مملكة التناقض.. حج أم سياحة دينية؟

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان يعتبر الحج ضرباً من السياحة وينظر إليه باعتباره مصدر دخل للسعودية

خلال مؤتمر صحفي، طرحت صحفية أجنبية سؤالاً عن “السياحة الدينية” على الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة.

حينها قاطع الفيصل الصحفية بقوله “ليست هناك سياحة دينية، الحج عبادة، ومكة للعبادة، والمشاعر المقدسة للعبادة وليست للسياحة، كل من يأتي هنا يأتي ليؤدي فروضاً إسلامية، أما السياحة فهي خارج مدينة مكة وخارج المشاعر المقدسة”.

غير أن هذا التصريح لا يتفق مع توجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والذي يعتبر الحج ضرباً من السياحة، وينظر إليه باعتباره مصدر دخل للسعودية.

ففي حواره مع وكالة بلومبرغ قبل عامين، قال ابن سلمان “نعتقد أننا نستطيع الوصول لأكثر من 40 مليون سائح في 2030. ثلاثون مليونا سيأتون إلى مكة والمدينة وسيكون لدينا عشرة ملايين للترفيه أو المواقع التاريخية أو سياحة رجال الأعمال”.

إطلاق وصف “السياحة الدينية” على القدوم للحج والعمرة، هو واحد من محدثات العهد الجديد في السعودية، وهو جزء من التغيرات والتناقضات التي تشهدها السعودية في هذه الأيام.

اقرأ أيضا: تأشيرات الحج.. سوق سوداء ومجاملات
الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة
المملكة الدينية

منذ نشأتها، صبغت المملكة بصبغة دينية، يظهر ذلك من علمها الذي تزينه الشهادتان، واحتفاظ ملوكها بلقب “خادم الحرمين الشريفين”، وحرصها الدائم على إبراز الوجه الإسلامي للبلاد، ومراعاة الكثير من الشكليات والتقاليد.

بدأ الأمر منذ تحالف الأمير محمد بن سعود، مؤسس الدولة السعودية الأولى، مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب، قبل نحو 300 عام. وقد أتاح هذا التحالف نفوذاً هائلاً للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو النفوذ الذي احتفظت به ذريته “آل الشيخ”، والذين ينتسب إليهم المفتي العام الحالي للملكة، ووزير الشؤون الإسلامية السابق والحالي، ورئيس هيئة الترفيه تركي آل الشيخ.

تغييرات

كانت العلاقة بين الدولة السعودية والدين تقوم على مجموعة من التوازنات الدقيقة، فقد كان الدين حاضراً في الخطاب الرسمي بوضوح، وكان الملوك على تفاوت مقدار تدينهم الشخصي، يحرصون على الحديث عن الوجه الديني للبلاد، وعن “شرف خدمة الحرمين الشريفين” الذي اضطلعت به حكوماتهم المتعاقبة.

تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه والذي ينتمي لذرية الشيخ محمد بن عبد الوهاب

في العهد الحالي لا تزال السلطة السعودية تتحدث عن شرف خدمة الحرمين الشريفين، وتحتوي رؤية السعودية 2030 على برنامج لخدمة ضيوف الرحمن ذُكر فيه “إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين من أداء فريضة الحج والعمرة والزيارة على أكمل وجه والعمل على إثراء وتعميق تجربتهم من خلال تهيئة الحرمين الشريفين، وتحقيق رسالة الإسلام العالمية”.

اقرأ أيضا: المنطقة المركزية في مكة: طبقية ومشروعات متعثرة

لكن في العهد الجديد أخذ الحديث عن الحج باعتباره “سياحة دينية” يتكرر في الإعلام السعودي، وأخذ السلوك الرسمي والإعلامي منحى يوحي بوجود لون من الاختلاف في نظرة السعودية لنفسها. فها هي تتغير، من الدولة الدينية المحافظة التي تتشرف بخدمة الحرمين، إلى الدولة المنفتحة التي يشكل الحرمان الشريفان لها مصدر دخل إضافي وموطن جذب اقتصادي وسياحي.

جدة.. بوابة مكة

شارك المئات من المغردين السعوديين في وسم يحمل عنوان #هيئةـالترفيه-تمتهن-الحج، وذلك على خلفية الفعاليات الفنية التي جرت في مدينة جدة خلال شهر يوليو/ تموز، والتي شكلت -حسب المغردين- خروجاً عن التقاليد السعودية واستفزازاً لشرائح واسعة من المجتمع السعودي المعروف بمحافظته.

عدد من الحجاج لدى وصولهم إلى جدة (الجزيرة)

الفعاليات الفنية الصاخبة تأتي في الوقت الذي تستقبل فيه مدينة جدة أفواج الحجيج القادمين لأداء الحج عبر مطار الملك عبد العزيز الدولي. وهو الأمر الذي أثار تساؤلات عدد من المراقبين حول سر اختيار هذا التوقيت لإقامة فعاليات فنية متحررة برعاية الدولة التي تضطلع في الوقت عينه بخدمة الحرمين الشريفين وتستنفر طاقاتها لاستقبال ضيوف الرحمن.

على مدار عقود، حرصت السلطات السعودية على إظهار جدة بمظهر بوابة الحرمين الشريفين، إذ أطلقت على ميناء المدينة اسم “ميناء جدة الإسلامي” وسمّت أحد أهم وأطول طرقات المدينة “طريق الحرمين”، وسمت طريقاً آخر يوازيه في الأهمية “طريق المدينة المنورة” ووأدت فكرة إقامة مطار خاص لمكة المكرمة في مهدها، وجعلت جدة واسطة العقد في مشروع قطار الحرمين الذي يربط بين مكة والمدينة.

لكن الفعاليات الفنية التي تشهدها جدة في موسم الحج، تستهدف القادمين للحج، إضافة إلى المواطنين السعوديين، وفقاً لتصريح أحد مسؤولي هيئة الترفيه، والذي أكد أن الهيئة تحاول استقطاب القادمين للسياحة الدينية، وأنها خصصت لهذه الغاية مساحات في عدد من مطارات السعودية.

هذه التغيرات وغيرها، توحي بالكثير، وتؤكد -وفقاً لمراقبين- أن السعودية تمر بمرحلة انتقالية، تحاول فيها البلاد التخلص -ما أمكن- من تراثها القديم كدولة محافظة خادمة للحرمين، بطريقة لا تخلو من تعجل.

اقرأ أيضا: مكة المكرمة.. العشوائية سيدة المشهد الحضري
المصدر : الجزيرة مباشر