هل ستدخل أفريقيا في حرب اقتصادية جديدة؟

مدن جنوب أفريقيا شهدت أعمال عنف مناهضة للأجانب أدت إلى مقتل خمسة أشخاص واعتقال 300 آخرين

نشر موقع أوزي الإلكتروني مقالاً تناول فيه تداعيات الهجوم الأخير المناهض للأجانب في جنوب أفريقيا، والذي أثار غضب عدّة دول أفريقية عديدة منها نيجيريا.

وكانت مدن جنوب أفريقيا قد شهدت في الأول من الشهر الجاري اندلاع أعمال عنف مناهضة للأجانب أدت إلى مقتل خمسة أشخاص واعتقال 300 آخرين، بالإضافة إلى تدمير عشرات المتاجر وإحراق شاحنات يشتبه بأن سائقين أجانب كانوا يقودونها.

وتندلع بانتظام في جنوب أفريقيا، وهي أكبر قوة اقتصادية في القارة السمراء، أعمال شغب بحق الأجانب يؤجهها تنامي الفقر والبطالة في البلاد.

ردود الفعل على الهجمات الأخيرة
  • نظّم النيجيريون في كل من لاغوس وأبوجا مسيرات احتجاجية ضد الشركات الجنوب أفريقية الموجودة في البلاد مثل شركة الاتصالات العملاقة “أم.تي.أم”، التي تَعتَبِر نيجيريا أكبر سوق تجاري أجنبي لها، ومتاجر “شوبرايت” المنتشرة في أنحاء البلاد.
  • في خطوة تصعيدية، دعا رئيس الحزب الحاكم في نيجيريا آدمز أوشيومهول، إلى تأميم الشركات الجنوب أفريقية الموجودة في بلاده، وإلى منع الطيران الجوي الجنوب أفريقي من الهبوط في أي مطارٍ من مطارات نيجيريا.
  • أثارت دعوة أوشيومهول مخاوف المراقبين من دخول القارة الأفريقية في حرب اقتصادية جديدة.
  • خوفاً من أعمال العنف في نيجيريا، أغلقت جنوب أفريقيا “مؤقتاً” بعثتيها الدبلوماسيتين هناك. كما أغلقت كل من شركة “أم.تي.أم” للاتصالات ومتاجر “شوبرايت” مكاتبها ومحلاتها في البلاد.
  • في خطوة غير مسبوقة، أجلت نيجيريا 400 مواطن من جاليتها المقيمة في جنوب أفريقيا.
  • قاطع نائب الرئيس النيجيري ييمي أوسينباجو، قمة المنتدى الاقتصادي العالمي التي أقيمت في كيب تاون في التاسع من شهر الشهر الجاري.
نيجيريون أثناء ترحيلهم من جنوب أفريقيا على خلفية الهجمات الأخيرة ضد الأجانب (غيتي)
تداعيات الأزمة الحالية
  • أرجعت ماريامار سار، رئيسة رويالون فينتشرز المتخصصة في تحويل الاقتصادات الصغيرة إلى مصدرين رئيسيين للمنتجات التامة الصنع، حالة القلق التي تعيشها القارة السوداء إلى احتمالية سحب اتفاقية منطقة التجارة الحرة لعموم القارة الأفريقية، إثر حالة التوتر التي خلقتها أعمال العنف الأخيرة في جنوب أفريقيا.
  • تَعِدُ اتفاقية التجارة الحرة، التي صادقت عليها الدول الأفريقية في مايو/أيار الماضي، بإنشاء أكبر منطقة اقتصادية موحدة بعد الاتحاد الأوربي، إذ ستضم الاتفاقية 1.3 مليار شخص.
  • إلّا أنه وفي أعقاب الهجمات الأخيرة في جنوب أفريقيا، شكك النيجيريون المشاركون في قمة كيب تاون، بإمكانية تنفيذ هذه الاتفاقية في جو تسوده مشاعر الريبة وانعدم الثقة.
  • يقول الخبراء إن الأزمة التي تعيشها العلاقات الاقتصادية بين كلٍّ من نيجيريا وجنوب أفريقيا، قادرة على أن تلحق الضرر بالاقتصادات الأفريقية الأخرى، تماماً مثلما أثّرت الحرب الاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية على بقية العالم.
  • إجمالي الناتج المحلي لنيجيريا وجنوب أفريقيا في عام 2019 تجاوز 800 مليار دولار، بحسب صندوق النقد الدولي، وهو ما يساوي تقريباً بقية اقتصادات قارة أفريقيا معاً.
  • يقول دوي رودت، الخبير الاقتصادي في جنوب أفريقيا “عندما تتصارع الاقتصادات الكبرى فيما بينها، تعاني الاقتصادات الأصغر الموجودة في المناطق المعنية”.
شرطة جنوب أفريقيا تحاول التصدي للمظاهرات المناهضة للأجانب (غيتي)
  • سيواجه الاقتصاد الأفريقي مصاعب جمة في حال فشلت اتفاقية التجارة الحرة بين الدول الأفريقية في الاستمرار.
  • وفقاً لمعهد بروكينغز، فقد بلغت حصة الصادرات بين البلدان الأفريقية كنسبة مئوية من إجمالي الصادرات الأفريقية 17% فقط في عام 2017، وهي نسبة أقل بكثير من المناطق التجارية الأخرى مثل أوربا، التي بلغت 69%، وآسيا 59%، وأمريكا الشمالية 31%.
  • ترى سار أن حالة التوتر القائمة بين الدولتين تبعث برسالة غير مشجعة للمستثمرين المحتملين، إذ قالت “تقدم كل من نيجيريا وجنوب أفريقيا أنموذجاً مثاليّاً عندما يتعلق الأمر بممارسة الأنشطة التجارية في أفريقيا. وبناء على ذلك، فإذا لم تتمكن جنوب أفريقيا ونيجيريا من استعادة علاقتهما التجارية ببعضهما البعض، فسوف يشكك المستثمرون المستقبليون في مدى نجاعة فرصهم في دول أفريقيا الأخرى”.
  • يخشى الخبير الاقتصادي رودت من أن تكون السمعة التي بنتها جنوب أفريقيا لنفسها على أنها وجهة استثمارية آمنة، قد تلقت ضربة قوية إثر الهجمات الأخيرة، حيث قال “سوف ينظر باقي العالم إلى جنوب أفريقيا نظرة سلبية”.
  • تقول زاهرة نجاح، الباحثة في المركز الأفريقي للهجرة والمجتمع، إن هذه الأزمة، إلى جانب تباطؤ اقتصاد كلٍّ من نيجيريا وجنوب أفريقيا، قد يؤديان إلى رفع كفة القوة التفاوضية للدول الأجنبية التي ستنتهز الفرصة للدخول إلى السوق المحلية بشروط لا تخدم الدول الأفريقية. فجنوب أفريقيا تمتلك أكثر من 100 شركة تعمل في نيجيريا على سبيل المثال، وهو ما سيمنح هذه القوى الأجنبية مساحة اقتصادية، لم تكن متوفرة في السابق.
  • تقول سار إن محاولة كل من جنوب أفريقيا ونيجيريا الخروج من حالة الكساد التي يعيشها اقتصاديهما، سيمنعهما من الدخول في حرب اقتصادية كاملة. وبحسب سار، فإن بدء هذين الدولتين لحرب اقتصاديةٍ جديدة سيدفع باقتصاديهما إلى الدخول في حالة كساد أسوأ من تلك التي يعيشها الآن.
أعمال عنف واسعة شهدتها مدن جنوب أفريقيا على خلفية الهجمات ضد الأجانب (غيتي)
ماذا بعد؟
  • لاتزال حالة التوتر قائمة في القارة الأفريقية، ولا يوجد إلى الآن أي إشارات تدل على تحسّن الأوضاع في الوقت القريب. فعلى الرغم من تقديم جنوب أفريقيا اعتذاراً رسميّاً الأسبوع الماضي، إلّا أن نيجيريا قامت بعدها بإجلاء 400 مواطن من جاليتها المقيمة هناك. وهو ما يدل على أن شعور انعدام الثقة في الآخر مازال سيد الموقف في أفريقيا.
  • وصف نجاح الموقف المحلي لرئيس جنوب أفريقيا “بالصعب”، وذلك لأن حالة الغضب والإحباط تعتري صفوف الشباب الجنوب أفريقي نتيجة لعدم وفاء حكومة بلادهم بوعودها المتعلقة بتحسين الأوضاع الاقتصادية ومحاربة الفساد المتفشي في البلاد.
  • أشاد دون أوكيريكي، المحلل المتخصص في الشؤون العامة والأمنية، بالموقف النيجيري، حيث قال “الرسالة التي بعثتها نيجيريا إلى حكومة جنوب أفريقيا، والتي دانت فيها التصرفات الوحشية لمواطني هذه الأخيرة، كانت قوية، وهذا أمر جيد.” حيث أضاف قائلاً “ما نشهده اليوم هو مزيج من الغضب والإحباط المتراكم عبر سنوات عديدة”.
  • يرى رودت أن الأزمة تمثل فرصة جيدة ليدرك القادة الأفارقة أن التكامل الاقتصادي لا يحدث بمجرد “توقيع مجموعة من الأوراق”، وأن تحقيقه يتطلب “إزالة الحواجز والحدود بين الدول الأفريقية”. ولكنه شكك ايضاً في إمكانية قيام القادة الحاليين بانتهاز هذه الفرصة لصالح القارة، حيث قال “خلال سنة أو سنتين، سيُنسى كل شيء”.
المصدر : الجزيرة مباشر + مواقع إلكترونية