نفط وغاز الجزائر.. الثروة المعطلة

عاشت الجزائر، وما زالت على إيقاع جدل واسع، حول قانون المحروقات الجديد، طرفاه الحكومة المؤقتة من جهة، والطبقة السياسية المعارضة، مدعومة بزخم شعبي كبير من الجهة المقابلة.

ولقد ظهر الرفض القاطع لقانون المحروقات الجديد جليًا، في الجمعة الأولى بعد مصادقة الحكومة عليه، وطرحه على البرلمان، حيث رفع المتظاهرون شعارات من قبيل الجزائر ليست للبيع، ولا لقانون المحروقات.

بينما أكدت الأحزاب السياسية المعارضة، والقائلة بعدم شرعية الحكومة ووزرائها، أن هذه الحكومة لا تملك الأحقيّة لاتخاذ قرارات تنفيذية مصيرية في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها البلاد، خاصة على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

اقتصاد ريعي
  • إلى جانب الخوض في الإشكالات القانونية ومدى نجاعة قانون المحروقات الجديد، فإن موضوع الثروات الباطنية في الجزائر وبالأخص منها البترول والغاز الطبيعي يشكل بؤرة خلاف سياسية واقتصادية كبيرة.
  • تعتمد الدولة منذ استقلالها، بشكل شبه كلي على ما يجود به باطن الجزائر، في إقامة بناها التحتية ومشاريعها الكبرى.
  • رغم كل الأزمات التي مر بها هذا القطاع على مستوى العالم، إلا أن الجزائر لم تتخذ خطوات جذرية لفك الارتباط الكلي بقطاع المحروقات.
  • يرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر “جلال سيدي عيسى”، أن سياسة الاعتماد على “الاقتصاد الريعي” تسببت في مشاكل اجتماعية أبرزها “ذهنية” اعتماد المواطن على الدولة في كل احتياجاته البسيطة والمعقدة.
  • يعتمد الجزائري على تدخل الدولة، ابتداء من دعم كل السلع الأساسية إلى فتح باب الاستيراد الخارجي، مما تسبب في إهمال الإنتاج المحلي، وعدم الدعم الكامل للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، مما أدخل الشعب في حالة من “الخمول” الإنتاجي.
  • ويؤكد “سيدي عيسى” أن الخلل لا يكمن فقط في الاعتماد على “الريع” بل في إدارته وتسييره، فغنى وثراء بلد ما بثروات باطنية، لا يعني بأي شكل من الأشكال عدم الدفع بالشعب إلى الإنتاج وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي بشكل ذاتي.
الإرث القديم وتبعاته
  • الخبير الاقتصادي كمال رزيق، يرى أن رهن ماضي وواقع ومستقبل الجزائر بقطاع المحروقات هو خطأ استراتيجي، وقصور في الرؤية المستقبلية عند مسؤولي القطاع منذ الاستقلال إلى الآن.
  • ويؤكد رزيق أن الجزائر ورغم تعاقب الحكومات المختلفة عليها، وتعدد تداول  الخبرات على مؤسساتها التي تعنى بقطاع الطاقة، وعلى رأسها سوناطراك وسونلغاز، فإنها لم تستطع أن تخرج من دائرة أفضلية قطاع المحروقات على القطاعات الإنتاجية الأخرى.
  • ويعود ذلك، بحسب الخبير الجزائري، إلى التأثر بالعقلية الاشتراكية القديمة ونقص الجرأة في التخطيط الاقتصادي، حيث لم تحدث ثورة على الأنماط التسييرية التقليدية المتبعة إلى اليوم.
  •  في حين تفوق العديد من الدول المشابهة للجزائر من حيث المساحة ووفرة الثروات الباطنية وتنوع المجالات الإنتاجية، لاتباعها أساليب تخطيط حديثة
محطة لإنتاج الغاز في الجزائر (رويترز)
الواقع والمآلات
  • إذا ذكر نفط الجزائر، ذكر معه بالتبعية، ولزامًا مؤسسة “سوناطراك” المسؤولة عن كل ما يتعلق باستخراج ونقل وتصدير النفط.
  • تعتبر سوناطراك أهم شركة وطنية جزائرية، تدر على الجزائر أكثر من 95% من العملة الصعبة، وتحتل مكانة أساسية في تشكيل ملامح الموازنة العامة كل سنة.
  • تساهم ” سوناطراك ” بنسبة 60% من الموازنة العامة السنويّة للدولة، متأتيّة من بيع حوالي مليون ونصف المليون برميل يوميًا، بمداخيل تقدر بحوالي 33 مليار دولار سنويًا، ترتفع وتنخفض حسب تقلبات أسعار النفط والغاز عالميًا.
  • عاشت الحكومات الجزائرية منذ حوالي عقدين من الزمن، أي مع بدايات حقبة الرئيس الأسبق، عبد العزيز بوتفليقة، وحتى أواسطها، أي إلى سنة 2009، حالة من الرخاء غير المسبوق، نتيجة مداخيلها من النفط والغاز حيث تراوحت أسعار النفط بين 70 و110 دولارات للبرميل الواحد.
  • هذه الأسعار المرتفعة، فتحت الباب، حسب الخبير الاقتصادي “أحمد كادومي” على مصراعيه، للإنفاق بسخاء على العديد من المشاريع الكبرى وعلى رأسها السكن والبنى التحتية.
  •  لكن لم يرافق ذلك الإنفاق منظومة رقابية صارمة ودقيقة، مما فسح المجال بالمقابل أمام حالة من الفساد المالي لم تشهدها الجزائر من قبل، إذ يصف معارضو حكم بوتفليقة سنواته العشر الأولى من حكمه بسنوات الفساد وشراء الذمم.
  • مع انخفاض سعر برميل البترول ووصوله إلى عتبة الأربعين دولارا لفترات زمنية طويلة نسبيًا، بسبب الأزمة الدولية التي ضربت القطاع منذ أكثر من ست سنوات، تأثر سلبا الاقتصاد الجزائري، وانعكس ذلك على التنمية والسلم الاجتماعي.
  • يقر أغلب خبراء الاقتصاد في الجزائر، أن البلاد تعيش أزمات اقتصادية كل عشر سنوات تقريبًا، بفعل غياب استراتيجية واضحة من شأنها الرفع من مستوى التنمية.
  • هذا الغياب أوصل الجزائر إلى الوضع الذي تعيشه حاليًا من انخفاض رهيب في قيمة عملتها الوطنية، يقابله غلاء للأسعار، ونقص في السيولة، وعدم توافق ملحوظ بين الدخل الفردي للمواطن الجزائري وحاجياته المعيشية.

فهل تستطيع الحكومة المؤقتة الحالية أو التي ستفرزها الانتخابات المرتقبة أن تخرج البلاد من دورة الأزمات المتتالية؟

قوانين المحروقات
  • حسب الخبير الاقتصادي الدكتور كمال رزيق فإن قوانين المحروقات في الجزائر تفصّل بما يوافق هوى المؤسسات الأجنبية الكبرى المتعددة الجنسيات.
  • مع ذلك فإن القوانين السابقة أصبحت غير فعالة ولا تستجيب لمتطلبات جلب المستثمرين الأجانب.
  •  لا أدل على ذلك من الأرقام والإحصاءات التي تم نشرها في وسائل الإعلام الجزائرية والمتعلقة بالمشاريع ونقاط التنقيب التي عرضتها الجزائر على الشركات العالمية، حيث بلغ عددها 76 مشروعا، لم تتلق منها إلا 13 عرض تنقيب إلى الآن.
  •  لذلك جاءت التعديلات الجديدة على قانون المحروقات، بحيث يمنح امتيازات مهمّة للشركات الأمريكية والأوربية بالأخص، لتشجيعها على العمل في الجزائر.
  • وعن حال الشركات المحلية سوناطراك وسونلغاز، ومدى قدرتها على تغطية جل نطاق الثروة الباطنية في الجزائر، يجيب الخبير الاقتصادي كمال رزيق قائلًا إن “مستوى المؤسسات الجزائرية بعيد بشكل كبير عن تقنية وآلية عمل الشركات العالمية”.
  • رزيق: ليس للشركات الجزائرية القدرة على التنقيب في صحراء الجزائر مثلًا، وتبقى إلى الآن مكتفية فقط بحقول النفط والغاز المعتادة والتقليدية في كل من حاسي مسعود، وحاسي الرمل بالأخص.
مغالطة واستثمار سياسي
  • لأن الجزائر حاليًا في حاجة ماسة للرفع من إنتاجيتها وصادراتها في قطاع المحروقات، فتحت أبوابها للشركات الأجنبية، وشجعتها بتقديم امتيازات جبائية.
  •  إذ تم تخفيض الضرائب على الشركات الأجنبية، في القانون الجديد من 60% إلى 85%بما يوافق القوانين المتعارف عليها عالميًا.
  •  وكذلك تقديم إعفاءات من رسوم القيمة المضافة وكذلك إعفاءات من رسوم النشاط المهني، بالإضافة إلى الكثير من التحفيزات.
  • رغم كل هذه الامتيازات يصف الخبير الاقتصادي كمال رزيق، أن ما يشيعه العديد من الأحزاب المعارضة في أوساط الرأي العام، من أن قانون المحروقات الجديد إنما هو بيع للجزائر وثرواتها ورهنها بيد الأجانب، بالمغالطة ومحض أكاذيب، المراد منها التسويق السياسي، والوقوف أمام الحكومة الحالية في كل ما تتخذه من قرارات بدوافع حزبية سياسية فحسب.
  • الدليل على ذلك أنه تم الإبقاء في القانون الجديد على القاعدة المعروفة في الاتفاقيات الاستثمارية والتجارية بين الجزائر والشركات الأجنبية في قطاع المحروقات وهي قاعدة 49  51.
  •  بالإضافة إلى تثبيت قاعدة الملكية التامة لكل ما هو موجود في باطن الأرض للجزائر، كما تم إعطاء حق الاحتكار والامتياز والشفعة لكل ما يتعلق بعمليات نقل المحروقات وتصديرها لمؤسسة سوناطراك الوطنية، وغيرها من الامتيازات والقوانين التي تحفظ سيادة الجزائر على ثرواتها بشكل كامل.
  • لكن إذا أدارت السلطة ظهورها إلى التغيرات الحاصلة إقليميا ودوليا في مجال المحروقات، فإن بلدهم سيتحول من مصدر إلى مستورد، بحسب رأيه، بحلول سنة 2040.
مظاهرات في الجزائر (رويترز)
ماذا عن المخاطر البيئية؟
  • يرى الدكتور أمير بركان منسق الشبكة الوطنية لحماية التنوع البيولوجي البحري بالجزائر، أن قانون المحروقات الأخير، استقبل برد فعل قوي رافض له، وذلك راجع لأسباب منطقية ومعقولة لا إلى شعبوية سياسية.
  • حيث إن الشبكة التي يرأسها، كانت السباقة للتنديد بالاتفاق الذي أبرمته شركة سوناطراك مع شركة إكسون موبيل الأمريكية يوم 8 مارس/آذار 2019.
  •  وقّع عشرون شخصية وطنية رسالة مفتوحة لوزيرة البيئة الجزائرية آنذاك، طالبين منها الوقوف ضد هذا الاتفاق أو الاستقالة ، بسبب ما يتضمنه الاتفاق من مخاطر كبيرة على البيئة والمواطنين الجزائريين.
  • سبق أن مُنحت الشركة الأمريكية صلاحيات كبيرة للتنقيب عن الغاز الصخري في الصحراء الجزائرية، وتجاهلت الشركة الجزائرية والحكومة وقتذاك كل المخاطر البيئية التي تنجم عن الاتفاق.
  •  لكن، ومع استقالة الرئيس بوتفليقة بعد حراك شعبي رافض لعهدته الخامسة، أقدمت الشركة الأمريكية على تعليق الاتفاق وإيقاف عمل “منتدى الطاقة” الذي كان يجمعها بالمسؤولين عن المحروقات في الجزائر.
  • في سياق متصل، رست سفن تابعة لشركة أجنبية، في ميناء مدينة عنّابة لتقوم بما يسمى بالتخطيط الزلزالي، للبحث عن الغاز والبترول في عمق المياه الإقليمية الشرقية الجزائرية، وقوبل هذا العمل برفض المنظّمات والجمعيات البيئية.
  •  هذا فتح الباب لمفاوضات طويلة وماراثونية، لا تزال مستمرة إلى الآن مع المدير العام لشركة سوناطراك، من أجل إيقاف عمليات التنقيب في السواحل الجزائرية لما لها من أضرار على الثروة السمكية وعلى الحياة الساحلية والبيئية في الشرق الجزائري.
  • بحسب الناشطين البيئيين، وعلى رأسهم الدكتور بركان، لا يمكن لحكومة مؤقتة في ظرف حساس تمر به الجزائر أن تقدم على مناقشة وتصديق قوانين مصيرية ترهن مستقبل الجزائريين، وتمس  سلامة وجودة حياتهم، مهما كانت الضمانات التي تقدمها
السيادة على الثروة الوطنية 
  • أزمة الثقة بين الجزائريين والسلطة تتعمّق يوما بعد يوم، كلما تعلق الأمر بثروتهم النفطية والغازية، وطريقة التصرف فيها وإدارة مؤسساتها واستثمار مداخيلها،
  • معطى تلتقي حوله كل مكوّنات الساحة الداخلية حزبيًا ومدنيًا، حتى السلطة لا تنفي ذلك ولا تنفي أن القطاع قد نخره الفساد.
  • السلطة تقدم نفسها الآن، من خلال مشروع موازنة العام المقبل 2020، وقانون المحروقات الجديد، كمنقذة وحامية لثروة الجزائر، وهو ما لا يستسيغه الحراك في الشارع الجزائري، الذي يرى أن ما يحصل الآن هو التفاف على أحد مطالبه الرئيسية ” السيادة على الثروة الوطنية “.
المصدر : الجزيرة مباشر