة الجمهورية خلت من أي ذكر للمعتقلين الشباب التابعين لحركات سياسية سواء لاتهامهم بأنشطة لا يرضى عنها النظام، أو بتهمة خرق قانون التظاهر، وهو الأمر الذي دفع جريدة ” البوابة ” المؤيدة لنظام السيسي لنشر تقرير في 26 سبتمبر/ أيلول 2018 تحت عنوان ” العفو الرئاسي بمصر.. حلال على الجنائيين حرام على السياسيين”.
  • جراء هذا المناخ باتت الحياة السياسية المصرية خالية من أي نشاط يذكر للحركات السياسية الشبابية مثل ” شباب السادس من أبريل ” و ” الاشتراكيون الثوريون ” و ” العيش والحرية ” وغيرها من الحركات.
النشطاء في السجون:

لا يقتصر غياب الحركات السياسية الشبابية المصرية على خلو الساحة من أنشطتها، بل إن سجلات السجون المصرية وأضابير القضايا المنظورة أمام القضاء بالبلاد تمتلئ بأسماء الكثير من النشطاء السياسيين الشبان المعتقلين على ذمة قضايا مختلفة، أو الذين سجنوا ثم خرجوا وما زالوا خاضعين لإجراءات احترازية تمنعهم من المشاركة العامة، والأمر لا يقتصر على أسماء مثل ” محمد عادل ” أو ” أحمد دومة ” الذين أشرنا لهما في بداية التقرير، بل إن القائمة طويلة، وتشمل..

أحمد ماهر:

  • في الخامس من يناير / كانون الثاني 2017 أطلقت السلطات المصرية سراح الناشط السياسي أحمد ماهر، منسق حركة ” شباب السادس من أبريل” بعدما أكمل مدة عقوبة بالسجن ثلاث سنوات لإدانته بانتهاك قانون التظاهر، و منذ ذلك الوقت يقضي ماهر عقوبة ” المراقبة ” لثلاث سنوات أخرى، أي أنه سينهي هذه العقوبة في يناير 2020، وبموجبها يتعين على ماهر قضاء عدة ساعات يوميا في قسم الشرطة التابع له مسكنه بالقاهرة.

كانت الشرطة المصرية قد ألقت القبض على ماهر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 أثناء وقفة احتجاجية ضد قانون التظاهر، وأدين ماهر مع كل من محمد عادل وأحمد دومة.

شادي الغزالي حرب:

  • في الثامن من يناير/ كانون الثاني 2019 جددت محكمة جنايات الجيزة بمصر حبس الناشط السياسي ” شادي الغزالي حرب”، مع آخرين، بتهمة نشر أخبار كاذبة من شأنها التأثير على الأمن القومي للبلاد، والانضمام لجماعة أسست خلافا لأحكام القانون والدستور.
  • والغزالي ناشط سياسي ليبرالي شاب ارتبط اسمه بثورة يناير، وكان من قيادات “ائتلاف شباب الثورة” بعد تنحى الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، كما كان الغزالي قياديا بحزب الدستور.
شادي الغزالي حرب

هيثم محمدين:

  • محام وناشط حقوقي مصري، قيادي بحركة ” الاشتراكيون الثوريون “، وهو من أبرز المدافعين عن حقوق العمال في مصر، والده ” فوزي محمدين ” كان أيضا ناشطا عماليا بارزا، تم اعتقاله يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2011، أول أيام الثورة المصرية، كما تم اعتقاله مع آخرين في 2016 على خلفية مشاركته في تظاهرات رافضة لتوقيع النظام المصري على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، في 8 أبريل/ نيسان من العام نفسه، والتي تم بموجبها التنازل عن جزيرتي “تيران وصنافير” للمملكة.
  • في مايو/ أيار 2018 تم اعتقال هيثم محمدين مرة جديدة بتهمة المشاركة في أعمال تجمهر وعنف داخل إحدى محطات مترو الانفاق بالقاهرة، وتم تجديد حبسه في أغسطس / آب من نفس العام، ثم بعد الإفراج عنه يقضى بدوه فترة تحت الإجراءات الاحترازية.
هيثم محمدين

علاء عبد الفتاح:

  • أحد أشهر الأسماء التي ارتبطت بثورة يناير، ناشط سياسي بارز منذ شارك في تأسيس حركة “كفاية ” المعارضة لحكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وهو نجل المحامي والناشط الحقوقي الراحل أحمد سيف الإسلام.
  • في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 ألقي القبض على علاء عبد الفتاح وفي عام 2017 حكم عليه نهائيا بالسجن خمس سنوات في القضية المعروفة إعلاميا بـ ” أحداث مجلس الشورى ” ويخوض الآن محاموه سجالا قضائيا للفوز بالإفراج عنه بعد قضائه ثلاثة أرباع مدة الحكم الصادر ضده، بموجب القانون المصري.
علاء عبد الفتاح

 

موقف السيسي من القوى السياسية الشابة:
  • خالد إسماعيل، عضو المكتب السياسي لحركة ” شباب السادس من أبريل” قال: منذ بداية مؤتمرات السيسي “المسرحية” في نهاية 2016 والشباب الذين يظهرون في هذه المؤتمرات يلتقطون معه الصور ويضحكون على تعليقاته الساخرة ويصفقون مع كل فاصل في كلماته؛ هؤلاء لا يمثلون الشباب المصري على الإطلاق، بل هم مجموعة من المؤيدين للنظام الطامعين في مناصب ومكاسب مستقبلية، عبر تقربهم من دوائر صنع القرار.
  • إسماعيل: “يتم انتقاء هؤلاء الشباب عن طريق الأجهزة الأمنية وهم من التقطوا الصور اثناء تأييدهم لتنازل السيسي عن تيران وصنافير وهم من سيلتقطون الصور وهم يؤيدون التعديلات الدستورية وأي قرار آخر للسيسي؛ أما شباب مصر الحقيقي فيعبر عنه مئات الشهداء أو عشرات الآلاف خلف الأسوار وآلاف المغتربين قسريا بعيدا عن وطنهم”.
  • الناشط الحقوقي المصري هيثم أبو خليل قال إن السيسي كرجل مخابرات يجيد عملية التشويش وتزييف الواقع وصناعة البديل غير الحقيقي، فما يحدث هو عملية ممنهجة لها أكثر من هدف، أولا: إظهار أن هؤلاء هم شباب مصر. والهدف الثاني: صناعة الإحباط بتغييب أكثر من 60 ألف شاب بالسجون لأنهم عارضوا النظام.
  • الباحث السياسي محمد حسني قال: “بتحليل برنامج السيسي في مؤتمرات الشباب ندرك أنه مع مرور أكثر من 8 سنوات على ثورة يناير فإن أي شاب في الـ 18من عمره حاليا كان في العاشرة من العمر عندما قامت ثورة يناير وكان طفلا بالمرحلة الإعدادية عندما حدث انقلاب يوليو/ تموز 2013 فبالتالي هو لم يدرك مرحلة الثورة والانقلاب ولم يتشكل وعيه من خلال أحداثها مثل الجيل السابق له الذي الآن تعدى مرحلة الشباب وأصبح ” في الثلاثينيات ” وإما أنه انشغل بحياته الخاصة أو غيبته السجون والمعتقلات.
  • وتابع حسني: السيسي يستهدف تلك الفئة تحديدا أي شباب سن المراهقة إلى منتصف العشرينات الذين لم يشاركوا بحدث الثورة، ليعيد صنع وعيهم التاريخي بأحداث تلك الفترة وفقا لسردية نظامه ومن ثم يصبحون “شباب دولة السيسي” الذين عليهم تقوم دولته وتستمر معهم ومع من سيخلفه، وهذا متكرر في الحالة المصرية، فكل أركان نظام دولة مبارك هم أنفسهم من كانوا أعضاء بالتنظيم الطليعي ومنظمة الشباب بعهد الرئيس جمال عبد الناصر.
  • حسني أكد أن السيسي يرغب في تكوين كوادر تكنوقراط للتسيير الإداري والاجتماعي “منزوعي السياسة “، لأن التنظيم السياسي لحكم عبد الفتاح السيسي هو “الجيش” ولا يمكنه أن يتجاوز الجيش كتنظيم سياسي لحكمه وهو قد عرض عليه بالفعل تكوين تنظيم سياسي معتمدا على كوادر الحزب الوطني المنحل ورفض تلك الفكرة.
  • أضاف حسني: “في عهد السيسي بدأ الجيش بقبول خريجي كلية الاقتصاد والعلوم السياسية للالتحاق بالجيش كضباط والعكس أي توجيه شريحة من الضباط ممن هم في مستوى الدراسة بكلية أركان الحرب بأكاديمية ناصر العسكرية للحصول على بكالوريوس علوم سياسية إما من جامعة القاهرة أو الجامعة الأمريكية ليكونوا كوادر التنظيم السياسي في الجيش المصري”.
المصدر : الجزيرة مباشر