ميدل إيست آي: تركيا المستهدفة من التحالف الإماراتي الإسرائيلي وليس إيران

الإمارات وإسرائيل توصلتا إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بمباركة أمريكية
الإمارات وإسرائيل توصلتا إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بمباركة أمريكية

أكد موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أن الهدف المقصود للتحالف الإماراتي الإسرائيلي ليس إيران بل تركيا، التي يشكل نفوذها الإقليمي تهديدًا لبعض حكام الخليج، حسبما ذكر الموقع.

وقال رئيس تحرير الموقع ديفيد هيرست في مقال له إن المحللين تحيروا في ما يسمى بـ “صفقة القرن” الأمريكية قبل أشهر من الإعلان عن اعتزام الإمارات الاعتراف بإسرائيل، وكسر الوضع الراهن القائل إن التطبيع لن يأتي إلا بعد حصول الفلسطينيين على دولتهم.

وأوضح هيرست أن المحللين تساءلوا لماذا يستثمر الرئيس الأمريكي الكثير من الطاقة في صفقة يقاطعها القادة الفلسطينيون، وترفضها الدول العربية، ولن تنجح أبدًا؟ ولم يرد إعلان أبو ظبي  عن  سؤالهم.

وفي غضون ذلك كافح ترمب وصهره جاريد كوشنر من أجل إقناع دول أخرى في المنطقة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

أول رحلة مباشرة من إسرائيل إلى الإمارات عبر الأجواء السعودية

 

ولكن حتى الآن لم تعلن أي دولة عزمها على ذلك سوى البحرين وصربيا وكوسوفو، بينما ترفض دول كبيرة، أو مكتظة بالسكان، مثل المملكة العربية السعودية والسودان وعمان والكويت.

وتساءل هيرست إذا لم يكن الفلسطينيون هم المستهدفين من هذه الصفقة، فمن كان المستهدف منها؟ ويجيب هيرست قائلا إن هدف كوشنر “هو هدف ديني قومي يهودي، وهو إقامة دولة إسرائيل الكبرى كحقيقة دائمة على الأرض”.

إيران لم تعد تهديدا 

لكن ضد من يفترض بالتحالف الإماراتي الإسرائيلي أن يدافع عن نفسه؟ فإسرائيل تقول منذ فترة للدبلوماسيين العرب إنها لم تعد تعتبر إيران تهديدًا عسكريًا، ورئيس الموساد، يوسي كوهين، أبلغ المسؤولين العرب أن إيران “قابلة للاحتواء”.

أما ترمب فقد انخرط في مواجهة عسكرية مع إيران، ثم بادر بالتراجع. 

وأطلقت إيران بشكل علني وابلاً من الصواريخ على القوات الأمريكية في العراق ردا على الضربة الجوية التي قتلت الجنرال الإيراني قاسم سليماني في بغداد في يناير، وكان رد ترمب هو القوة الضاربة التي جمعها في الخليج.

واختبرت الطائرات الحربية الإسرائيلية هذه النظرية مرارًا وتكرارًا في سوريا ولبنان، وضربت أهدافًا إيرانية ومقاتلين مدعومين من إيران دون عقاب، ودون أي رد من طهران باستثناء رد فعل ضئيل من حزب الله.

وعاد الكاتب البريطاني للتساؤل: إذا لم تكن إيران المستهدفة لهذا التحالف الناشئ فمن المستهدق إذن؟

الأتراك قادمون

يقول هيرست إن الرد على هذا السؤال جاء هذا الأسبوع في شكل سلسلة من البيانات المنسقة بشدة من القادة العرب المجتمعين في جامعة الدول العربية، التي تبين أن العدو الحقيقي هو تركيا العضوة في حلف شمال الأطلسي، والحارس للقنابل النووية الأمريكية المحمولة جواً لعقود عديدة.

وأضاف هيرست أن الغازي الأجنبي الجديد الذي “يهدد” العالم العربي ليس الفارسي ولا الروسي بل التركي.

وأوضح أن الخط الساحلي لشرق البحر المتوسط بأكمله، من لبنان إلى مصر، يبدو ظاهريًا وكأنه في حالة حرب    مع  جارته الشمالية مع ادعاءات مزعومة بأنها تريد استعادة الحكم العثماني.

ويقود هذا الاتهام وزير الدولة للخارجية الإماراتي أنور قرقاش الذي قال في تصريحات لجامعة الدول العربية إن”التدخل التركي في الشؤون الداخلية للدول العربية مثال واضح على التدخل السلبي في المنطقة”.

وكذلك اتهم قرقاش تركيا بتهديد أمن وسلامة الحركة البحرية في مياه البحر المتوسط، مما يعد انتهاكا واضحا للقوانين والمواثيق الدولية ذات الصلة ولسيادة الدول.

تحديد العدو

وتلا قرقاش، وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي قال إن التدخلات التركية في كثير من الدول العربية تمثل “أكبر تهديد للأمن القومي العربي”.

وأضاف أن “مصر لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الطموحات التركية التي تتجلى في شمال العراق وسوريا وليبيا على وجه الخصوص”.

ومن المفارقة أن الوفد الفلسطيني الذي ترأس اجتماع الجامعة العربية كان قد أعد مشروعَ بيانٍ غاضباً يدين الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي باعتباره خيانة.

لكن المجلس أسقط بيانهم، وقرر تشكيل لجنة فرعية دائمة لمراقبة العدوان التركي وإبلاغهم في كل اجتماع لاحق.

ولم تمر حزمة التصريحات ضد تركيا الأسبوع الماضي مرور الكرام في أنقرة، فقد نقل موقع ميدل إيست آي عن مصدر حكومي تركي رفيع المستوى الفول “إن الإمارات تقوم بمهمة عزل تركيا في المستويات العملية”.

وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه “إنهم يقومون بالتمويل لكن العوامل التمكينية الحقيقية لهذه الاستراتيجية هم إسرائيل وبعض السياسيين الأمريكيين المقربين من اللوبي المؤيد لإسرائيل، فالإماراتيون جزء من أي جهد لإقامة تحالف ضد تركيا”.

ومن المفارقة أيضا، أن هناك لجنة فرعية أخرى تابعة لجامعة الدول العربية ضد التطبيع مع إسرائيل، ولا تزال تعمل لدعم مبدأ الأرض مقابل السلام الذي أرسته مبادرة السلام العربية التي أنشأتها المملكة العربية السعودية في عام 2002.

فلسطينيون يحملون نعشا رمزيا للجامعة العربية بعد رفضها ادانة تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل (الأناضول)

 

ولكن تم تجاهل هذه اللجنة، فاسرائيل ليست عدو جامعة الدول العربية الآن والعدو هو تركيا.

ووفقا لهيرست، فهناك جهات أجنبية أيضا تعمل في هذا المسعى لإعلان تركيا دولة خارجة عن القانون في شرق المتوسط.

فدور الجيش الفرنسي في دعم اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، في محاولته المليئة بجرائم الحرب، للاستيلاء على العاصمة الليبية طرابلس موثَّق جيدًا، تماما مثل استخدامه الطائرات الإماراتية والقناصة الروس.

لكن في الآونة الأخيرة، وخلال جولاته في بيروت، نشر الرئيس إيمانويل ماكرون الأجنحة الخطابية لفرنسا، وفقا لهيرست، وأعلن أنه إذا لم تقم فرنسا بدورها فسوف يتدخل الإيرانيون والأتراك والسعوديون في الشؤون الداخلية اللبنانية رغم تعارض مصالحهم الاقتصادية والجيوسياسية مع مصالح لبنان.

وفي غضون ذلك، أجرت السفن الحربية الفرنسية تدريبات مشتركة مع السفن اليونانية وسط نزاع للتنقيب عن النفط قبالة قبرص، الذي تزعم تركيا أنه ينتهك حدودها البحرية.

وقال ماكرون للصحفيين قبل قمة كورسيكا هذا الأسبوع “تركيا لم تعد شريكا في هذه المنطقة”، مشيرا إلى أن الأوربيين يجب أن يكونوا “واضحين وحازمين” مع حكومة أردوغان بشأن “سلوكها غير المقبول”. وأضاف ماكرون أنه يتعين على الدول الأوروبية وضع “خطوط حمراء” مع تركيا.

الوحدة التركية

ويؤكد ماكرون أن خلافه ليس مع الأتراك، بل مع الرئيس رجب طيب أردوغان.

لكن هذا التكتيك جُرب من قبل وفشل بحسب الكاتب، فأردوغان يتمتع بالدعم الكامل من الجيش التركي وجميع الأحزاب السياسية الكبرى في تركيا في مواجهة القوات المدعومة إماراتياً في ليبيا، أو بالنسبة للتمسك بحقوق الفلسطينيين في القدس، أو قصف حزب العمال الكردستاني في العراق، أو استهداف قوات الرئيس بشار الأسد في سوريا.

سفينة ياووز التركية للتنقيب عن النفط والغاز

 

ويرى الكاتب أنه مهما كانت الانتقادات التي يوجهها العديد من خصوم أردوغان المحليين، فإنهم يدعمون أردوغان باعتباره قائداً وطنياً في السياسة الخارجية وخاصة في شرق البحر المتوسط.

وقال أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي السابق، وهو الرجل الذي يعمل حزبه على تآكل قاعدة أردوغان الإسلامية المحافظة أكثر من أي سياسي تركي آخر، “على ماكرون الالتزام بحدوده والتوقف عن إهانة تركيا ورئيسها”. 

وأضاف “أدين بشدة تصريحات ماكرون المتغطرسة التي تظهر عقليته الاستعمارية وتتجاهل ديمقراطية تركيا والإرادة الحرة لشعبها”.

مواجهة أنقرة

وتسائل الكاتب البريطاني مرة أخرى  لماذا تواجه تركيا الآن؟ فرغم كل التحفظات الداخلية على دوره رئيسا، استطاع أردوغان جعل تركيا دولة مستقلة، تستطيع قواتها المسلحة مواجهة القوات الروسية في سوريا وليبيا، لكنها في المقابل تحافظ على مكانها على طاولة المفاوضات مع الرئيس الروسي فلاديمير 

فلتركيا اقتصاد يوازي حجم نظيره السعودي، كما أن جيشها مكتف ذاتيا. وقد شرعت في تصنيع طائرات من دون طيار بتقنية عالية بعد أن رفضت الولايات المتحدة وإسرائيل تزويدها بها.

وأثبتت الشركات التركية أن لديها من التقنية ما يمكّنها من تطوير حقول الغاز الطبيعي المكتشف حديثا في البحر الأسود، وتزويد السوق المحلي بالمنتجات التكنولوجية.

وأشار هيرست في مقاله إلى أن المخابرات العسكرية الإسرائيلية أدرجت في تقريرها لعام 2020 تركيا ضمن قائمة المنظمات والدول التي تهدد الأمن القومي لإسرائيل، إلا أن التقرير استبعد اندلاع مواجهة عسكرية بين البلدين.

غير أن النظامين الإماراتي والسعودي الاستبداديين ليس لديهما مثل هذه الهواجس بحسب الكاتب.

فهم يخشون استمالة تركيا لشعوبهم باعتبارها الزعيم السني بالمنطقة. فقد تلاشى الادعاء بأن السعودية هي القائدة، وسيتأكد هذا الأمر تماما إذا قامت المملكة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

المصدر : ميدل إيست آي